الخروج من جهنّم: حكاية انشقاق وتهريب سجين سياسي من سجن تدمر! – عبد اللطيف الغانم – منبج – خاص الغربال

“ما دعاني للانشقاق أسباب كثيرة جداً” هكذا بدأ “محمد عمر العبد الله” روايته لنا عن قصة انشقاقه الغريبة، محمد من أبناء منبج في شمال حلب، مجنّد في الجيش برتبة رقيب في سجن تدمر العسكري، الذي وصفه بـ “قلعة من قلاع النظام الفاسد”.

انشقاق محمد جاء ردة فعل على مجزرة راح ضحيتها تسعة من أبناء تدمر، أصغرهم طفل بعمر السنة، إلى جانب ما شهده من تعذيب وحشي للسجناء…

حتى الآن تبدو قصة محمد عادية، ولكن الشيء غير العادي فيها هو أن محمد لم ينشق بمفرده! إذ قام بتهريب أحد السجناء السياسيين معه من سجن تدمر، أعتى سجون عائلة الأسد وأسوأها صيتاً.

هذا السجين هو “فؤاد محمد الصغير” من أبناء قرية الخطاف التابعة لمنبج، وهو سجين سياسي محكوم بالسجن 6 سنوات، بتهمة محاولة الانقلاب على رئيس الجمهورية!

وعن سبب اختياره لفؤاد دون غيره يقول محمد: “فؤاد مظلوم، وهو مواطن عادي ومحب للخير، وطيب القلب، كان محافظاً على صلاته بالرغم من التشديد، وكان يصلي خلسة عندما يتظاهر بالنوم أو بالجلوس”… ويضيف: “بالإضافة إلى ذلك فهو: ابن بلدي”!

قام محمد بالتنسيق مع أهل فؤاد، وطلب منهم إحضار أوراق ثبوتية لهما أثناء زيارتهم الأخيرة، ثم أخبر فؤاداً بوقت الفرار، ولكنه اضطر للاستعانة بخطة، إذ “كان على الباب الرئيسي الأول الصف ضابط صلاح الله لا يوفقو، وهو شديد التدقيق لدرجة يفتش أمّه وأبوه”، يقول محمد الذي كان رقيب الإعاشة في السجن.

استعان محمد بسيارة التموين الخاصة بالسجن، واشترى 10 طن من البطاطا، أفرغ جزءاً من الحمولة داخل السجن، وترك الجزء المتبقي ليفرغه في المستودع الخارجي الواقع في قلب مدينة تدمر، وطلب من السائق وضع السيارة بمكان مظلم ليعطيه بعض البطاطا حتى لا يراهم أحد “اللي عميسرقو مو أحسن منا”، وهكذا استطاع محمد دسّ فؤاد في السيارة تحت الأكياس المتبقية، وأخبره ألا يخرج لأي سبب ومهما صرخ باسمه هو أو غيره! وهكذا “تجاوزنا الحاجز الأول والثاني والثالث داخل السجن دون أن يلحظ أحد وجود فؤاد، وبمجرد خروجنا من السجن قابلنا ثلاثة عساكر آخرين منشقين من أبوضهور في ريف إدلب”.

وعن الصعوبات التي واجهتهم يقول محمد: “نحن طالعين حياة أو موت”، فقد واجهتهم عدة حواجز لنظام الأسد، كان أخطرها حاجز “السخنة” كونه حاجز مشترك وكبير، ولكنهم استطاعوا التملص من التفتيش بخطة طريفة، إذا طلب محمد من الضابط أن ينام عندهم لأنه خائف من الإرهابيين! فرفض الضابط، ولكنه ألحّ حتى حصل منه على اسم فندق قريب وحصل على اسمه ليكون واسطة له في الفندق، فانصرف وهو يصرخ باسمه وكأنه وليّ حميم، و”فتح العناصر أمامنا الطريق دون تفتيش يذكر لظنهم أني صديق الضابط أبو علي”!

يضيف محمد: اتصل بي مدير السجن يسأل عن تأخري في المستودع الخارجي فقلت ساخراً: “بسيارة خاصة بدك أربع ساعات، بس ترا بالسرافيس بتطول”، فاستغرب الضابط وصرخ: “ليش وين أنت؟” أجبته ضاحكاً: “أنا بمنبج، بس مو لحالي، معي فؤاد”! عندها كفر الضابط ثم طلب مني إعادة السجين ووعدني أن يغطي على هروبي، فقلت له: “تحلم.. تحلم يرجع فؤاد، ولا تتعب حالك وتخبّر أو تصرخ نحن بمكان آمن” وأقفلت الهاتف.

لاحقاً أخبره زملاؤه أن مدير السجن طلب اجتماعاً للعناصر ليخبرهم أن “القوى الأمنية في الرقة تمكّنت من قتل الخونة، الإرهابيين: محمد وفؤاد”!

حكاية محمد هي واحدة من آلاف حكايات الانشقاق، التي ربما كان ادّعاء نظام الأسد قتلَ أبطالها لإخافة من لم ينشقّ بعد هي الانتصارات الوحيدة التي يحققها!

التعليقات متوقفه