نضال نساء دير الزور السورية مستمر منذ إنطلاق الثورة وحتى اليوم بالرغم من “داعش” – مترجم عن “أتلانتيك كاونسل”
دعمت النساء في دير الزور الثورة السورية منذ بدايتها بطرق مختلفة. خلال المراحل الأولى للثورة، شغلت النساء أدوار فعالة، بما في ذلك تلك الأدوار التي هي من اختصاص الذكور، مثل حمل السلاح يداً بيد مع المعارضة المسلحة. وعلى الرغم من استيلاء داعش على غالبية المحافظة، لا تزال النساء في دير الزور يدعمن السكان المحليين ويعملن على حماية النساء الأخريات.
في آذار 2011، في المظاهرات الأولى الداعية لإسقاط النظام السوري في دير الزور، بدأت النساء بالانضمام في وقت مبكر إلى المظاهرات جنباً إلى جنب مع الرجال. بحلول فصل الصيف، كان للمرأة حضور كبير في تلك المظاهرات.
في أغسطس 2011، غزا جيش نظام الأسد دير الزور. أوقف النظام بشكل مؤقت المظاهرات الكبرى والاعتصامات، كما ألقى القبض على المدنيين، وذلك من خلال العمل مع الجماعات شبه العسكرية (الشبيحة)، ومن خلال زيادة عدد نقاط التفتيش في المدينة. خلال تلك الفترة، كان رندة الصالح تحاضر في مدرسة البنات الابتدائية للطالبات، قالت: “عندما استأنف الرجال المظاهرات، لا يمكن للمرأة أن تقف مكتوفة الأيدي، وببساطة تشاهد اطلاق النار على الرجال والقبض عليهم أيضاً؛ لذلك انضممنا للمظاهرات وضحينا كالرجال تماماً”. بالإضافة إلى ذلك، نظمت النساء احتجاجاتهن الخاصة داخل المدارس والجامعات، بما في ذلك الاحتجاجات التي قامت في مدرسة البنات الابتدائية (في بداية أيار 2011).
في حزيران 2012، دخلت المعارضة المسلحة دير الزور ومنعت قوات النظام من دخول المدينة. وصفت رواء، وهي ممرضة تعمل في المستشفيات الميدانية، صعوبات العمل في ذلك الوقت: “عندما بدأت الثورة المسلحة في دير الزور، سيطرت كتائب المعارضة على أحياء وسط المدينة، حاول النظام استعادة السيطرة على المدينة ولكنه فشل في ذلك الأمر. دون سابق إنذار، بدأ قصف وحشي لتلك الأحياء، وأجبرت الهجمات السكان على ترك منازلهم والنزوح إلى المدن الأخرى. عندها أصبح العمل يقتصر على حمل السلاح لمحاربة النظام أو العمل في المستشفيات الميدانية؛ بسبب ذلك كان وجود المرأة محدود. ومع ذلك، حملت بعض النساء السلاح خلال حملة الحرس الجمهوري لوقف المظاهرات. وكان هناك امرأة ممرضة معروفة باسم أم الثوار ، وذلك لأن شباب الجيش السوري الحر يعتبرونها والدتهم”.
في كانون الثاني 2013، بعد حصار للنظام استمر عدة أشهر، حررت المعارضة المسلحة المدخل الشرقي من حي الحويقة، واستخدمته لنقل الإمدادات داخل وخارج المدينة. وكانت هذه نهاية الحصار وبداية ما يسميه سكان المدينة “فترة الحرية”. واستمرت هذه الفترة حتى استولى داعش على معظم المدينة. خلال تلك الفترة، عاد العديد من السكان المحليين على الرغم من قصف النظام للمدينة.
عندما عاد المدنيون إلى المدينة، العديد من الطلاب كانوا لا يذهبون إلى المدرسة. ناقشت المدرسة بتول تشكيل مكتب للتربية والتعليم في نيسان 2013. كان هذا المكتب مسؤولاً عن افتتاح وادارة المدارس في المناطق المحررة، ومن ثم الإشراف على تعليمهم. لم تقف المدرسات في دير الزور على الحياد كمتفرجات، حيث انضممن إلى المكتب وشاركن في إنشائه. بعد ذلك بوقت قصير، فاق عدد النساء عدد الرجال في المكتب. بعد سنة دراسية، كان علينا وضع المكتب تحت سلطة المجلس المحلي، الذي قام بإصلاحه قبل بدء العام الدراسي الثاني. ازداد عدد المدرسات وفاق عدد المدرسين الذكور في المدارس، الأمر الذي أظهر استعداد المرأة للعمل حتى أثناء الغارات الجوية التي لا تفرق بين المدارس ومقرات الجيش السوري الحر.
خلال هذه الفترة، كان للمرأة حرية العمل في مجالات أخرى كذلك. على سبيل المثال، المنظمة الحقوقية “حياة المرأة والطفل” التي تأسست في حزيران 2013 في حي العمال في دير الزور. أوضحت بيداء الحسن، مديرة المنظمة، خلال مقابلة في أورفا في تركيا: “ركزت أنشطتنا على رفع الوعي بحقوق المرأة، حيث عقدنا ندوات في مركزنا وزرنا النساء في منازلهن. شرعت المنظمة أيضاً بافتتاح مركزين للتدريب. في البداية كنا نعلم الخياطة، ومن ثم علمنا تصفيف الشعر. وكان الهدف من وراء هذه المراكز تعليم النساء غير المتعلمات المهن بحيث يكن قادرات على إعالة أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت المنظمة المدرسة شادي رباح في حي الحميدية، ورياض الأطفال في حي العمال. من خلال تلك المدرستين، تمكنا من تأمين فرص عمل للكثير من النساء غير المتزوجات”.
ذكرت الحسن أيضاً المخاطر التي واجهت النساء العاملات مع “حياة المرأة والطفل”، بما في ذلك قصف نظام الأسد. حيث أسفر القصف عن مقتل امرأتين يعملن مع المنظمة في المدارس.
تم تأسيس العديد من المنظمات النسائية الأخرى، وبعضها لا تزال تعمل حتى الآن بوجود داعش، ولو سراً وبطريقة محدودة. تحدثت هبة مديرة إحدى هذه المنظمات عن منظمتها على شرط أن لا يتم ذكر اسم المنظمة ولا موقعها. وقالت هبة: “في 14 تموز 2014، سيطر تنظيم داعش على حي في مدينة دير الزور، وأغلقت جميع منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك منظمتنا، وصادر معداتنا. لذلك توقفنا عن العمل لمدة شهرين. على الرغم من أن التنظيم جماعة متطرفة ويعامل المدنيين بطريقة مروعة، كل ذلك لم يمنعنا من العمل. قررنا أن نعود إلى أنشطتنا، ولكن بأسلوب جديد. حيث اعتدنا على عقد الندوات العامة سابقاً، ولكن اليوم نعقدها داخل المنازل سراً وعدد الحضور محدود. لا يمكننا تجميع مجموعة كبيرة من النساء لأن العملية برمتها قد يتم كشفها”.
أكدت هبة أن واحدة من أهم القضايا التي نوقشت خلال هذه الندوات هو كيف يمكن للمرأة تغيير سلوكها لحماية نفسها من داعش. والموضوع الآخر هو كيفية ابعاد “الخاطب” من مقاتلي داعش بخصوص عرض الزواج من امرأة. وكانت هذه المسألة، ولا تزال، تشكل خطراً على نساء دير الزور.
تحدثت ياسمين، وهي في العشرين من عمرها، كيف أنها تجنبت أن تصبح زوجة لمقاتل من داعش. “من أصعب القوانين التي يفرضها علينا تنظيم داعش هي النقاب (غطاء الوجه الكامل) وغيرها من القوانين. ولكن ماذا لو طلب مقاتل من الجماعة المتطرفة يد فتاة من أجل الزواج؟ كيف يمكننا الخروج من هذه الكارثة؟ هل يمكننا أن نقول لهم أن ابنتنا ترغب في إنهاء دراستها، ولا ترغب في الزواج الآن؟ أو هل يمكننا أن نقول أننا لا ندع بناتنا تتزوج من امجرمين؟
تتابع ياسمين: في تشرين الأول 2014، طلبني مقاتل في الجماعة المتطرفة من والدي. لا يمكن أن يرفض أبي طلبه بشكل مباشرة. بدلاً من ذلك، قال له أن ابنته مخطوبة لابن عمها. في الواقع، بعد أسبوعين بالفعل تزوجت من ابن عمي، خوفاً من مقاتلين آخرين في التنظيم. ومع ذلك، أنا لم آسف على الزواج من ابن عمي. الشباب في مدينة هم الداعم لنا ورفضوا السماح بتعرضنا للأذى.
*مترجم عن “أتلانتيك كاونسل” ترجمة محمود العبي، لمطالعة المقال الأصلي إضغط هنـــا
التعليقات متوقفه