الحقوقية هنادي زحلوط: المرأة السورية هي الأكثر معاناة وشجاعة بالعالم

 

“واجهت الألم الجسدي في المعتقل، ولكن ذلك لم يكن الأسوأ، كنت قوية تجاهه رغم قسوته، كان المؤلم هو أني معاقبة أكثر من سواي لانتمائي الطائفي”، هذا ما قالته الحقوقية والناشطة في الثورة السورية السيدة هنادي زحلوط، المولودة في مدينة اللاذقية، في حديثها لمجلة الغربال، والذي سلطت من خلاله الضوء على عملها في مجال حقوق الإنسان، والنساء السوريات بشكل خاص.

حيث بدأ نشاط الحقوقية هنادي زحلوط قبل بدء الثورة السورية، بسنوات، حين كانت في المدرسة الثانوية، “كانت الأحرف تجد طريقها بين أصابعي”، تقول هنادي، إذ بدأت كتابة القصة القصيرة، لتتحول في المرحلة الجامعية إلى كتابة القصة القصيرة الساخرة،

تستدرك هنادي قائلة ” تعرفت في الفترة ذاتها إلى الوسط المعارض في اللاذقية، وكنت أحس نفسي قبلها سمكة ضائعة من سرب ما، بعدها وجدت انتمائي، وبدأت الكتابة كحقوقية عنيت بالمرأة والطفل، ولم يكن ذلك مصادفة، فهاذان هما الأكثر معاناة وتهميشا في مجتمعاتنا القمعية”، ونوهت إلى بدئها استخدام اسما مستعارا في العام 2009، بسبب كتابتها مقالا يندد بإغلاق المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وكان الاسم الذي نشرت من خلاله المقال “هيام جميل”، كما أنشأت بهذا الاسم صفحة على الفيس بوك في العام ذاته وشرعت في نشر أوراق حينا وأخبار حينا آخر.

وأرادت هنادي من خلال استخدام اسم “هيام جميل”، لهيامها بالحرية اسما جميلا، وبقيت تستخدم الاسم المستعار حتى نهاية العام ٢٠١١ حيث اعتقلت مطولا وانكشف الاسم مؤكدة أنها خرجت من الاعتقال أصلب، وباسمها الحقيقي.

وحول تجربة الاعتقال المريرة التي عاشتها الحقوقية هنادي زحلوط ثلاث مرات، على يد مخابرات وقوات الأمن التابعة لنظام الأسد، تقول “لربما كانت ملابسات الاعتقال مصادفة بحتة في المرات الثلاث، لكن الاعتقال بحد ذاته كان محتما بالنسبة لي، ولربما كنت أعرف ذلك وأخشاه جدا، خصوصا لجهة كوني من بيئة موالية”، وهذا ما جعل الاعتقال صعبا ومؤلما، إلى جانب اعتبار عائلتها أنها قامت بعمل خاطئ فيما كانت هي على يقين أنها في جانب الحق، فكانوا يرجون أن تكف عن العمل وتصمت، غير انها لم تتمكن من التوقف بعد كل ما رأته، وخصوصا خلال نشأتها في قريتها بريف اللاذقية، حسب تعبيرها.

تضيف هنادي “لم يعرف اليأس طريقا لقلبي، لكني كنت خائفة لأن والداي في آخر العمر وأحتاجهما كما يحتاجانني قربهما أكثر من أي وقت آخر، المؤلم أني كنت أسبب لهما القلق والخوف وأنا في سجني، وهذا مالم أكن أريده، وكنت أعد نفسي قائلة عندما سأخرج سأعوضهما عن هذا الوجع، لكن ذلك لم يحصل، واستمر هذا الألم”، غير أنه وحين خروج هنادي من أقبية الظلم كان والدها قد توفي منذ شهر فقط، وحرمت وداعه الأخير، ومنذ تلك اللحظة هنالك حزن لم يخرج، وألم تعيشه عند فراق كل عزيز، من الأصدقاء أو حتى من أقرباء الأصدقاء، مؤكدة أنها تنتظر اليوم الذي ستتمكن فيه من زيارة قبر والدها والحزن عليه كما يستحق.

تجربة الاعتقال التي يعاني فيها المعتقل مختلف العذابات في الداخل، بسبب انتهاج أسلوب وحشي في التعامل مع المعتقلين، وتزيد المعاناة إذا كان المعتقل امرأة، إلا أنه رغم ذلك هناك بعض المواقف أو الأشخاص الذين يضيفون إلى المعتقل شيئا جميلا، تمكنه من الاستمرار في كفاحه.

تحدثت هنادي زحلوط للغربال عن أشخاص ومواقف طبعت بذاكرتها في المعتقل، وأبرزها، حين فرحت بمجيء صديقتها ملك الشنواني عند اعتقالها لفرع الأمن السياسي، “هكذا بكل أنانية كنت قد اشتقت إليها وفرحت برؤيتها هناك، في السجن تحتاج رفيقا جميلا يسند قلبك أكثر ما تحتاج للماء”، حسب تعبير هنادي.

وفي سجن عدرا كان وجود الطفل أحمد النقيب واحة في صحراء سجن النساء، حينها أدركت هنادي كم تعشق وجود الأطفال في الحياة.

هنادي التي تعيش اليوم مع عائلتها في العاصمة الفرنسية باريس، قالت للغربال، إنها تحاول أن تعمل بشكل مستقل على دعم النساء والأطفال في الوطن والمغترب، تحاول الوصول إلى النساء اللواتي عانين واقناعهن بكتابة قصصهن، وبالتأكيد مناصرة الحملات التي تقوم بها المنظمات الدولية والسورية على امتداد العالم.

وتهدف هنادي من خلال نضالها في حقل حقوق المرأة، إلى دعم حقوق الانسان الأكثر تهميشا وصولا لمساهمة أفضل للنساء في بناء المجتمعات، مشددة أن الهدف في النهاية هو حقوق الانسان كإنسان، رجلا كان أو امرأة، مع مراعاة أن النساء هن اليوم أكثر معاناة، هذه حقيقة، وفق قولها.
وتضيف هنادي حول الصعوبات التي تواجهها في العمل الحقوقي، أن هذا طبيعي، في النهاية النساء والرجال تربوا في ظل ثقافة ذكورية ونحتاج الكثير من الوقت، ونحتاج القوانين لرفع هذا الظلم وبناء ثقافة حقوقية مختلفة، وثورة الحرية والكرامة في سوريا هي جزء مهم من هذا كله، إلى جانب أن نضالها اليوم فقط يستمر عبر نشر ما تتعرض له النساء السوريات، مطالبات بحقهن في الحياة في المنظمات الدولية، وهنالك الكثير من الناشطات الأخريات اللواتي اخترن أدوات أخرى لذلك النضال.

وترى هنادي زحلوط، أن المرأة السورية هي واحدة من بين أكثر النساء معاناة في العالم اليوم، والأكثر شجاعة بينهن جميعا، معتبرة أن المرأة كانت في الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011، هي الأم والمتظاهرة والطبيبة، المسعفة والاعلامية، وقامت بأدوار كثيرة في ذات الوقت، وهذا ما تتطلبه الثورة، قدمت أقصى ما لديها، وهي لذلك تستحق مستقبلا أجمل.
كذلك، أشارت زحلوط إلى المبادرات التي شاركت بها لتغيير واقع المرأة السورية، وفي مقدمتها مبادرة “تيشرت” مع صديقتها ملك الشنواني، وكانت باسم ” أنا ضد جرائم الشرف”، ومبادرة “زهرة لعيون زهرة”، كما أطلقت مع نساء أخريات حملة أثناء وجودهن في سجن النساء لتوفير الدواء في السجن، ومبادرات أخرى كثيرة، مؤكدة اعتزازها بمساهمتها فيها مع نساء رائعات، فضلا عن شعور هنادي بالفخر حين تقدم الدعم لامرأة سورية تحتاج المساعدة، معتبرة أنه أقل من الواجب.
لم يتوقف نشاط وعطاء السيدة هنادي زحلوط عند المجال الحقوقي فقط، بل أيضا كانت لها مساهمات ثقافية مهمة، إذ قامت بنشر مذكراتها تحت اسم “إلى ابنتي” مع دار بيت المواطن في بيروت عام 2014، سردت فيه بعض مشاهداتها في سجن النساء، وحوادث أخرى من تلك الفترة.
تأمل هنادي زحلوط، التي حازت على جائزة ايلاريا ألبي الإيطالية، وجائزة المدافع عن حقوق الإنسان من الخارجية الأمريكية 2012، أن تعود سوريا لأبنائها، مستندة في أملها لتضحيات السوريين التي لم تتوقف، ما عدا ذلك من ارادات دولية ستتذلل مع الوقت في حال اصرارنا على حقوقنا.
ورغم نضال هنادي زحلوط من أجل مناصرة قضية السوريين، إلا أنها اختارت أن تنأى بنفسها عن المشاركة السياسية، معللة ذلك أن الأطراف السياسية جميعها نالها من الفساد والبيروقراطية والديكتاتورية ما جعلها نظيراً للنظام، وهو أمر لا يتناسب مع تضحيات السوريين وسعيهم لنظام أفضل، متأسفة من عدم وجود جسم سياسي يمثل الثورة بحق.

وعند سؤال زحلوط خلال حديثها لمجلة الغربال، عن الاختلاف الطائفي في سوريا، وعما إذا تعرضت للتهميش بسبب انتمائها للطائفة العلوية، أكدت أن سوريا بلد متنوع بطوائفه وهذا عنصر قوة في حال تم احترام حقوق الجميع تحت راية دولة مواطنة حقيقية، منوهة أنها وكثر تعرضوا لأزمة ثقة من قبل أبناء الوطن من الطوائف الأخرى سببها هذا النظام الديكتاتوري الذي ليس لديه مصلحة في توحد السوريين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم، فضلا عن معاناتهم أيضا بسبب الأزمة بين قمع النظام ورغبة عائلاتهم في أن يصمتوا، لكن ذلك لم يوقفهم عن محاولة الوقوف مع الحق يوما.
لكن تعتبر زحلوط، أن الخنادق التي حفرها النظام منذ عقود بين السوريين ازدادت عمقاً في هذه الحرب، خاصة عند استخدامه كل الوسائل والأدوات للإجرام وللصق كل إجرامه بطرف بعينه، محملاً هذا الطرف بالذات عبء أنه يحميه، ويحمي الأقليات في هذه البلاد التي لم تحتج أكثريتها وأقلياتها يوماً لضامن للعيش المشترك سوى سوريتهم، مشددة أنها ترى ضرورة خروج صوت يدين وينزع عن النظام متاجرته بورقة حماية الأقليات، إذ هنالك ضرورة لكي يستعيد السوريون أنفسهم زمام المبادرة ويصوغوا عقدهم الاجتماعي، لكن ذلك كله مرهون بوضع حد لمعاناتهم.

كذلك، تقول الحقوقية هنادي، إنها ستحاول أن تشرح لابنتها، أن وطنها جميل ورائع، ويحتاج الكثير من حب أبنائه وثقتهم ببعضهم ليصنعوا غدا أجمل.

وفي ختام حديثها، وجهت زحلوط رسالة للسوريين والسوريات، قالت فيها “ابقوا على الأمل وأبقوا أيديكم على السلاح، والسلاح ليس سوى الوعي والمعرفة، الوعي بهذا الواقع الصعب التي يجب أن تفضي لمعرفة بكيفية تغييره”.

التعليقات متوقفه