عقود البيع والشراء .. كيف تتمّ في غوطة دمشق الشرقية – غيلان الدمشقي

عندما انسحبت قوات النظام السوري من الغوطة الشرقية، قامت بنقل معظم السجلات المدنية والعقارية إلى دمشق، وأتلفت ما تبقى منها عمداً، ما جعل مسألة بيع وشراء العقارات بعد تحرير الغوطة الشرقية مشوباً بالغموض، من ناحية مستقبل وشرعية البيع الذي يتمّ غالباً من قبل البائع بشكل اضطراري وبقيمة زهيدة قياساً بالقيمة الفعلية للعقار، وهو ما يُعرف بـ”بيع المضّطر” بينما لم يبرئ القانون المشتري في مثل هذه الحالات والتي غالباً، ما تكون مشوبة بمظنة الاستغلال.

وعلى الرغم من ذلك، لكن حركة بيع وشراء العقارات لم تتوقف بين أهالي الغوطة، ما دفع المؤسسات القضائية والشرعية المحلية للقبول بالأمر الواقع وحماية حقوق الطرفين المتبايعين.
يقول “إبراهيم الغوطاني” وهو أحد سكان الغوطة الشرقية، لـ”الغربال” هجّرت الحرب معظم السكان، وعندما يريد أحد المهجّرين بيع عقار أو شيء من أملاكه، يرسل تفويضاً مكتوباً لأحد أقاربه أو معارفه، أو يتواصل مع المشتري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذا طلب المشتري أن يسأل البائع عن بعض التفاصيل، وللتأكد من شخصيته عبر أشخاص يعرفونه، مازالوا يقيمون في الغوطة الشرقية”.

هذه الإجراءات تنطوي على تشددّ حميد من المؤسسات القضائية المؤقتة في الغوطة، هدفه حفظ حقوق الناس وعدم فتح باب بيع ملك الغير أو عمليات النصب والاحتيال، كادعاء ملكية منزل وبيعه، وهذه الحالة تكرّرت كثيراً في المنطقة.

ويقول المحامي “أبو يوسف الدوماني” لـ”الغربال” من المشاكل التي تواجه المؤسسات القضائية في حالات البيع والشراء، ادعاء ملكية العقار لأكثر من طرف، ولاشك أنّ عدم وجود سجلات عقارية أو فقدان غالبيتها نتيجة القصف سيؤدي إلى حالة من الفوضى في معرفة المالكين الحقيقيين لأي عقار، ولكن المؤسسات القضائية المحلية أخذت بسياسة، تعتمد على قوة البينات التي تطرحها الأطراف المتداعية أمامها”.

ويضيف “أبو يوسف” القوة المطلقة تتأتى بدايةً من سندات التمليك التي تكون بحوزة المالك الأصلي مرفقة باسمه وختم المصالح العقارية، فإن وُجدت تُعرض هذه السندات على خبراء في مجال المعاملات العقارية ويتم ترجيح الحق وفق ما يراه القاضي بعد ذلك ،وغالباً ما يعتبر هذا الدليل هو الأقوى بين الأدلة”.
ويوضح “الدوماني” في حال ادعى أحد أن سنداته أتلفتها الحرب أو القصف، فهنا عادةً ما يلجأ القضاء في المناطق المحررة إلى شهادة الشهود في إثبات حيازة الأرض الزراعية أو المنزل السكني، ويأتي أسلوب الاستدلال هذا بالمرتبة الثانية بعد سند التمليك، وللقاضي الخيار في الاستماع لشهادة شاهدين أو ثلاثة أو أكثر بعد أدائهم القسم وتذكيرهم بعقاب اليمين الكاذبة”.
كما يشير “المحامي” إلى أنّ، “المشاكل العقارية لا تنتهي عند هذا الحد وإنما للقاضي الاستدلال بالبينات التي يراها مناسبة ومنها شهادة الشهود وأداء القسم، للمتداعين ليتبين له فيما بعد لمن تعود الأحقية في العقار المتنازع عليه”.
أما القاضي “أبو يوسف” فيقول لـ”الغربال” رأت المؤسسات القضائية في الغوطة الشرقية، وجوب تسجيل واقعة البيع لدى صحائف عقارية مؤقتة، تمّ افتتاحها في المجالس المحلية، تُبين وضع العقار الحالي واسم مالكه السابق والإشارات الموجودة عليه فيما إذا كان هناك نزاع على العقار كادعاء شرائه من مالكه سابقاً”.

ويضيف “أبو يوسف” لاشك أنّ هذا الإجراء الحالي الذي يتم تحت إشراف خبراء عقاريين خفف كثيراً من احتمال وجود حالات بيع ملك الغير أو النصب والاحتيال، ولكن تبقى النزاعات العقارية قائمة بين الناس وإن كانت بوتيرة أقل”.

الجدير بالذكر أن شكل القضاء والمؤسسات المدنية المحلية شهدت تطوراً لافتاً في الغوطة الشرقية أخيراً، حيث انتظمت جميع أشكال المعاملات العقارية أمام المؤسسات الثورية المؤقتة، ما أدى إلى تراجع في نسبة المصاعب، لكن ذلك يبقى محدوداً ما لم يتم الاعتراف بمؤسسات الثورة بشكل عام.

التعليقات متوقفه