محمود والبحث اليومي عن الأرواح المحاصرة – فريق الغربال
محمود والبحث اليومي عن الأرواح المحاصرة
فريق الغربال
ما إن يهوي البرميل من المروحية التي تجوب سماء حلب، حتى ينطلق كالمجنون إلى مكان السقوط، محمود، شاب ثلاثيني من أحياء حلب المحررة ترك الجامعة ليلتحق بالثورة، حمل السلاح ثمّ قرّر التخلي عنه (حتى ما يكون تابع لحدا منشان كام طلقة)، وسرعان ما اكتشف أنه يبرع في إنقاذ الأرواح أكثر من استخدام السلاح!
يعود من مكان القصف الأخير قائلاً: (الحمد لله ما في شهداء، كان في عجوز علقان تحت الأنقاض بس الشباب طالعوه بخير).
محمود ليس وحيداً في أنشطة الدفاع المدني التي يزاولها منذ أشهر، فهو ومجموعة من زملائه يشكّلون فريقاً صغيراً يقوم بمهام الإنقاذ وانتشال الضحايا من تحت الركام الذي تخلفه البراميل المتفجرة التي تكاد لا تتوقف في حلب.
الفريق الصغير خضع منذ مدة قصيرة لدورة تدريبية في تركيا، تعلموا فيها المزيد من الخبرات والتقنيات وتلقوا تدريباً جيداً على يد مختصين أجانب، وحصلوا في نهاية الدورة على بعض المعدات التي تفيدهم في عملهم اليومي؛ البحث عن الأرواح المحاصرة وإنقاذها.
يقول محمود: (الأدوات التي حصلنا عليها مهمة لاشك ولكنها غير كافية)، فأمام الركام الهائل الذي تخلفه البراميل المتفجرة أو صواريخ السكود تبدو الأدوات البسيطة التي حصلوا عليها غير ذات نفع، فهم بحاجة لمعدات ثقيلة كالتركس والباكر والجرافات الكبيرة وسيارات الترحيل، بالإضافة لحاجتهم إلى سيارة تنقل فريقهم إلى مكان القصف بسرعة وأجهزة اتصال تتيح لهم الوصول إلى مكان القصف دون التوقف مرات عديدة على الطريق لسؤال الناس: (وين طب البرميل)!
وعن أصعب حالات الإنقاذ التي مرت عليهم يحدثنا قائلاً: (وصلنا مرة إلى مكان قصف بالبراميل، أخرجنا عدداً من الجثث من أنقاض البناية التي تحولت إلى ركام ناعم، وكان واضحاً أنه من المحال أن يخرج أحد حياً من تحت كل هذا الركام، وبجانب الركام كانت هناك أم تبكي على طفلتها المفقودة تحت الأنقاض، وبعد عمل طويل قررنا التوقف عن العمل، بقيت الأم تنبش الركام بيديها وتصرخ بدي بنتي.. بنتي عم تستناني أنا سمعانتها! كان الموقف صعباً ومحرجاً أمام هذه الأم المفجوعة وكنوع من المواساة قررنا مواصلة العمل لإخراج ابنتها، وبعد ساعات طويلة من العمل كانت المفاجأة بالعثور على الطفلة وهي على قيد الحياة وقد حماها عمود إسمنتي سقط بشكل مائل لتستقر الطفلة تحته، ولن أنسى طوال عمري دعوات الأم لنا ولا مشهد دموعها وفرحها)!
محمود فقد العديد من الزملاء الذين سقطوا شهداء في مواقع القصف، إما بسبب قصف جديد وفي بعض الحالات بسبب انهيار بعض الأنقاض، وبرغم ذلك لايشعر بالخوف أو الندم على امتهان هذه الوظيفة التي قد لا يحصل فيها على راتب واحد إلا مرة كل بضعة أشهر.
في الأيام القليلة التي لايشهد في قطاع عمله قصفاً يذهب محمود إلى أصدقائه لتصفح الإنترنت والتعرف على أساليب عمل جديدة من مواقع عربية وأجنبية للدفاع المدني ويأمل أن تنتهي الحرب قريباً، كما يأمل أن يتلقى مع زملائه دعماً كافياً بالمعدات والرواتب.
التعليقات متوقفه