ناشطات من ريف حلب يرفعن وعي النساء بحقوقهن ــ أحمد الأغا

 

 

رغم مرور نحو ست سنوات على بدء تدهور الأوضاع في مناطق ريف حلب، على خلفية المعارك التي دارت بين المعارضة السورية والنظام السورية من جهة وبين المعارضة وتنظيم “داعش” والقوات الكردية من جهة أخرى، وما رافق ذلك من مآسي إنسانية، بدأت بالنزوح ولم تقف عند تشتت شمل العائلات وفقدان عدد منها معيلها، إلا أن ناشطات سوريات من مناطق ريف حلب ما زلن حتى اليوم يمارسن نشاطاً بارزا يتمحور حول التوعية المجتمعية التي تهدف إلى رفع مستوى وعي النساء بحقوقهن الأساسية.

رنيم العبدالله واحدة من الناشطات اللاتي فضلن البقاء في مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب على النزوح إلى تركيا أو أوروبا، تقول رنيم في حديث إلى “الغربال” إن “المرأة السورية دفعت الثمن الأكبر نتيجة الظروف الناتجة عن حالة الحرب المستمرة”، وتوضح رنيم “لقد أصبحت المرأة تحمل أعباء لم تعتد على حملها في البيئة الريفية”، وتتابع “في ثقافة أهل الريف يقتصر دور المراة غالباً على رعاية شؤون الأسرة المنزلية وتربية الأطفال ومتابعة تعليمهم في أفضل الأحول، لقد كان هذا هو الوضع قبل 2011، لكن بعد التغيرات الجذرية التي شهدتها مناطق ريف حلب، وجدت المرأة نفسها في حالات كثيرة مضطرة لأن تعيل الأسرة وتتابع شؤونها، ليس في المنزل فقط بل خارجه”.

وحول نشاطها تقول رنيم إنها تحاول مع مجموعة من الناشطات عقد جلسات حوار مجتمعية تجمع نساء في مختلف بلدات وقرى الريف، بحث تتبادل النساء خبراتهن وتحكين تجاربهن الشخصية مع النزوح وتأمين لقمة العيش ومواجهة أعباء الحياة”.

تلفت رنيم إلى أن المشكلة الكبرى التي تواجه النساء في الواقع ليست الظروف الخارجية المرتبطة بالأوضاع العامة، وإنما في الواقع هي جهلهن بحقوقهن الأساسية وعدم قدرتهن على فهم الفروقات الجوهرية بين واقع معيشتهن اليومية من جهة وما يجب أن تكون عليه حياتهن من جهة ثانية.

وتضيف الناشطة في حديثها للغربال أن “لا يمكن أن تطلب من نساء غير متعلمات متحدرات من مجتمعات ريفية محافظة أن يشرحن حقوقهن الأساسية، إلا أنه من المهم أن تنظلق حملات توعية للنساء لشرح الطرق التي يمكن للنساء من خلالها رفع مستوى وعيهن وبالتالي تحسين مستوى حياتهن”.

تعتبر رنيم أن الخطوة الأولى على طريق توعية النساء تتمثل بتوعية المرأة بحقوقها الأساسية في التعليم والعمل واختيار الزوج ورفض الحرمان من الميراث ورفض العنف اللفظي والجسدي.

أما الخطوة التالية فيجب أن تكون التأهيل التعليمي والعملي للمرأة من خلال عقد دورات محو الأمية والتدريبات المهنية التي ستمكن المرأة من تحقيق دخل مادي وبالتالي حيازة حيز أكبر من الاستقلالية وهذا ما سيجعلها قادرة فعلا على المطالبة بحقوقها الأساسية ف يمواجهة مجتمع لا يعترف أصلا بوجود هذه الحقوق.

من جانبها تعتبر الناشطة حسناء حاج محيو أن النساء اللاتي يحضرن الجلسات التوعوية لا يعرفن الكثير عن حقوقهن الأساسية، ومن هنا تأتي أهمية التوعية، حيث تتفاجئ كثير من النساء اللاتي التقت بهن بأن من حقها رفض توبيخ زوجها أو أخيها لها، فضلا عن ضرورة رفض الضرب أو أي اعتداء لفضي أو جسدي آخر.

وتلفت حسناء إلى حقيقة أن النساء في البيئة الريفية السورية لا يملكن هذه الحساسية العالية تجاه الاعتداء على حقوقهن، وتعزو ذلك إلى الثقافة السائدة في الريف, والتنميطات الاجتماعية التي تضع النساء في وضع غير مناسب، لجهة تهميشهن وهدر حقوقهن.

إلا أنها تلفت في نفس الوقت إلى أن الظروف الكارثية التي عاشها المجتمع خلال السنوات الأخيرة أدت على تغيرات جذرية في طريقة النظر إلى المرأة ودورها في المجتمع، حيث باتت المرأة العاملة في الريف تحظى باحترام أكبر، خصوصا إذا كانت تعيل أولادها بعد وفاة والدهم.

وتتفق حسناء مع زميلتها رنيم على أن النساء في البيئة الريفية يواجهن طريقا طويلا لتحقيق الحد الأدنى من الوعي الأساسي بحقوقهن الاجتماعية، إلا أنها تبرز أن المرأة في الريف السوري باتت تعاني من أوضاع نفسية صعبة إثر الظروف الصعبة التي مرت بها، وهذا سيجعل مسارها للحصول على حقوقها أكثر صعوبة وتعقيدا.

وتلفت الناشطتان إلى وتيرة الانتهاكات ضد المرأة انخفضت نسبيا خلال الأشهرة الأخيرة مع خروج تنظيم “داعش” من مناطق ريف حلب، والاستقرار النسبي الذي تعيشه خطوط المواجهة بين اطراف الصراع الأخرى في ريف حلب، إلا أنهن يشرنإلى أن ذلك لا يعني أن المرأة السورية في ريف حلب باتت تعيش في بيئة مثالية، بل على العكس فمازلت النساء يواجهن التمييز ويواجهن صعوبة في الحصول على العمل، كما أن الفتيات يواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على التعليم نظرا لضعف وعي المجتمع بضرورة تعليم الفتيات.

ومن هنا تتظرق الناشطتان إلى أهمية التوعية المجتمعية العامة، وتؤكدان أن مثل هذه التوعية يجب ألا تقتصر على النساء وإنما يجب أن تشمل جميع الجماعات في المجتمعات المحلية، وهذا يتطلب تضافر جهود مكثفة لجميع مؤسسات المجتمع المدني السورية التي يجب أن تركز على تأهيل المرأة في المجتمعات الريفية لتكون صاحبة دور أكثر إنتاجية وفاعلية في المجتمع.

وتؤكد الناشطتان على أن الأزمة التي يواجهها المجتمع السوري كبيرة وغير مسبوقة، ومن الصعوبة بمكان تحديد حجمها بدقة بسبب غياب الإحصاءات الدقيقة التي يمكن أن ترفدنا بعدد الأرامل والمطلقات والمعيلات لعائلاتهن واليتميمات والمنقطعات عن التعليم الأساسي، ومن هنا تبرز الناشطتان أهيمة الإحصاء كخطوة أولية لوضع خطط تنمية وإصلاح اجتماعي.

وفي ختام حديثهن تشير الناشطتان إلى أنهن يعرفن أن الطريق طويل وشاق، إلا أن ذلك لن يثنيهن عن متابعة جهودهن لاشعال شمعة في الظلام بحسب وصفهن.

 

 

التعليقات متوقفه