تركيا ترحّل سوريين مخالفين قبل عرضهم على القضاء


يقف فراس “ي” (37 عاماً) على تلة قرب مدينة حارم في ريف إدلب الشمالي الغربي، ينظر إلى الجدار الحدودي مع تركيا ويكلّم هاتفياً زوجته وابنته المقيمتين في إسطنبول، يعدهما أن محاولة دخول الأراضي التركية هذه المرة ستنجح كما وعده المهرّب، إذ حاول عدة مرات في السابق، لكنّ محاولاته باءت بالفشل بسبب الانتشار الكثيف لقوات حرس الحدود التركية، التي لم تفارق الشريط ولو للحظة.

يقول فراس إنّه رحّل من تركيا إلى سوريا على خلفية شجار حدث بينه وبين عامل تركي في أحد مصانع مدينة إسطنبول، “لم أعرض على محامٍ ولم أنقل إلى محكمة”، يشرح ما حدث معه، “حضرت الشرطة بعد اتصال من مشرف العمل، ولمّا علموا أنّي سوريّ نقلوني إلى سجن توزلا، ورحّلوني بعد إجباري على توقيع ورقة “عودة طوعية”.

ويضيف فراس في حديثه لمجلة “الغربال” أن الشجار لم يتجاوز الاشتباك بالأيدي، وكنت حينها أدافع عن نفسي عندما حاول الشاب التركي الاعتداء عليّ، تمنيّت أن أعرض على القضاء لأشرح لهم ما حدث معي بالتفصيل، لكني حرّمت من ذلك ورحلت، لقد تركت ابنة عمرها سبع سنوات وزوجتي وحيدتين، “ليتني سجنت قربهما ولم أرحل”.

ختام الحمد تقيم وزوجها في أنطاكيا، تقول لمجلة “الغربال” إن زوجها رحّل بعد أن استوقفته الشرطة داخل سيارة يملكها سوري، وكانت تنقل ركاباً سوريين بين أنطاكيا وكيليس، تضيف ختام أن الشرطة اتهمته بالمساعدة في نقل ركّاب لا يحملون وثائق تركية، وتلفت إلى أنه كان في زيارة لأقارب في كيليس ولم يكن يعمل مع السائق.

وبحسب ختام فإن زوجها لم يعرض على أي قاضٍ بل رحّل بعد إجباره على توقيع ورقة “العودة الطوعية” دون مراعاة وجود عائلة وأطفال له في تركيا، تشير ختام إلى أنها تفكّر بالعودة جدياً إلى سوريا، بعد أن باتت لا تطيق تحمّل أجرة المنزل ومصاريف أطفالها الاثنين.

ارتفعت في الآونة الأخيرة حالات ترحيل السوريين على خلفية مخالفات قانونية يرتكبونها، ويتم حرمانهم من حقهم في العرض على القضاء، “سليمان “إ” يقيم الآن في أعزاز بريف حلب، كان طالباً في جامعة قيصري، تم ترحيله بعد شجار بينه وبين صاحب مصنع كان يعمل فيه، بعد أن رفض رب العمل إعطاءه أجره كاملاً.

يقول سليمان إنه لن يتمكن من العودة إلى جامعته، لأنه رحل ووقع مجبراً على ورقة “العودة الطوعية”، تمنّى سليمان أنه لو عرض على القضاء فربّما كان لم يرحّل، ولربما كان قد تحصّل على باقي أجره الذي رفض رب العمل منحه إياه، بل وشكاه للشرطة.

هل الترحيل قانوني؟

يقول الناشط الحقوقي الذي يعنى بشؤون اللاجئين السوريين في تركيا طه الغازي إن تعاطي إدارة الهجرة ووزارة الداخلية التركية مع اللاجئين السوريين من قبل غير قائم على بيئة قانونية ثابتة، لأن نظام الحماية المؤقتة الذي تم استحداثه من قبل تركيا عام 2014 ما زال يفتقر إلى بعض المعايير القانونية التي تصون كرامة اللاجئ السوري على أراضي تركيا، فاللاجئ السوري إذا ارتكب جناية على الأراضي التركية فعلى القضاء توقيفه ومحاسبته وفقاً للقانون الجزائي التركي، لكن السلطات ترحّل المخالفين إلى مناطق سورية قد تعدّ خطرة، ما ينافي اتفاقية 1951 والبروتوكول الصادر عام 1967 الذين ينصان على حماية اللاجئين ووقعت عليهما تركيا حينها.

ويشير الغازي إلى أن القانون التركي لا يعتبر السوريين لاجئين، لكن تركيا تنسق في نفس الوقت مع المفوضية السامية لحقوق اللاجئين والمفوضية الأوروبية على أن السوري لاجئ شرطي، وغالباً ما تكون قرارات الترحيل لا مركزية ولا تعتمد على أية صيغة قانونية، والمثال على ذلك، أن وزير الداخلية التركي صرح أخيراً أن الحكومة ستعيد النظر بإجازات العيد للسوريين، انطلاقاً من تصريحات أحزاب معارضة، دون الاستناد إلى أي مستند قانوني، بحسب تعبيره.


وبحسب الغازي فإنه يحق للسلطات التركية وفق قانون العقوبات التركي ترحيل أي شخص يهدد أمنها القومي، لكنها باتت تتخذه هذه الحجة ذريعة لترحيل السوريين، وقد راجع كثير من السوريين دوائر الهجرة عبر محامين، ففوجئوا أنهم متهمون بتهديد الأمن القومي التركي، من خلال وضع كود يعرف بـ”G87″ على أضابيرهم، دون إبلاغهم بأية تفاصيل إضافية.

رأي دائرة الهجرة بعمليات الترحيل

المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية تقول إن عمليات الترحيل يتم تنظيمها في إطار قانون الأجانب والحماية الدولية ( yukk ) رقم (6458) بين المادتين (52 – 60 )، ويطبق على الأجانب الذين ينتهكون الأسباب المنصوص عليها ضمن المادة (54) من القانون ( yukk)، وهم الذين يشكلون خطراً على النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة، ومديرو أو أعضاء أو مؤيدو منظمة إرهابية أو منظمة إجرامية هادفة للربح، وأولئك الذين يستخدمون معلومات كاذبة ووثائق مزورة في إجراءات الدخول إلى تركيا و التأشيرات وتصاريح الإقامة.

إضافة إلى الذين يكسبون رزقهم بشكل غير قانوني أثناء إقامتهم بتركيا، والذين تجاوزوا فترة الإعفاء من التأشيرة أو التأشيرة لأكثر من 10 أيام أو الذين تم إلغاء تأشيرتهم، والذين ألغيت تصاريح إقامتهم، والعمال الذين يعملون بدون تصريح عمل، أو بحق من يخالف أحكام الدخول والخروج القانوني من تركيا، أو بحق الذين يتبين أنهم قدموا إلى تركيا على الرغم من الحظر المفروض عليهم من دخولها، والذين تم رفض طلب الحماية الدولية الخاص بهم.

لكن القانون التركي يستثني من قرار الترحيل الأجانب وحتى لو كان ضمن نطاق المادة (54)، الذين لديهم مؤشرات خطيرة على أنهم سيتعرضون لعقوبة الإعدام أو التعذيب أو العقوبة أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة في البلد الذي سيتم ترحيلهم إليه، إضافة إلى الذين يشكل السفر خطر عليهم بسبب مشاكل صحية خطيرة والعمر وحالة الحمل، وأولئك الذين لا تتاح لهم الفرصة لتلقي العلاج في الدولة التي سيتم ترحيلهم إليها أثناء استمرار علاجهم من أمراضهم التي تهدد حياتهم، وضحايا الاتجار بالبشر الذين يستفيدون من عملية دعم الضحايا، وضحايا العنف النفسي والجسدي والجنسي حتى الانتهاء من علاجهم.

أعداد المرحلين في ازدياد

يقول الناشط الحقوقي طه الغازي لا توجد أرقام دقيقة لأعداد المرحلين لأنه لا توجد جهة رسمية تحصي ذلك، وهناك تكتم على هذا الأمر من قبل السلطات التركية، التي تدرج جميع العائدين رغبة أو بالإجبار ضمن العائدين طوعاً إلى سوريا، وفي هذا الخصوص يقول المسؤول الإعلامي لمعبر باب الهوى الحدودي مازن علوش إن عدد المرحلين يبلغ وسطياً في الشهر نحو 1300 سوري، ووصل منذ بداية عام 2022 إلى 7700، لافتاً إلى أن إدارة المعبر لا تملك أية معلومة عن سبب الترحيل.

وبدوره قال العميد قاسم القاسم لمجلة “الغربال” إن عدد العائدين طوعاً من باب السلام بلغ في أيار وحده، 1395، منهم 39 أعيدوا لأنهم دخلوا الأراضي التركية بطرق غير مشروعة.

وفي وقت سابق من عام 2019 اتهمت منظمة “هيومان رايتس ووتش” السلطات التركية في إسطنبول وأنطاكيا باحتجاز وترحيل عشرات السوريين قسراً إلى شمال سوريا، بين كانون الثاني وأيلول من العام المذكور.


وبحسب المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

لكلِّ شخص حقُّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصَّة لإنصافه الفعلي من أيَّة أعمال تَنتهك الحقوقَ الأساسيةَ التي يمنحها إيَّاه الدستورُ أو القانونُ.

وتقول المادة 9:

لا يجوز اعتقالُ أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفًا.

أما المادة 10 فتضيف:

لكلِّ إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيَّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه.

تم إنجاز هذه القصة بدعم من “صحفيون من أجل حقوق الإنسان” (JHR)

التعليقات متوقفه