المدارس السورية في تركيا: مؤسسات تعليمية أم شركات خاصة للأقارب والأصدقاء – فرحات أحمد

 بات واضحا جدا تحول العديد من المؤسسات التي قامت بعد اندلاع الثورة السورية إلى شبه مزارع خاصة يعمل فيها المدير أو المؤسس وأقاربه وأصدقاؤه، ويمسكون بمفاصلها من أعلى الهرم إلى أدنى وظيفة فيها، ولربما أتوا بمن لا حراك له ولا رأي  لإيهام الناس بالتعددية والتشاركية، هذا الأمر لا يمكن إنكاره إن كان في المؤسسات العسكرية أو المدنية، ولكن أن ينتقل وينتشر في المؤسسات التعليمية فهو لأمر غير مقبول بتاتا، طبعا بغض النظر عن تأثيره السلبي في كافة المجالات ولكنه يكون في التعليم أكثر فتكاً وتأثيرا لتعلقه بشكل مباشر بمستقبل ومصير مئات آلاف الطلاب، لقد أصبحت هذه الظاهرة منتشرة في المدارس السورية التي أسست ضمن الأراضي التركية، بعد استقرار ملايين السوريين فيها، وسنركز في هذا التحقيق على الجوانب السلبية مع الإقرار بوجود الكثير من الجوانب الإيجابية.

افتتاح مدارس بقصد الربح المادي
عندما وصل السوريون إلى الأراضي التركية فوجئوا بعقبة عدم وجود مدارس عربية ولم تكن آنذاك الحكومة التركية قد سمحت للطلبة السوريين بالالتحاق بالمدارس التركية أو افتتاح مدارس خاصة، فأقام بعض المهتمين حلقات في المساجد والمنازل لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، إلى أن تدخلت بعض المنظمات وقامت باستئجار مباني ليتم فيها تعليم الأطفال نظرا لازدياد الأعداد بسبب حركة النزوح المستمرة.
هذا الأمر ساهم في إثارة نفوس بعض أصحاب رؤوس الأموال ليجدوا في مجال التعليم فرصة جديدة للربح، فافتتحوا مدارس وفرضوا رسوما على الطلاب وقاموا باستقطاب المدرسين على غير أساس علمي وهذا ما يؤكده عبدالرزاق الصبيح من صفحة دعم التربية والتعليم في تركيا، مشيرا إلى أن بعض المدرسين الذين تم تعيينهم لا يحملون شهادات جامعية ولربما لجأ البعض منهم إلى تزوير شهادة كي ينال فرصة عمل في هذا المجال أو ليغطي بها على جهله أمام الأهالي.
ويضيف الصبيح: شكلت هذه المدارس مصدر دخل وربح لهؤلاء التجار وأقاربهم وأصدقائهم، حيث أن مؤسس المدرسة يقوم باختيار المعلمين على أساس القربى والصداقة إلا ما ندر، ويبدوا هذا الأمر واضحاً بشكل أكبر في مدارس منطقة هاتاي التركية، حيث تزداد شكاوى الأهالي من تدني مستوى المعلمين، واحتكار أصحاب رؤوس الأموال للوظائف ما ساهم في إبعاد المدرسين والمختصين.

عزوف المدرسين عن التدريس
بداية الأمر لم تكن الجمعيات والمنظمات تقدم رواتب للمدرسين، حيث كان العديد من المدرسين يعلمون مجانا، وهذا ما ساهم في عزوف عدد من المدرسين عن مهنة التعليم بالإضافة إلى تحكم أصحاب الأموال بالمدارس التي تقدم رواتب للعاملين فيها.
أحمد من محافظة الرقة خريج كلية العلوم قسم الرياضيات يقيم هو وعائلته في مدينة العثمانية، ويعمل في أحد معامل النسيج، يقول أحمد للغربال: صراحة لم أتقدم منذ البداية للتدريس نظرا لعدم وجود رواتب وأنا أعيل عائلتي المؤلفة من أربعة أشخاص فلجأت إلى البحث عن عمل لأستطيع تقديم لقمة العيش لأولادي، يضيف أحمد: بعد أن خصصت منظمة اليونيسيف رواتب للمعلمين تقدمت لعدة مدارس خارج العثمانية وداخلها ولكن لم يتم قبولي في أي مدرسة، فقررت الاستمرار في عملي ولم أحاول التقدم مرة أخرى.

صور من الفساد داخل المدارس
يتابع أحمد حديثه للغربال: من خلال زيارتي لإحدى المدارس بغية التقدم للتوظيف قابلت معلماً أتحفظ على ذكر اسمه: وأخبرني أن مدير المدرسة يرغب في توظيف الإناث خاصة، بالإضافة أنه هنالك عدد من المعلمات يحملن شهادة التعليم الثانوي فقط بل يوجد منهن من هي حاصلة على الإعدادية فقط وقامت بتزوير الشهادة الثانوية لتحصل على الوظيفة.
وبدوره يقول عثمان مدرس اللغة العربية وهو مقيم في محافظة العثمانية أيضا قدمنا أنا وزملائي الخريجين للتدريس في المدرسة السورية بالمدينة ولكن لم يتم قبول أي منا فقررنا أن نتوجه لمديرية التربية التركية للتقدم بطلب إحداث مدرسة نظرا لوجود مدرسة واحدة في كل المدينة وفيها 1750 طالبا ويتواجد في الصف الواحد نحو 50 طالبا ولوجود الكثير من المدرسين العاطلين عن العمل، ففوجئنا برفض طلبا لأن مدير المدرسة السوري عطل علينا من خلال تواصله بمدير التربية التركي الذي تربطه به علاقة وثيقة.
ومن جهته يقول عبد الرزاق الصبيح : يوجد مدارس في مدينة كركخان التركية باتت تعرف بأسماء العائلات وكذلك في بيلان حيث تعمل فيها عائلات بأكملها.

أما في اسكندرون فهنالك مدرسة باتت تعرف بمدرسة أبي (فلان) وتعمل فيها عائلته بالكامل بل إنه علاوة على ذلك قام بمصادرة بطاقات الصراف البنكية التي يتسلم المعلمون رواتبهم من خلالها، وهو من يوزع الرواتب عند صرفها للتحكم بالمعلمين.
وفي مدرسة أخرى المدير حاصل على الثانوية العامة في الفرع الليبي عام 2013 ولا يزيد عمره عن 20 عاما إلا بقليل.

أما اسطنبول فهي حكاية أخرى فقد بلغت رسوم الطالب  في الشهر الواحد نحو ألف ليرة تركية وهذا أدى بدوره إلى عدم إرسال كثير من العائلات أبناءها إلى المدارس.

ويستطرد المصدر: هذا على سبيل المثال لا الحصر فهنالك الكثير من الأمثلة الأخرى إن كان في مدارس أنطاكيا أو الريحانية أو غازي عنتاب أو مرسين أو مدارس المخيمات، فتردنا أيضا الكثير من الشكاوى.

ويقول الأستاذ عبدالله وهو مدرس في إحدى مدارس هاتاي: قبل أن تخصص منظمة اليونيسيف رواتب للمعلمين أسست بعض الجمعيات والأحزاب مدارس وقامت بتمويلها ومقابل ذلك فرضت أفكارها وتوجهاتها على المدرسين والطلاب وهذا ملاحظ بشكل كبير بل إنها قامت أيضا بتوظيف أتباعها من أصحاب ذات التوجه والفكر الذي تحمله المؤسسات التي قد يكون بعضها ذا طابع عسكري.

من المسؤول عن هذه المدارس؟
من البديهي أن تتبع المدارس بشكل مباشر لوزارة تربية الدولة التي تتواجد فيها على اعتبار أنها مؤسسات تعليمية.
يقول عبدالرزاق الصبيح : لم تكن وزارة التربية التركية تتواصل مع المدارس بشكل كاف حيث أنها لم تقدم لها أي دعم مادي أو معنوي ولكن بعد أن خصصت منظمة اليونيسيف رواتب للمعلمين في عام 2015 بدأت التربية التركية بالتواصل مع المدارس بغية تنظيمها والإشراف عليها وتنظيم الدعم المقدم لها، كما حددت امتحانا خاصا يخضع له أي مدرس في حال أراد التقدم للتوظيف بعد الاطلاع على شهاداته وخبراته التعليمية.
يضيف الصبيح نجحت الحكومة التركية إلى حد ما في أغلب المدن ولكنها لم تستطع ضبط الوضع إلى الآن في مدارس منطقة هاتاي التي يعشش فيه الفساد على حد تعبيره.
وعن دور الحكومة السورية المؤقتة يقول الصبيح لقد قامت بوضع قانون عام للمدارس ولكن بحكم وجودها على أراضي دولة أخرى لم تستطع تطبيقه بشكل حازم، مشيرا إلى أنه هنالك بعض المدارس قد التزمت به تلقائيا ودون ضغوطات.

استياء بعض الأهالي بسبب تدني مستوى التعليم

هنالك حالة استياء كبيرة بين الأهالي بسبب المستوى المتدني للتعليم في بعض المدارس السورية بتركيا لعدة أسباب، يقول أبو محمد وهو مقيم في منطقة هاتاي: لاحظت تراجعا في مستوى أبنائي حيث كانوا من الأوائل في المدارس السورية قبل الثورة ما اضطرني لتغيير المدرسة لمرتين حتى وجدت مدرسة مناسبة، أما أحد جيراني السوريين فقد قرر نقل أبنائه لمدرسة تركية لأنه لم يعد يثق في الكثير من المدارس السورية، والآخر قرر عدم إرسال ابنه الوحيد للمدرسة على أن يعلمه هو ووالدته في المنزل حيث أن والدته كانت معلمة صف في سورية ولكنها لم تتقدم للتدريس في تركيا.

الحلول المستقبلية لهذه المشكلات
يرى عبدالرزاق الصبيح أن الحلول تتمثل أولاً: في تعميم النظام الداخلي للمدارس الذي أعدته الحكومة السورية المؤقتة سابقا وتطبيقه من خلال زيادة التواصل بينها وبين وزارة التربية في الحكومة التركية واطلاعها على الخطر المحدق بالمدارس السورية، وهذا النظام فيه تفصيل لكل ما يتعلق بحقوق وواجبات كل من المدير والمدرس والطالب.
ثانيا: تشكيل مكتب توجيه خاص في الحكومة المؤقتة يكون فيه موجهون اختصاصيون لكل مادة يراقبون سير العملية التعليمية في المدارس من خلال زيارات يقومون بها بشكل دوري.
كما شدد الصبيح على أهمية تجريد مدير المدرسة من صلاحية تعيين وفصل المدرسين لما له من أهمية كبيرة في استشراء الفساد الحاصل الآن.

يذكر أنّ أكثر من ثلاثة مليون طفل سوري حُرموا من التعليم في ظل الأربع سنوات الماضيّة على حسب التقرير الذي أصدرته منظّمة “أنقذوا أطفالنا” الدوليّة.

التعليقات متوقفه