عمل المرأة: بين دعم اقتصاد الأسرة ومصدر دخلها الوحيد – منى إدريس

عمل المرأة

بين دعم اقتصاد الأسرة ومصدر دخلها الوحيد

منى إدريس

تساءل كثيرون عن دور المرأة السورية في الثورة، إذ حسب قناعتهم أن المشاركة في الثورة تتمثل في الخروج في المظاهرات والمشاركة في العمليات القتالية وحسب، لكن الثورة فتحت جبهات عديدة توزع السوريون للقتال عليها، واختارت المرأة جبهة الجوع لتدفع عن أهل بيتها شبح الفقر الذي بات يهدد كل عائلة.

أم محمد تقول: عائلتي كبيرة، واضطر زوجي للتقاعد براتب جزئي بسبب صعوبة الوصول إلى مكان عمله وقلّة الأمان، فلجأنا لصنع خبز الصاج وترويب اللبن، العمل مردوده جيد ولكنه يستهلك النهار بطوله وهو متعب، إذ يتطلب الوقوف لفترات طويلة، كما أنه يستنفر العائلة كلها يعني: “نموت اليوم لنعيش بكرا”!

أما أم أحمد، وهي مدرّسة لطلاب المرحلة الإبتدائية فتقول: إن تأخر الرواتب واحتمال انقطاعها والتحاق زوجي بالعمل العسكري عديم المردود جعلني أفكر بالعمل.

صورة0706

من الأعمال المجهدة التي تقوم بها المراة في ريف إدلب الجنوبي – شوي الفخار – خاص الغربال

تعمل أم أحمد بترتيب فوط الأطفال “البالة”، وتقول ساخرة: “مازال اختصاصي الأطفال؛ لكن مع تغيّر مركز الاهتمام…” وتضحك مضيفة: العمل ليس مستمراً، فهو عبارة عن طلبيات، تأتينا طلبيتان في الشهر على أكثر تقدير، وهو متعب جداً ووسخ لأنه يثير الغبار في كامل الغرفة وقليل الأجر لكن “البحصة بتسند جرة”!

وتصف فاطمة وضعها بالفقر الأسود فزوجها منشقّ منذ سنة وهي لم تكمل دراستها وليس بيدها حرفة وعائلتها تضم خمسة أطفال، تقول: افتتحت محل ألبسة ولادية “ع قد حالو” لكنه يكفينا ويغنينا عن الحاجة إلى الناس ويخفّف العبء عن أهل زوجي، ولكن العمل يأتي على حساب اهتمامي بعائلتي خاصة وأن لدي طفل رضيع وهذا ما يزعجني.

وبسبب شهرة شهرة كفرنبل بورشات صناعة الفسيفساء “الموزاييك” التي عملت وتعمل بها مجموعة كبيرة من العائلات قبل اندلاع الثورة وحتى الوقت الحالي مع مراعاة ما تعرضت له هذه الورشات من كساد وتوقف في أسواق تصريفها، إلاّ أن أم علي تنجز لوحاتها الفنية إلى جانب عمل زوجها في بيع المازوت، وتقول: أحب هذا العمل كثيراً لأن فيه فنّ بالإضافة إلى أن مردوده جيد لكنه قُيِّد في فترة الثورة بسبب صعوبات التصدير مما أدى لقلة الطلب عليه، العمل بشكل عام مرهق ويتطلب قوة بدنية في بعض مراحله ويحتاج لساعات طويلة من العمل المتواصل، فضلاً عن أن رائحة اللاصق “الشعلة” تسبب عطاساً تحسسياً لأطفالي، لكن هذا هو العمل المتاح حالياً.

ووجدت أم توفيق في حرفة الأجداد ملاذاً ليحميها وعائلتها من سوء الأوضاع المادية فهي تعمل بنسيج الصوف اليدوي وبيع الصوف وتقول: هذا العمل يشعرني أنني فنانة عند إنجاز كل قطعة بالإضافة إلى أنه يتمّ داخل المنزل، فأنا حرّة بوقت العمل، أعمل متى أشاء وأرتاح متى أشاء، لكنه يحتاج إلى تركيز وشغل مستمر وهو متعب لليدين والعينين لذلك يحتاج إلى راحة أكثر من وقت العمل بالإضافة إلى ذلك فهو موسمي حيث يتوقف في فصل الصيف.

وبعيداً عن سوء الأوضاع المادية والحاجة إلى العمل ترى أم عبد الله –وهي زوجة طبيب- أن الجيل الجديد سيصبح جيلاً من الجهلة وعديمي الالتزام والانضباط لذلك ترى أن هذا الجيل هو المتضرّر الحقيقي من سوء الأوضاع، فالمدارس مدمّرة والطلاب اعتادوا على الفوضى، فضلاً عن أن بعضهم لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لذلك تطوّعت لتدريس طلاب الصفين الخامس والسادس مادة الرياضيات حيث أنها درست ر.ف.ك حتى السنة الثالثة، تقول: كنت أتمنى لو أنني تخرّجت، ولكن هذا لن يكون عائقاً في طريقي، لذلك أقوم بتدريس الطلاب المناهج المعتمدة، أنا ومجموعة من المتطوعين ليواكبوا من بعمرهم على الأقل فهذا الجيل سيكون غداً هو محور الثورة وقائدها.

هذا ولا يجب أن يخيل للقارئ أن المرأة السورية لزمت بيتها واكتفت بالأعمال المنزلية أو أنها اهتمت فقط بلقمة العيش، فالمرأة عندنا تصدّرت المظاهرات وطالبت بإسقاط النظام بملء صوتها وشاركت برسم اللوحات التي رُفِعت فوق أكف المتظاهرين، كما أنها شاركت في الصحافة البديلة وأنا خير مثالٍ على ذلك!

التعليقات متوقفه