تاريخ للبيع: عندما تتحول أوابد شنشراح إلى حجارة للبناء – تحقيق: محمد الباشا

تاريخ للبيع

عندما تتحول أوابد شنشراح إلى حجارة للبناء

تحقيق: محمد الباشا

تعد الخربة “شنشراح” واحدة من أقدم المدن المنسية وأكبرها حجماً وأكثرها أوابد في منطقة جبل الزاوية، إذا يعود تاريخها إلى القرن الرابع للميلاد، كما أنها تحتوي آثاراً متأخرة كبقايا المسجد الذي يعود إلى الفترة الأيوبية. كل ذلك لم يشفع لها أمام بعض الحجّارين الذين بدؤوا موخراً بتحويل حجارتها إلى حجارة للبناء “وجوه” لتباع بأثمانٍ بخسة. الغربال استطلعت أبعاد هذه القضية/الفضيحة وعادت بالتحقيق الآتي:

تعدّدت المشكلات التي تعرضت لها خربة شنشراح منذ بداية الأزمة الحالية، فقد وقعت ضحية لعمليات التنقيب والنهب، كما نالت نصيباً وافراً من عمليات القصف بمختلف صنوف الأسلحة من قبل جيش النظام، وتحوّلت مؤخراً بأبنيتها المتهالكة لتصبح ملاجئ لعدد من العائلات التي دُمّرت بيوتها. وآخر فصول التراجيديا التي تعيشها شنشراح كانت بانطلاق ظاهرة التحجير فيها؛ إذ بدأ البعض بتحطيم حجارتها الضخمة ليصنع منها حجارة أصغر للبناء يقوم بتبييض وجوهها ليتم بيعها لاحقاً بأسعار بخسة تقدر بحوالي 25 ليرة سورية للحجر الواحد!DSC_0099

عماد أحد هؤلاء الحجارين يدرك جيداً أن ما يقوم به جريمة وأن “الخربة” تاريخ للجميع ولا يجوز المساس به، ولكنه –وأمام الظروف التي تعيشها البلاد- بحاجة إلى مورد رزق يمكنه من شراء لقمة الخبز لأولاده!

ويؤكد عماد أن هذا العمل ما زال في بدايته وأن مجموع من قام به حتى الآن هم ثلاثة أشخاص من كفرنبل واثنان من كفروما، وأن الدافع إلى ذلك هو الفقر وحده.

ويعجز عماد عن الإجابة عند مواجهته بحقيقة أن الجبل كلّه صخور يمكن تحويلها إلى حجارة للبناء  ولكنه –على مايبدو- يستسهل تحويل هذا الحجارة دون غيرها لأنها شبه جاهزة.

يحاول أحد أصدقاء عماد التقليل من أهمية الأمر فيقول: نحن لا نكسّر إلا الحجارة المترامية على الأرض والصغيرة، أما تلك التي ماتزال مبنية فلا نقترب منها. ولكن ماذا لو انتهى عماد وزملاؤه من كل الحجارة المتساقطة على الأرض؛ هل سيتحولون حينها إلى ماتبقى من أبنية شنشراح؟

أثناء الحديث عن الحجارة التي تمّ تكسيرها ذكر العمال سبباً آخر لا ينبغي إهماله: فشنشراح الآن مسكونة من قبل عدد من العائلات التي بدأت بتكييف أبنيتها وفق متطلباتها واحتياجاتها، ولذلك يتم تحويل مكان ما فيها إلى دكان أو ورشة أو مسكن وأثناء هذا التحويل تظهر بعض الحجارة التي تشكّل عقبة أمام “المالك” الجديد! فيتطوّع العمال لتخليصه منها وتحويلها إلى حجارة للبناء!

أخيراً: قد تكون هذه الظاهرة في بدايتها الآن؛ ولكنها لن تكون كذلك بعد مرور بعض الوقت. من يقومون بهذا العمل يتعلّلون بالفقر والعوز والإهمال التام من قبل الجهات الإغاثية والمانحة؛ فهل تتحرك هذه الجهات وغيرها من القائمين على أمور المنطقة لتدارك الامر ووقف هذا النزيف؟

التعليقات متوقفه