معركة الزلزلة: تمخّض الجمل فولد هُريرة – تحقيق وتصوير: مروان الحميد

معركة الزلزلة

تمخّض الجمل فولد هُريرة

1384948_249412685207937_1450541236_n

 

تحقيق وتصوير: مروان الحميد

مجدداً يحمّل أبو إبراهيم ما تبقى من أغراض بيته في سيارته السوزوكي، وينزح عن معرة النعمان، حاله كحال من تبقّى من أهل المدينة، إذ أخبرتهم كتائب الجيش الحر العاملة في المنطقة بوجوب إخلاء المعرة، لأن معركة كبيرة ستنطلق خلال أيام ضد قوات النظام المتمركزة في معسكري وادي الضيف والحامدية القريبين، وهما آخر الحصون القوية المتبقة لنظام الأسد في ريف إدلب الجنوبي.

 IMG_0581

المعركة لم تكن هنا أصلاً!

سرعان ما أصبحت المعركة -التي لم تبدأ بعد- حديث الشارع ووسائل الإعلام، والطريف في الأمر أن المعركة لم يكن مخططاً أصلاً أن تبدأ في هذه المنطقة، إذ تمّ التجهيز والإعداد لبدء عملية ضخمة تسفر عن تحرير مدينة إدلب/مركز المحافظة، وتمّ تأمين ذخائر وأسلحة بكميات كبيرة من قبل جهات عديدة كان أهمها هيئة الأركان، ولكن خلافات بين الكتائب المشاركة في المعركة على قسمة الغنائم التي لم يتمّ الحصول عليها بعد، ووجود مطامع خاصة لدى بعض الجهات المشاركة في المعركة في قلب مدينة إدلب، أفشلت العملية! متناسية الكتائب مثلها الشعبي: لاتقل فول ليصير بالمكيول!

ونتيجة لذلك تقرّر نقل غرفة العمليات إلى معركة جديدة هي معركة الألف هاون أو الزحف الإسلامي أو شهداء بابولين ليستقر الاسم أخيراً على: معركة الزلزلة، التي وضعت هدفاً أساسياً لنفسها هو: تحرير معسكري الحامدية ووادي الضيف. ولكن المستغرب في الأمر أن الذخائر والأسلحة التي تمّ رصدها لبدء معركة تحرير إدلب لم يتمّ نقلها كلها إلى المعركة الجديدة، بل نُقل قسم منها فقط، فيما احتفظت بعض الجهات بالذخائر دون أن تشارك في أي من المعركتين، بحسب “تركي البيور” أحد القادة الميدانين على جبهة الحامدية. وتم توزيع الذخائر القادمة من الأركان على القطاعات وفق النسب المئوية للقوى المشاركة وقوة الحواجز والمخطط لكل حاجز من اقتحام أو إشغال.

القوى المشاركة:

شاركت في المعركة مجموعة متنوعة من التشكيلات العسكرية في المنطقة، كان على رأسها “لواء الأمة” على جبهة وادي الضيف، والفرقة 13، إلى جانب عدد من المجموعات المساندة على جبهة الحامدية. القوة الأساسية في المعركة والتي كانت مُصرّة عليها بشكل كبير كانت “لواء الأمة”، الذي رفض استلام أية ذخائر إضافية، بل ورفض أن يشاركه أحد من التنظيمات الكبيرة العمل على جبهة وادي الضيف، ونتيجة لذلك انسحب “صقور الشام” الذين كانوا يعدون لعمل نوعي منذ مدة طويلة!

IMG_0005

وعلى الرغم من معرفته الجيدة أن الوادي يتألف من 6 جواحز كبيرة، ومركز للقيادة، والكثير من الأسلحة الثقيلة والآليات،فإن لواء الامة أعلن أنه وحده قادر على اقتحام وادي الضيف، وخلال زمن قياسي متوعداً بمفاجآت كبرى أثناء المعركة!

وبناء على تعهّد لواء الأمة، ومعنوياته المرتفعة جداً -بحسب قائد ميداني- قررت بقية فصائل المنطقة الاشتراك في المعركة على جبهة الحامدية، لمنع الحامدية من تقديم الدعم للوادي أثناء المعركة، بل طمح البعض إلى أكثر من ذلك، أي إلى إنهاء وجود الجيش بالكامل في المنطقة، ناهيك عن أن بعض التسريبات كانت تتحدث عن هدف كبير هو إنهاء وجود قوات النظام في المنطقة الممتدة من مورك في ريف حماه إلى وادي الضيف!

ساعة الصفر ومجريات المعركة:

لم يكن للمعركة ساعة صفر محددة، ففي اليوم الأول بدأت الأعمال القتالية الساعة الثالثة عصراً، وفي الثاني الساعة الرابعة، ليبقى وقت انطلاق المعركة علامة استفهام كبيرة، لعدم بدء أي من المعارك السابقة في توقيت كهذا.

البعض برر ذلك بالرغبة في قصف الحواجز بشكل تمهيدي واقتحامها مع مغيب الشمس، حيث يسهّل الظلام عملية الاقتحام، ويتم تحييد الطيران في وقت واحد.

في اليوم الأول تمّ تحقيق تقدّم جيد على جبهة الحامدية، وخاصة في منطقة بسيدا، وكان أشد ماعاناه المهاجمون هو نيران الحواجز الجنوبية “الغربال – حيش…” التي ساندت الحواجز المهاجَمة، في تقصير واضح من الفصائل التي تمّ تذخيرها لتقوم بإشغال هذه الحواجز، ولكنها لم تفعل ذلك كما يجب. كما تمّ استهداف عدد من الضباط وأُسِر أحدهم برتبة عميد، أما على جبهة وادي الضيف فكان التقدم الأبرز هو على حاجز الزعلانة “شمال وادي الضيف” وسقط على سواتره الترابية حوالي 7 شهداء، بقيت جثامينهم هناك ولم يتمكن المهاجمون من سحبها…

IMG_0019

وتراوحت العمليات في بقية الأيام بين كر وفر، دون إحراز أي تقدم حقيقي أو نتائج فعلية.

وقبيل نهاية المعركة شهدت العمليات تصاعداً كبيراً حيث تمّ إمطار الوادي بكامله بعدد كبير من القذائف والصواريخ التي “أشعلت الوادي بالكامل على حد تعبير البعض، ولكن أحداً لم يتجرأ على الاقتحام! وبات بحكم المعلن انتهاء العملية، لتلاقي مصير سابقاتها: البنيان المرصوص، دحر العدوان عن مشارف معرة النعمان،… الفشل!

أسباب الفشل:

يُرجع عدد من القادة الميدانيين أسباب إخفاق “الزلزلة” في تحقيق أهدافها إلى:

1- الأركان: فالذخائر التي تمّ تقديمها قليلة جداً وخاصة الثقيلة، فالمجموعة التي هاجمت منطقة بسيدا والتي تحتوي على 9 نقاط عسكرية كان لديها: 12 هاون 120 – 20 قذيفة 82 – 6 قذائف ت 72 لم تستطع جميعها إصابة بناء حاجز الناصح المؤلّف من طابقين، بالإضافة إلى 10 قذائف مدفع 130، أي بمعدل حوالي 3 قذائف لكل نقطة عسكرية، وهذا في العلوم العسكرية أمر يدعو للسخرية، إذ من بدهيات الاقتحام كثافة التمهيد الناري، ناهيك عن أن القوى المهاجمة لم تستطع تأمين صاروخ حراري واحد لتدمير عربة الشيلكا التي استمرت بالعمل طوال المعركة!

أما الأركان فكان جواب أحد ضباطها: هذا ما استطعنا تأمينه، وطالما كان غير كافٍ؛ فلماذا تم إطلاق المعركة!

2- لواء الامة: الذي ادّعى أنه قادر على إنهاء الوادي بمفرده، وتبين أن اعتماده على التمهيد كان على الذخائر المُصنّعة محلياً، والتي تفتقد للفاعلية بسبب افتقادها للدقة، كما بالغ بشكل كبير في قوته بمعزل عن مشاركة بقية الأطراف!

3- يمكن القول إن من أسباب الفشل، إهمال الشأن العام ومراعاة اسم الكتيبة واعتبار المعركة شخصية، بل وتجرؤ بعض التشكيلات على الطلب من تشكيلات أخرى مغادرة أرض المعركة لأن المكان الفلاني حصتهم وحدهم، دون مراعاة للحفاظ على البشر والحجر!

في نهاية المطاف تبقى معركة الزلزلة محاولة جديدة للسيطرة على معسكري وادي الضيف والحامدية، ولن تكون الأخيرة طالما بقيت قوات جيش النظام فيهما، وسيبقى بدء معركة جديدة مرهوناً بتوفير الإمكانيات الازمة.

IMG_0502

 

وهل يمكن أن تنتبه التشكيلات العسكرية إلى وجود حواجز كثيرة للجيش تمتد من وادي الضيف إلى خان شيخون، وهي تسيطر بشكل كامل على الطريق وهي البعيدة عن المدنيين، والأولى ضربها وقطع طريق الإمداد عن المعسكرين.وبدورنا نأمل أن يؤخد بالحسبان: أن الوقت حالياً هو فصل الشتاء، ناهيك عن فترة تبدو مناسبة لإعادة إطلاق المدارس المتوقفة منذ سنتين، فهل سيرتاح أبناء المعرة وكفرومة وبعض المناطق الأخرى من عمليات الإخلاء القسري في الفترة القريبة القادمة؟

أم أن أبناء المنطقة سيكونون مع فصل جديد من المعركة التي لا يختلفون في تسميتها التي يطلقونها ساخرين: إعادة الكرة في تهجير أهل المعرة!

التعليقات متوقفه