مخابز دمشق الحكومية – فاطمة ياسين

مخابز دمشق الحكومية

فاطمة ياسين

        بدأت أزمة الخبز في مدينة دمشق منذ أكثر من سنة، حيث أن النقص الحاد في مادة الطحين وارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ إلى جانب اكتظاظ المدينة بالسكان النازحين من معظم المحافظات، والأهم من ذلك استغلال البعض لهذه الظروف؛ شكّل أعباء كثيرة على المواطنين، فقد أصبح الحصول على ربطة خبز يحتاج من الجهد والوقت أكثر مما يحتاجه سباق ماراثون عالمي لقطع آلاف الأميال.

أظهرت لنا الأزمة شخصية أسطورية تجسّدت في معاون رئيس الوزراء ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك (السيد قدري جميل) كحلاّل للمشاكل الاقتصادية المترتبة على الأزمة “كونه كان قد تسلّم منصبه لهذا الغرض” فوضع خططاً مرحلية وخمسية للقضاء على المشاكل الاقتصادية السورية التي أوجدتها “الحرب الكونية” التي تستهدف البلاد، ابتدأت بالتفكير في كيفية إعادة تأهيل خطوط الكهرباء وشبكات البنى التحتية، ولم تنته بتحديد أسعار السلع في الأسواق المحلية.

وبالنسبة لأزمة الخبز -باعتبار أنها الأكثر حيوية وإلحاحاً- لم يكتف (جميل) بوضع الخطط النظرية لحلها، بل انتقل بشكل سريع إلى الفعل الميداني، وشكّل لجاناً شعبية مهمتها مراقبة انتظام الناس بالدور والمحافظة على “أمن المواطنين” هناك، وعين على رأس كل مسؤول أمني موجود على المخبز مسؤولاً آخر يراقب أداءه ويكتب التقارير عن سير توزيع الخبز.صورة المخبز

وبالفعل فقد أدى منع باعة الخبز الجوالين من التواجد بقرب الأفران للبيع بشكل حر وبسعر 50 ليرة سورية لربطة الخبز بدل سعرها الحقيقي 15 ليرة، إلى تخفيف الضغط كثيراً، ذلك أن وجود هؤلاء الباعة كان سبباً رئيسياً في خلق الازدحام على جميع الأفران، لأنهم كانوا، وبالاتفاق مع الخبازين، يحصلون على معظم الخبز الموجود في المخبز (التابع للدولة) ليعودوا لبيعه للمواطن بسعر يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف سعره الحقيقي.

وقد أظهر السيد (قدري) قدرته في أول أيام توليه لمهامه بهذا الاتجاه، وبرز بين أوساط المؤيدين والرماديين بوصفه خبيراً اقتصادياً يملك مخزوناً كبيراً من الخطط تمكّنه من حلّ جميع مشكلات البلد الحالية والمستقبلية.

ولكن، وبعد مرور أسابيع قليلة على هذا الحل السحري، ما لبث أن عاد الحال لأسوأ مما كان عليه من قبل، فالربطة التي كانت تباع خارج الفرن ب 50 ليرة أصبحت ب100 ليرة، فالقسمة لم تعد بين البائع الحر والخبٌّاز فقط، بل بات للمسؤول الأمني وللمسؤول عن مراقبته حصة من الغلة أيضاً… وأصبحت مهمة أولئك المسؤولين تسهيل حصول الباعة على الخبز بدلاً من المواطن الذي عاد للانتظار لساعات وساعات قبل الحصول على ربطة خبز، والغريب أننا لم نعد نسمع من السيد (قدري) أي تصريح عن أن مشكلة خبز المواطن هي مشكلة ملحة تأتي بالدرجة الأولى بالنسبة له ويجب حلّها بأسرع ما يمكن، ولا أستبعد أن يكون السبب في صمته الحالي عن المشكلة وانخفاض مستوى صراخه عن ما هو مهم وما هو أهم بالنسبة لحكومته أن السيد (قدري جميل) بنفسه أصبح  يتقاسم الغلة أيضا مع البائع والخباز ومسؤولي المراقبة!

التعليقات متوقفه