المرأة في بلادنا – سليم المحروق

المرأة في بلادنا

سليم المحروق

في مطلع سبعينيات القرن الماضي حيث كنا نؤدي خدمة العلم كما يُقال!

وحيث كنا نعد الإعداد لخوض غمار حرب تشرين التحريكية سألني العريف جرجس قائلاً: سليم ماذا تلبس النساء عندكم؟

ونظراً لكوني خضت في شخصية جرجس حتى شحمتي أذني وتمكنت من سبر هويته، ناهيك عن أنه طويل القامة نحيفها طويل الرقبة أميلها، صغير الرأس بيضوي الشكل يثير انتباه الناظر إليه للوهلة الأولى فيجزم لتوه أنه لا يخلو من هبل ولكنه ليس فيه من ذلك شيء.

ونظراً لذلك رحت أصف له زيَّ أمي والنسوة اللائي عايشنها في ذلك الزمن وبشيءٍ من التفصيل وعن قصدٍ مني، فرحت أصف له شكل المرأة وكأنها بلباسها ذاك تبدو كقطعة من الموزاييك من ثوب طويل مطرز وموشّ وتحته ثوب قصير وقبله سروال مزموم بالمطاط من الأعلى والأسفل ثم كيف يختنق الخصر بزنار ثمين لتتمكن من ثني ثوبها الطويل وعقده بالزنار حين اللزوم، أما الرأس فتتوّجه عصبةٌ ملفوفةٌ بدراية وعناية يزيّنها مرشٌ فضيٌّ ملتفّ حولها وقد تدلى من تحت العصبة غطاء من القماش أسود اللون وقد أسدل على الرقبة والصدر والكتفين فراحت تلك الأسدال تتحدى نسمة الهواء من عبور تلك الحجب وعندما فرغت من وصفي ذاك، صاح جرجس منذهلاً -وسأورد لكم لفظه حرفياً وهو ما لم يزعجني يومها-: “يحرق ديبكن يا عمي أنتوا بأر” وأشار إلى فئة من نسوة المجتمع السوري قائلاً: إنهن سابقات لكم وإنهن سوف يسبقننا أيضاً وأظن أن ذلك ما حدث فعلاً، أما شاهدناهن منذ عقود يقفزن من أجواف طائراتنا الحربية بالمظلات استعداداً لغدٍ مرتقب ونحن لا زلنا في حيرة من أمرنا مردّدين تساؤلاً أبلهاً: هل تعليم المرأة حلال أم حرام؟

وها نحن الآن ترانا نتلفت بين صفوف نسوتنا باحثين عن المرأة المعدَّة والمحصنة بالعلم والفكر والفلسفة (فلسفة الحياة) لتقوم بدورها في خدمة مجتمعها فلا نجد لها أثراً.

لقد أفقنا على واقعنا هذا الذي نعيشه فوجدنا أنفسنا في مجتمع يطير بجناح واحد وقد بُتر صنوُه الآخر، فشاهدنا الرجل في القمة يتنقل بين المدارس والمعاهد والجامعات، أما المرأة فالنذر اليسير منهن من تمكنت من قرع باب من تلك الأبواب، وما درينا أن مثل هذا البتر لأحد الجناحين سيتركنا نهباً لغدر ومفاجآت الزمن، والمحنة التي نمر بها الآن على ذلك تشهد.

التعليقات متوقفه