فعلاً… الحب أعمى – علي الأمين السويد
فعلاً… الحب أعمى
علي الأمين السويد
كنت في الصف الحادي عشر العلمي في ثانوية ذي قار الحبيبة، وكان الطالب عبد الخالق رياضياً من أذكياء الصف. انتبه مدرس اللغة العربية صدفةً إلى صورة شخص ملصقة على دفتر عبد الخالق العربي، فدار بينهما الحوار التالي:
الأستاذ: ما هذه الصورة التي على دفترك… يا عبد الخالق؟
الطالب: هذه صورة ماردونا يا أستاذ (استغرب عبد الخالق من أن الأستاذ لم يلحظ بأنها لماردونا).
الأستاذ: … ومن هذا ماردونا؟ (الأستاذ فعلاً لا يعرف من هو ماردونا)
جحظت عينا عبد الخالق، وكتم ضحكةً ساخرةً من جهل أستاذنا بمارادونا.
الطالب: ماردونا يا أستاذ… مارادونا… أشهر لاعب كرة قدم في العالم.
الأستاذ: (وببرود مطلق وثقة) … وماذا يعني؟ … مالذي جعلك تضع صورته على دفترك؟
الطالب: (احمرت عينا عبد الخالق، ونفخ الدم عروقه ورقصت الحيرة في رأسه) يا أستاذ … يا أستاذ … هذا ماردونا…!
الأستاذ: أي فهمنا… إنه مرطونا… لماذا وضعت صورته على دفترك؟
الطالب: لأني… لأني… أحبه.
الأستاذ: (وقف وقد بدت عليه المفاجأة وكأن أحدهم دلق عليه دلو ماء) تحبه؟!… هل قلت تحبه؟… هل يعرفك؟… لماذا تحبه؟ هل يضع صورتك على دفتره كما تفعل أنت بصورته؟ كطالب يا بني أقول إني أحب فلاناً من الصف 11/2 لأنه يلعب كرة القدم معي، أو لأنه يفضلني على غيري أثناء المباراة، أو لأنه يعطيني “باص” وأعطيه “باص”، أما ما تفعله فهو قلة عقل”.
من المؤسف أن بعض الناس درجوا على القول إنهم يحبون فلاناً أو علاناً من الناس دون دليل ملموس على أن هذا الشخص أو ذاك يستحق تلك المحبة.
فقصة العجوز الثمانينية “الجسرية” تكاد لا تفارقني؛ فتلك السيدة لم تفارق عينها الدمعة حزناً على وفاة باسل الأسد، وكانت تنوح نواحاً عجيباً عليه حتى طقت مرارتها عليه ولحقت به والدمعة في عينيها. مالذي جعلها تحب باسلاً الثلاثيني كل هذا الحب؟… وودت لو أن أستاذنا العربي كان عندها ليحقق معها، فربما عرفنا السبب وتركنا العجب.
حتى أن بشار الأسد كان محبوباً من قبل كثير من السوريين، وربما هذا الكثير يتجاوز الملايين التي شرّدها الآن في أصقاع الأرض. فما كان سبب حب الناس له غير زرقة عينيه، أو طول قامته، أو جمال زوجته؟ ننتظر الإجابة من الشهداء والجرحى والسجناء والسجينات والثكالى والمشردين فربما يخبروننا عن سبب حب بعضهم لبشار فيما مضى.
أما حسن نصر الله فكان معبود الجماهير في سوريا لدرجة أن أحدهم خاصمني لأني قلت إنه عدو للإسلام. وأقسم صديق آخر يميناً عجيبة بالطلاق أني وهابي ولا أعرف الدين. و هنا أيضاً وعلى الرغم من مشروعية الخطأ في هذه الأمور فإنه يبقى هنالك مجال للتساؤل عن سبب هذا الاندفاع الأعمى حول تقديس الأشخاص.
ومثالي الأخير طازج وساخن. فمنذ فترة كان بعض الشباب الصغار والكبار من إخوان مسلمين سوريا يدافعون عن الرئيس المصري محمد مرسي دفاعاً شديداً وكأنهم يدافعون عن عشيقاتهم إلى أن خرج بيان من جماعتهم ذاتها يتبرأ من أفعال الرئيس محمد مرسي ذاته. عجباً… مالذي يدفع الناس لأن تجعل من نفسها ضحية أو أضحوكة؟
مارادونا وباسل وبشار وحسن نصر الله ومحمد مرسي وتشافيز والقذافي وصدام وجمال عبد الناصر وغيرهم شخصيات جعلوا من محبة الناس وسيلة لاستباحة حقوق الناس واستعباد المعجبين. وهذه المشاعر الغريبة لا تولد إلا في و سط فكر مريض يتمكن من الجمهور بشتى الطرق.
الحب شعور جميل نعطيه لمن يستحقه ممن تبلورت لدينا أسباب مادية وقطعية باستحقاقهم لمحبتنا، وهذا ينطبق على العلاقات الاجتماعية والأسرية الصرفة.
أما في عالم الحياة المدنية فليس من المفترض أن حب مديرك لك في العمل يجعله يتغاضى عن تأخرك خمس دقائق عن دوامك.
إن بناء الوطن يتطلب منا إرادة قوية لتحقيق أهدافنا بعيداً عن العواطف، فالعمل كما يقال: عمل، وبناء الوطن عمل. وإن كان زيد الذي أحبه سبباً في إعاقة العمل فلا يجب أن يمنعني حبي له من توجيهه، وإن لم ينفع التوجيه فإقصاؤه عبادة ونوعاً من الحب الكبير الذي يقدم مصلحة الوطن على مصلحة قلب المحب الصغير.
التعليقات متوقفه