هل تعرف ماذا يجري في سورية؟ – فاطمة ياسين

هل تعرف ماذا يجري في سورية؟

فاطمة ياسين

في الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، وبينما يقف المسلمون على منى ليرموا الشيطان بالجمرات الثلاث، وليلعنوه ملايين المرات، تنهال على السوريين كل أنواع الصخور والقذائف من السماء والأرض، ويهرع أصحاب المناطق المنكوبة هاربين من بيوتهم، لا فرقَ يُذكر لديهم بين أول أيام العيد وآخر أيام حياتهم.

بسذاجة معتادة يبدأ مذيع الفضائية السورية برنامجه بسؤال: كيف يقضي السوريون أول أيام عيدهم؟

في الشق الميداني من البرنامج نرى استطلاعاً مصوراً لمطاعم وحدائق تضم قليلاً من الأشخاص الذين ما زالوا يحاولون الحياة وسط غبار الموت وأخباره المقيتة. والمذيعة التي احتفلت بالعيد على طريقتها فأكثرت من اللون الأحمر على الشفاه والخدين، وكمية من “الأوكسيدان” على الشعر لتزيده اصفراراً، تسأل الموجودين في الأماكن العامة عن سعادتهم المبالغ في إظهارها، وأمنياتهم لسوريا في العيد القادم، وأجوبتهم (المعدة لهم من قبل المنسق الأمني في هيئة الإذاعة والتلفزيون) تتمحور حول معنىً واحد، لا ثاني له، وأحيانا تتكرر الجملة نفسها دون زيادة أو نقصان (يبدو أن المنسق الأمني لم تطله رياحُ التغيير أو هواجس الربيع العربي) جملة مفادها هو التالي: ثقة بالوطن وانتظار غد أجمل، وثقة بقائد الوطن دون انتظار قائد أجمل طبعاً!!..

على فضائيات سورية أخرى قدمت نفسها بوصفها داعماً أساسياً للثورة ولتطلعات السوريين الحقيقة،

Print

ترى المشهد معكوساً. ههنا لا يوجد شيء اسمه “وطن”، فسوريا على هذه الفضائيات عبارة عن مجموعة من المنازل المهدمة، والأطفال البؤساء، والكثير من الجوع والحاجة لكل شيء، مع الكثير من التفاؤل بسقوط النظام الذي بات وشيكاً برأيهم. فيما عدا تشابه بين جميع القنوات السورية يتلخص في أمرين، الرداءة في اختيار الكادر الفني والإعلامي، ومَلْء لأوقات الفراغ الطويلة بين البرامج بالأغاني الوطنية والمحفزة لقتال العدو.

المواطن السوري المغترب يشاهد كل ذلك التناقض وهو ينشد الاطمئنان على أخبار العيد في بلده

الأم، يعي ضمناً المبالغة من الطرفين، يتصل بمن بقي له من أقارب أو أصدقاء في سوريا، وهو يعرف الوضع على حقيقته، وأن سوريا ليست بخير، وأن الله ابتلاهم بنظام ليس من السهل التخلص منه على ما يبدو. يدير جهازَ التحكم (الريموت كونترول) على قنوات أخرى أكثر موضوعية.. (والسؤال يراودنا هنا عن جدوى إطلاق القنوات السورية، خاصة تلك الحديثة منها والتي مهمتها إيصال صورة حقيقة للعالم عن حال الشعب السوري وتطلعاته، طالما أنها لا تقنع حتى المشاهد السوري، الذي يعرف أخبار بلده من فضائيات أخرى لها أجنداتها وأهدافها).. يسمع التصريحات والتحليلات على القنوات الأجنبية أو العربية (البروفيشينال)، فيعود إلى لعن الشيطان ورميه بكمية كبيرة من الجمرات الكلامية، ويعود لمتابعة أخبار الحج والحجيج في أول أيام العيد الأضحى..

التعليقات متوقفه