اللاجئون السوريون يتميزون ويبدعون رغم التحديات – وسيم عيناوي، محمد فارس

 

لطالما كان المواطن السّوري معطاءً ومحباً للعمل في أقسى الظّروف التي مرت عليه في بلده خلال سنوات الحرب القاسية، والتي كانت تتطلب من كل عايشها أن يكون مجدّاً ومبدعاً ليستطيع التأقلم مع متغيراتها في الشّدة والرّخاء، لينقل السّوري لاحقاً معه هذا الإبداع والعطاء إلى بلدان اللجوء، التي فُرِض عليه الإقامة فيها ويحوّل شقاء نزوحه إلى نعيمِ إبداعٍ وعطاءٍ فَرض وجوده ومكانته في مجتمعٍ جديدٍ لم يكن سهلا عليه تقبّله.

فقد انبرت الأمثلة العديدة للسّوريين الذين تميزوا وأبدعوا في دول الجوار في المجالات العديدة إن كان على الصّعيد الشّخصي أو الصّعيد الجماعي باسم اللاجئين، ما عكس المخزون الفكري والاجتماعي للمجتمع السّوري في هذه البلدان وصحح المفهوم المغلوط عن النازحين، بأنهم فقط شعبٌ مستهلكٌ يشكّل عبئاً على أهل البلد المستضيف بسبب أعدادهم الكبيرة.

تميزٌ وإبداعٌ:

استطاع فريق أمل سوريا للاجئين تقديم نموذجٍ رائعٍ لنجاح العمل المشترك للاجئ السّوري وتميّزه حتى على أبناء البلد المضيف، فريق أمل سوريا للروبوت هو عبارةٌ عن مجموعة شبابٍ لاجئين في لبنان استطاعوا إحراز المركز الأول لمسابقة الرّوبوت في الجّامعة الأمريكية في لبنان، بالإضافة لجائزة أفضل تحكيم في مسابقة للإبداع على مستوى العالم أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفع البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي لطلب التّعرف عليهم ودعوتهم للمشاركة مجدداً في مسابقة المدارس المتوسطة في أمريكا.

أسامة شحادة وهو مهندسٌ أتمتة ومدرب للفريق كان قد صرّح بأن دعوة فريقهم المكون من مجموعةٍ من الشباب المبدعين في مدارسهم في لبنان إلى المشاركة في مسابقة المدارس المتوسّطة في الولايات المتحدة، لم يأت إلّا بعد الجّهد الحثيث الذي بذله الفريق في الإبداع والنجاح في مسابقة “روبجي” للروبوت والتي أحرز فيها الفريق المركز الأول على مستوى لبنان، وكان الفريق قد عزم الأمر على تقديم ما أمكن من مجهود يعكس إبداع الشّباب السّوري في بلدان اللجوء ومقدرتهم على الإبداع والعطاء، رغم المعاناة وصعوبة الظّروف وهذا ما كان نتيجته تميزنا على مستوى العالم وإبراز انجازاتنا كسوريين رغم مآسي الحرب”.

تعددت أمثلة نجاحات اللاجئ السوري في دول الجوار والتي نافست في حالات كثيرة أهل البلدان التي لجأوا إليها وفي مجالات مختلفة، فلقد عرف عن اللاجئ السوري العزيمة والإصرار سعياً إلى الأمل الذي لطالما خرج لأجله في ثورته رغم كل التّحديات، ولأجل ذلك كان أحد أبرز إبداعات اللاجئين في دول الجوار هو صناعة الأمل والتميز في بناء جيل يتقن التميّز ولا يعرف الاستسلام أو الهزيمة رغم الكسر الذي أصابه في بلده قبل النّزوح.

يبرُز “موفّق الزهوري” كأحد أبرز الأمثلة الفردية على الإبداع في صناعة الأمل في مخيمات اللجوء والقدرة على العطاء رغم محدودية الإمكانات وصعوبة الظروف، فلقد استطاع إعادة الأمل لشريحة كاملة مهملة من الجرحى والمعاقين جراء إصابات الحروب، بالإضافة لتأهيل جيل كامل من الأطفال اليتامى والمهمشين جراء انشغال ذويهم بمآسي اللجوء وبنائهم بدنيا وصناعة الأمل لديهم بمستقبلٍ حافلٍ جديد”.

أبو محمد القصيراوي لم يكن يتخيل يوماً أنه سيستطيع ممارسة أيٍّ من الرياضات في حياته عقب بتر ساقه جراء اصابته في القصير، إلا أنه رأى النور كما رفاقه الجرحى من جديد عقب دخول الشاب موفّق الزهوري لحياتهم وإعادته الأمل والبسمة لوجوههم، من خلال جعلهم يعودون لمزاولة الرياضة والنشاطات الاجتماعية من جديدٍ وكأنما لا يوجد إصابة في أجسامهم تعيقهم على الإطلاق.

صناعةٌ للأمل:

يقول المصاب أبو محمد للغربال: ممارستي للسباحة بساق واحدة والمشاركة مع فريق المصابين في لعب كرة القدم والألعاب الأخرى، كانت أشبه بحلم صعب المنال قبل معرفتي بموفّق الزهوري، حيث كنت أفضل التزام خيمة النزوح في عرسال بشكل دائم بسبب الإعاقة، أما الآن فأنا أنتظر ساعة الرّياضة والتّمرين والاجتماع مع المصابين بفارغ الصبر.

يضيف القصيراوي “أخرجتني تلك النشاطات من حالة العزلة التي كنت أعيشها بسبب إعاقتي، إذ بتُّ أشعر اليوم أنه يوجد من يقدر تضحيتي بساقي لأجل الثّورة عدا عن أنه بات لي وسطٌ اجتماعيٌ وعلاقاتٌ جديدةٌ بنيتها من خلال انخراطي بين الناس من جديد وولَّدت لدي الأمل في الحياة والقدرة على العطاء من جديد”.

موفّق الزهوري هو من عائلةٍ ثوريةٍ عريقةٍ قدمت شهيدين هما الفنان العالمي مهيد الزهوري والمصوّر الكبير في الثّورة طراد الزهوري، كان رياضياً ومدرباً قبل الثّورة وقد تعرض لعدة إصابات في معارك القصير جعلته يشعر بالعجز في بعض المراحل، الأمر الذي دفعه للتطوّع لإخراج الجرحى في عرسال من حالة العجز التي تصيبهم بسبب إعاقاتهم الدّائمة بعدما عجزت منظّماتٌ إنسانيةٌ دوليةٌ عن ذلك.

إخلاصٌ للجرحى والشهداء:

يقول موفّق الزهوري للغربال: “لطالما كانت خدمة الجرحى وإعادة البسمة لوجوههم من أرقى الأعمال الإنسانية التي يمكن للإنسان مزاولتها، وهذا الأمر لا يحتاج لدعمٍ أو لمنظماتٍ وهيئاتٍ إنسانية تعيش على كنف هؤلاء الجرحى، بل بالعزيمة والإصرار والإخلاص يُمكِن إيصال البسمة وزرع الأمل في قلوب المنسيين في المخيمات من الجرحى واليتامى وذوي الشهداء، وبعملي هذا أثبت مقدرة السّوري على العطاء والإبداع رغم مآسي النزوح والتفوق بذلك حتى على المنظّمات والمختصين من دول الجوار في هذا المجال”.

ويضيف الزهوري بأنه يقوم بنشاطات رياضيّة تولِّد الحماسة في قلوب الجرحى وتبدد شعور اليأس لديهم، كالسباحة وكرة القدم والألعاب الأخرى والتي بمزاولتها يشعرون أن إعاقتهم ليست حاجزاً أمام استكمال حياتهم بشكلٍ طبيعيٍ، وذلك بالإضافة لإقامة عدة نشاطاتٍ ومسابقاتٍ رياضيةٍ لأطفال الشهداء لخلق جوٍ اجتماعيٍّ إيجابيٍّ لهم يُغنيهِمُ بعض الشيء عن فقدان ذويهم أثناء الثّورة، وذلك أقلُّ ما يمكن تقديمه كواجب وجزء من تقدير تضحيات ذويهم الشهداء.

وينوِّه الزهوري أنّه لم ينتظر مكافئةً من أحدٍ أو دعمٍ من أي طرفٍ على هذا العمل، بل إن رؤية البسمة على وجوه الجّرحى وأطفال الشّهداء هي أكبر جزاءٍ على عمله التطوعيّ فالبسمة لا تشترى بالمال أبداً، إضافةً لأن ذلك هو كاستكمالٍ لطريق الثّورة الذي استشهد عليه إخوته ولابد من استكماله بأيّ طريقة والطريق الإنسانيّ هذا من أنبل طرق الثورة المتاحة في مخيمات عرسال، عدا عن أنَّ بناء الأجيال وصناعة الأمل لن تكون سوى بأيدٍ سوريةٍ تدرك بأن تلك حاجةٌ وليست فقط واجبٌ يجب قضاؤه.

لقد استطاع السوري فرض تواجده ومكانته ضمن وسط الإبداع والتميز في دول الجوار ولكن يبرز السؤال الأكبر هنا: كم كانت هذه المواهب مكبوتةً ومهمشةً في عهد النّظام السّوري وكم من موهبة خسرت سوريا بسبب انتقام النّظام من كل مبدعٍ لمجرد معارضته له فكرياً!؟ وتعيد نماذج الإبداع السّوريّ في الخارج الأمل لجميع السوريين ببناء وطنٍ حرٍّ ريثما تنتهي الحرب في سوريا يستطيع من خلاله أبناؤه تسخير جهودهم وإبداعاتهم في تطويره لرفع اسم سوريا بين الدّول المتميّزة عالمياً من جديد.

اللاجئون في أوربا عاشوا تجارب مماثلة

ذات صباح صيفي من عام 2006، توجهت ورشة برفقة دورية شرطة لهدم غرفتين مخالفتين في منزل حازم أبو يونس ومَي السمهوري في مخيم اليرموك. كان الزوجان منهكين إثر قضائهما الليلة الفائتة مع ورشة البناء التي شيدت لهما الغرفتين الصغيرتين على سطح منزل والدي حازم. لم يكن قد مضى على زواجهما بضعة أشهر.

كان غبار تعب السنوات يتهاوى تحت ضربات المطارق كافياً ليخلق لديهما حنقاً شديداً. خصوصاً وأن فرعاً أمنياً كان قد سبق واستدعى سمهوري ليحقق معها بشأن عملها في التسويق الإلكتروني الذي لم يكن شائعاً حينها بعدُ في البلاد. وأدت تلك الظروف حينها إلى إجبارها على ترك عملها في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. إلا أن مَي، وبالرغم من غضبها، بقيت «مؤمنة بالنظام».

وأثناء عملها في منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، تعرّفت سمهوري إلى أبو يونس عام 2000 حيث كان الاثنان ناشطين أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى (2000 – 2005). وتزوجا عام 2006. وكانت مرحلة الاستقرار قد بدأت في حياتهما عام 2011 حيث أنجبت مَي ثلاثة توائم في شهر أيار 2011.

وانتظرت سمهوري عدة أشهر حتى اطمأنت على أطفالها، وشاركت في خريف 2011 في المظاهرات الشعبية المناهضة لنظام بشار الأسد والتي اندلعت ربيع العام نفسه. وبدافع مما كانت تشاهده من قمع وقتل واعتقال بحق المتظاهرين أثناء عملها في الهلال الأحمر، انخرطت وزوجها في نشاطات إغاثية بدمشق وريفها.

وبالرغم من أن أبو يونس كان عاملاً في السفارة الفلسطينية بدمشق، إلا أن ذلك لم يكن حائلاً دون إعفائه من الطلب إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا. وإلى جانب ذلك لعب خوف الزوجين على أولادهما دوراً محركاً رئيسياً للخروجهم من البلاد في شباط عام 2012.

وتسترجع سمهوري ذكرياتها بالقول إنها كانت «ساذجة» في موقفها من الرئيس الأسد. وتسخر من نفسها حين تتحدث عن مشاركاتها في مسيرات واعتصامات أمام السفارة الأمريكية بدمشق للتضامن مع نظام الأسد عامي 2004 – 2005.

وتعرضت سوريا منذ سقوط النظام العراقي واحتلال العراق عام 2003 إلى ضغوط أمريكية لإجبارها على الانصياع لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة. وبلغت تلك الضغوط ذروتها مع مصادقة الكونغرس الأمريكي على قانون “قانون محاسبة سوريا” بذريعة أن دمشق غير جادة في الحرب على الإرهاب. واشتدّت الضغوط الدولية إثر اتهام نظام الأسد بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005.

تقول سمهوري: “كنت ضد أمريكا ومتحمسة للأسد وأردت أن يأخذ فرصته، كنت أراه ابن رئيس وطبيباً ويسعى للإصلاح دون أن تكون له بطانة تساعده. كنت أستمع إلى ما يتحدث أصدقاؤه عن أخلاقه وعن زواجه من خارج طائفته”، وتزوج الأسد من أسماء الأخرس عام 2000 وهي ابنة مدينة حمص والمولودة في بريطانيا.

تتابع سمهوري “كان حازم يسخر من مُناصرتي للأسد خصوصاً وأن أي حركة مناهضة للنظام كانت تؤدي بصاحبها إلى الاعتقال”.

الخوف من اعتقاله و زوجته وأولاده، كان ما يؤرّق أبو يونس. خصوصاً وأن قوات الأمن السورية كان قد اعتقل جاره الطبيب الذي كان يعالج سراً المصابين. كما اعتقلت قوات الأمن أصدقاء لحازم ظهرت صور جثثِ بعضهم في ما بات يعرف بـ”ملف قصير”. وكانت أولئك يعملون على إيصال المساعدات الطبية والإغاثية للمناطق المنكوبة شمل بعضها إجراء عمليات جراحية داخل عيادات وبيوت بالتعاون بين أطباء وناشطين لإنقاذ المصابين أثناء المظاهرات. كما وكان بينهم متظاهرون ونشطاء في حقوق الإنسان.

و”قيصر” لقب أُطلق على عسكري سوري سابق انشق عن النظام وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين في سجون ومعتقلات الحكومة السورية.

وبالرغم من أنه كان مطلوباً للخدمة العسكرية الإلزامية، كان أبو يونس يتمتع بمرونة الحركة بحكم عمله في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية‎ ثم لاحقاً في سفارة فلسطين بدمشق. وساعده ذلك بنقل المواد الطبية والحوالات المالية إلى الأشخاص الذين كان يعمل معهم بوصفه وزوجته ناشطين في الحقل الإغاثي والطبي.

وفي مطلع عام 2012 كان الزوجان يحاولان إيصال مبلغ مالي كبير إلى جهة إغاثية بدمشق حين وجدوا الناس مجتمعين في أحد الشوارع حول شاباً مصاباً ممد على الأرض. فاقتربت سمهوري منه وبدأت تعطيه إسعافات أولية ثم رافق الزوجان المصاب إلى مشفى قريب حيث فارق الحياة. وتبين لاحقاً أن الشاب كان يشارك في مظاهرة مناهضة للنظام وتلقى طلقاً نارياً في الرأس.

وبعد أن غادر الزوجان المشفى تواصل حازم مع صديق سويدي وطلب منه المساعدة في الخروج من البلاد خصوصاً وأنه قد حصل على منحة دراسية من المعهد السويدي للخضوع لدورة في مجال حقوق الإنسان. ولم يكن بوسع السفارة الفلسطينية، حيث يعمل حازم، أن يساعد زوجته وأطفاله في السفر. إلا أن الصديق السويدي قال تكفّل بمساعدة أفراد العائلة حالما يكونون في لبنان.

في شهر شباط عام 2012، ترك أبو يونس أطفاله الذين لم يكونوا قد تجاوزوا العام من العمر، وتوجه إلى لبنان. واستطاع بما يشبه المعجزة أن يتجاوز الحدود السورية – اللبنانية. وما لبثت أن لحقت العائلة به ثم سافروا إلى السويد بعد بضعة أشهر.

وفي السويد، حصل حازم على منحة دراسية من المعهد السويدي جديدة ليتفرع لمدة عامين للدراسة في برنامج الماجستير في دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند السويد والعريقة. ولكن ذلك كان على حساب تعلم اللغة السويدية التي لم يولِها الاهتمام المطلوب.

ويحمل أبو يونس إجازة في الإعلام من جامعة دمشق. وتحمل سمهوري درجة الماجستير في الإدارة العامة من المعهد الوطني للإدارة العامة (INA) وإجازة في اللغة الإنكليزية وآدابها من جامعة دمشق.

وبعد سنتين من العمل والدراسة في السويد، سافر أبو يونس لوحده إلى أوزبكستان لعدة أشهر للعمل في السفارة الفلسطينية هناك. كان طموحه أن يترقى في العمل الدبلوماسي ويحقق أهدافه من خلاله. لكنه ندم كثيراً لأنه ابتعد عن عائلته إلى جانب أن التجربة المريرة هناك حيث أن «نظام حافظ الأسد السيء أفضل من النظام الحاكم في أوزبكستان».

وقد سبق لأبو يونس أن زار السويد عدة مرات منذ عام 2005. لكنه اكتشف بعد إقامته فيها أن الفارق شاسع ما بين المواطن والزائر. حيث اكتشف في أوزبكستان، وبالمقارنة مع تجربته السويدية، أنه شتان ما بين أن تسمع عن مفاهيم كالحرية والديمقراطية وأن تعيشها. «وهذا لعب دور أساسياً بأني لم أستطع الاستمرار بالعمل هناك».

كما ويتابع الزوجان دراساتهما في اللغة السويدية حيث تسعى سمهوري للدخول إلى برنامج تدريبي في الترجمة لمدة سنة يؤهلها لتصبح مترجمة محترفة بين العربية والسويدية. وتدرس سمهوري كذلك في جامعة مالمو في برنامج اللغويات التطبيقية – اختصاص لغة إنكليزية. بينما يعمل أبو يونس على التحضير لبرامج أكاديمية في العلاقات العامة ووسائل التواصل الاجتماعي والاتصال إلى جانب التنمية المستدامة سعياً منه للتأهل للتقدم لدراسة درجة الدكتوراه.

وخضع أبو يونس أثناء دراسة الماجستير لتدريب في مؤسسة «ابن رشد» السويدية؛ وهي جمعية شبه حكومية تعليمية تربوية إسلامية تعمل على ضمان الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز الهوية الإسلامية في السويد. ويسعى أبو يونس اليوم لتأسيس مكتبة عربية في السويد خصوصاً وأنه يعمل مع مؤسسة «ابن رشد» على إطلاق معرض الكتاب العربي الأول في إسكندنافيا  كحدث هو الأول من نوعه في أوروبا.

وتسكن العائلة حالياً في مدينة مالمو التابعة لمقاطعة سكونة أقصى جنوب السويد حيث يعمل أبو يونس حالياً في منظمة «السراج للتنمية والرعاية الصحية»، وهي منظمة سورية غير حكومية مرخصة في السويد وتعمل على دعم المجتمع المدني السوري.

واسم مالمو Malmhaugar و Malmøya يتكون من جزأين. الأول «Malm» أي «الحصى»، والثاني «hög» ويعني «كومة». وتأسست المدنية ما بين عامي 1260 و 1275. ويقول باحثون إن تأسيس المدينة يعود لرئيس أساقفة مدينة لوند المجاورة الذي أراد من خلال تأسيسها تيسير عملية العبور إلى كوبنهاجن.

ويسكن في مملكة السويد حوالي 211,000 عربي، ويشكلون واحدة من أكبر الأقليات في البلاد.ويشكل العراقيون والسوريون واللبنانيون أكثرية ضمن الجالية العربية. ووفقاً لإحصاءات دائرة الهجرة السويد، استقبلت السويد 160,000 طالب لجوء بين عامي 2012 و 2015 معظمهم من العراق وسوريا وأفغانستان. ومنحت المملكة حق اللجوء لحوالي 101,000 إنسان.

ويصعب على الوافدين الجدد بناء شبكة علاقات في السويد فهي أسوأ مكان في العالم بالنسبة للوافدين الراغبين في إقامة علاقات صداقة جديدة، وفقاً لمسح أجراه بنك إتش إس بي سي.

وتعتبر البروفيسورة داليا عبد الهادي، أستاذة علم الاجتماع في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند، أن أهم ما استطاع كل من حازم ومي إنجازه هو الحصول على عمل وبناء علاقات وصداقات في السويد وهو الطريق إلى حياة هنا.

«استفاد حازم من التدريب أثناء دراسته في مؤسسة «ابن رشد» في مالمو،» تقول عبد الهادي. «كما استطاعت مي أن تدخل الجامعة. كل ذلك أعطى كليهما فكرة عن سوق العمل ومعارف، وهي أمور لا ينتبه إليها الناس بحكم أنها عموماً من المسلّمات بالنسبة للوافد الجديد في بلده الأصلي».

ويعيش أبو يونس قلقاً من الاضطرار إلى الانتقال خارج السويد في حال اندلاع حرب في السويد كالتي في سوريا. ويقول إن القلق أمر قد ورثه. فوالده، وهو من فلسطينيي 1967، هرب إلى سوريا مع عائلته إلى سوريا وأقاموا في مخيم اليرموك بعد هزيمة عام 1967.

وشهدت مدينة مالمو نفسها أحداثاً دموية بعد “تمرد غريف” «Grevefejden» سنة 1534 إثر اعتقال اللورد «Mogens Gyldenstierne» وزجّه في السجن. ونجح المتمردون في التقدم بداية الأمر، لكن الأمور انزلقت إلى حرب أهلية نجحت القوات الملكية في نهايتها في إنهاء التمرد. وحوصرت مالمو عام 1536 واستسلمت ربيع العام نفسه وخسرت مكانتها.

وبالرغم من قلقه ذلك، فإن أبو يونس يشعر بارتياح تجاه مستقبل أولاده حين يراهم سعداء أثناء ذهابهم إلى المدرسة وممارستهم أنشطة متعددة. كما ويبدي احتراماً لدوائر العمل السويدية التي تعمل بشفافية كما يقول.

ويشعر أبو يونس بشيء من الطمأنينة لغياب إمكانية الابتزاز في تلك الدوائر. حيث يستذكر أنه دفع في سوريا لأحد السماسرة حوالي 300 دولار أمريكي لحل مشكلات له ولزوجته في في الأفرع الأمنية. وبالرغم من أن سمساراً آخر أخبره أن لا مشاكل عليهما، إلا أنه دفع المبلغ من باب الحيطة.

ونظراً لذلك فهو يعتقد أن العودة إلى سوريا غير ممكنة قريباً لأن المرحلة اللاحقة لانتهاء الحرب لابد وأن تتبعها مرحلة من عدم الاستقرار خصوصاً الأمني والاقتصادي. ويتمنى بعد أن يحصل على الجنسية السويدية أن يعود إلى حيفا؛ مسقط رأس والده، لكنه يعلم أن «الوضع صعب هناك».

«أنا أبحث عن تأمين أولادي،» يقول أبو يونس. «لا أعرف إن كان ذلك في بلد عربي ما أو في سوريا التي أتمنى أن أعود إليها. لكنني لست متفائلاً أن البلاد ستكون قادرة على التعافي بسرعة. أتمنى ذلك».

أما بالنسبة لسمهوري فهي قلقة بشأن بقاء الأسد في السلطة «بالحديد والنار». وتعتقد أنه ما دام في السلطة، فلن يكون بوسع ملايين السوريين العودة إلى وطنهم في المدى المنظور. «أتمنّى أن نكون أنا وعائلتي أحرار في العودة إلى بلادنا عمّا قريب ولو على سبيل الزيارة،» تتابع سمهوري.

ولا تعتقد البروفسورة عبد الهادي أن الكثير من السوريين سيعودون إلى وطنهم. وتبني رأيها ذاك على بناءاً على دراسات أجرتها على الحالة اللبنانية نظراً لقرب الحالتين في رأيها.

وفي كتابها «الشتات اللبناني: تجربة المهاجرين العرب في نيويورك ومونتريال وباريس»، تكتب عبد الهادي: «بغض النظر عن مستوى اندماجهم، يؤكد جميع المهاجرين الذين لديهم سرديات عرقية على وجودهم المؤقت خارج لبنان ويعبرون عن رغبتهم في العودة إلى وطنهم. وعلى الرغم من ذلك، يعتقد جميع المهاجرين في هذه المجموعة أنهم لن يتمكنوا أبداً من العودة إلى لبنان بشكل دائم بسبب الاقتصاد والظروف السياسية».

وتلمس عبد الهادي أن كثيراً من السوريين الذين أتوا إلى السويد بعد عام 2011 استطاعوا أن يؤسسوا لحياتهم في السويد، ولذلك سيصعب عليهم أن يتركوا منجزاتهم ويعودا ليبدؤوا من جديد.

«لن يعودوا أو بمعظمهم على الأقل،» تضيف عبد الهادي. « اللبنانيون لم يعودا. سيكتشفون مع الوقت أن العالم ليس مكان ولادتي برغم مقامه في نفسي. سيتقلص لديهم الشعور بالانتماء الوطني والعرقي ليسألوا أنفسهم: إذا كان بإمكاننا أن نفعل شيئاً في سوريا، لماذا لا نقوم به في السويد؟».

التعليقات متوقفه