كنيسة “قلب لوزة” أحد أجمل الكنائس السورية التاريخية

قلب لوزة هي كنيسة من أجمل الكنائس التاريخية في سوريا ويعتقد أن تاريخها يعود إلى منتصف القرن الخامس الميلادي وبداية القرن السادس الميلادي، وتقع هذه الكنيسة التاريخية ضمن قرية قلب لوزة الأثرية في جبل باريشا، وتبعد 35 كيلومتراً شمال غرب مدينة إدلب، وعلى مقربة من طريق عام معرتمصرين – حارم، ويعتقد أنها قد شيدت في حياة القديس سمعان العمودي أو بعد وفاته بقليل.

يوجد في قرية قلب لوزة عدد كبير من المعاصر المنقورة بالصخر وحوالي أربعة فنادق هذا بالإضافة إلى كنيسة قلب لوزة الشهيرة والتي كانت مكاناً مخصصاً للعبادة تؤمه المنطقة بأكملها، ومركزاً للحج، ويؤكد على ذلك أهميتها ودقة زخارفها وبناء الفنادق لإيواء الحجيج وبسبب الحاجة للزيت للإنارة أنشأت المعاصر، وعند استيلاء الصليبيين على الكنيسة في القرن العاشر تحولت من كنيسة سريانية إلى كنيسة تقام فيها الطقوس البيزنطية، تأثر بناء كنيسة قلب لوزة بقمة فن العمارة السورية القديمة، وسميت بقصر لوزة وأحياناً قلب لوزة .

يبلغ طول بناء الكنيسة 25 متراً وعرضها  15متراً وهي ذات ثلاثة صحون، وهي تعد من أولى الكنائس التي نجد فيها الجناح الرئيسي محمولاً على دعائم متينة ضخمة ترتكز عليها الأقواس عوضاً عن الأعمدة. إن اتساع هذه الأقواس يؤمن دمج الجناحين الجانبيين بالجناح الرئيسي ويضفي الوحدة على حجم الكنيسة. وعلاوة على ذلك فالمحراب بارز ونضده الخارجي كثيف ومحمول على صف من الأعمدة فوق بعضها البعض، يتقدمه ممر عميق وعلى جانبيه تقع حجرتا المارتيريين والديكاكونيين، وتتألف الأروقة على الجانبين من زخارف جميلة، ويعلوها أعمدة وتيجان ، ويحيط بها سور من الحجر الكلسي الكبير.

للكنيسة أربعة أبواب، ثلاثة في الجنوب وواحد في الغرب, يتقدمه مدخل مسقوف ذي رواق يتسم بالفخامة ويحده من الجانبين برجان، كل منهما بطوابق ثلاثة، وفيهما درجان قد زالا حالياً وكانا يؤديان إلى سطح الرواق وسطحي الجناحين العلويين، وفي ذلك دلالة على العدد الكبير من المصلين.

أهم أقسام المبنى:

  • الرواق أو الدهليز وهو الممر المسقوف أمام الكنيسة.
  • الصحن وهو المكان المخصص لاجتماع الناس في الكنيسة، ويمتد من الباب حتى قدس الأقداس.
  • بيت القدس أو الهيكل وهو في وسط الكنيسة، وفيه يقام المذبح.
  • غرفة الشهداء وهي الغرفة الجنوبية من البناء.
  • غرفة الشمامسة  أو غرفة الخدم المحاذية للمذبح من جهة الشمال.

ويضم بناء الكنيسة العديد من الشبابيك (النوافذ) والأبواب من جميع الجهات، وأجملها الواجهة الجنوبية التي تضم تسع نوافذ وثلاثة أبواب يتوسطها باب غني بالزخارف ويحيــط بالباب رسوم مختلفة.

تتضمن بنية الكنيسة عناصر جديدة فالأقواس الكبيرة القائمة على الدعائم التي نوهنا عنها تؤمن الالتحام الوثيق مع الأقسام العلوية في الكنيسة والتي يقع ثقلها على دعائم متينة، وأصبح وزن السقف ينتقل إلى الأقواس بطريقة الكتيفات المحمولة على أعمدة صغيرة متوضعة على كتيفات أخرى مما يؤمن مقاومة للهزات الأرضية المتواترة.

والإضاءة أيضاً من إحدى مميزاتها ففي كل جدار من جداري الجناحين الجانبيين تسع نوافذ، وفي الجناح الرئيسي جداران بينهما فرق منسوب وفي كل منهما إحدى عشرة نافذة، فالكنيسة ليست غارقة في النور المتدفق من كل هذه الفتحات بل يتوزع النور فوق ذلك باتساق بفضل اتساع الأقواس.

وكانت الواجهات موضع عناية خاصة فثمة نعل ذي حلية موجود حول الكنيسة كلها. ولأول مرة نرى النوافذ السفلى وأقواس الأبواب يلفها شريط ذي حلية ناعمة في كل الكنيسة ما عدا الصدر. ثم أن الطنف في الجناحين الجانبيين يلتقي في الواجهة الغربية مشكلاً انقطاعاً أنيقاً يبرز وجود شرفة فوق المدخل، والتوزيع الموفق لنوافذ البرجين ذوات الأطر يلفان كتلة الواجهة. وفي طابق الجناحين العلويين نجد أطر النوافذ تلتف بشكل قوس ذي حلية على السواكف المستقيمة. أما المحراب البارز فإن كتلته مخففة بصف من الأعمدة وبنوافذه الكبيرة المحاطة أيضاً بالأطر ذات الحلي المستمرة.

كل هذا يعكس الاستثناء الذي تتمتع به هذه الكنيسة عن بقية كنائس المنطقة مما يجعلها قمة العمارة في جبل بيبلوس . وقد تم بلوغ هذه القمة بفضل مهارة فنان كبير يستقي عمله من التقاليد المحلية العريقة.

كانت “قلب لوزة” في العهد البيزنطي مزرعة صغيرة أكثر منها قرية، ولم تكن بيوتها البسيطة المحيطة بالكنيسة تتجاوز عشرة منازل، فمبانيها لم تكن كثيرة أو ذات أهمية، ولكنها تضم العديد من معاصر الزيتون المحفورة بالصخر، منتشرة حول القرية وتفوق حاجات أهالي “قلب لوزة”، فعددها يزيد على عشرين معصرة، كما أنها تضم أربع فنادق على الأقل، هذه الأعداد الكبيرة للمعاصر والفنادق تعتبر زيادة لما تحتاجه القرية الصغيرة وسكانها، ما أدى إلى تساؤل العلماء عن الأسباب التي بررت تشييد كنيسة أو بازيليك “قلب لوزة” الضخم الذي تجاوزت أبعاده حاجات السكان الروحية، ومما كتبه “تشالنكو” في كتابه “القرى الأثرية في سورية الشمالية”: “إن أهمية الكنيسة لا تفسر بأهمية القرية حيث بنيت، فانعزالها في وسط سور، وموقعها على هامش المنازل، وجدة مخططها، وكذلك البناء والزخرفة والعناية الفائقة بالتنفيذ، يحملنا على أن نرى فيها مكان عبادة مخصصاً للمنطقة برمتها، إنه بلا شك مركز للحج، وهذا ما يفسر أن “قلب لوزة” كانت للكنيسة وليس العكس، وأن المعاصر والزيتون كانت للكنيسة أكثر منها للقرية، فهذه البازيليك الضخمة أصبحت مركزا للحج يؤمها سكان المنطقة المجاورة وليس فقط أهالي “قلب لوزة”، ما استدعى تشييد مبنى ضخم جديد التصميم، جميل الزخرف لاجتذاب الحجاج واستقطابهم واستيعابهم، كما أن الهدف من بناء الفنادق كان إيواء الحجاج الوافدين من بعيد، وقد استدعى هذا الوضع الجديد وتقاليد ظاهرة الحج استعمال الزيت للإنارة المسلطة في الكنيسة، وإيفاء نذور الحجاج الكثيرين، فأنشئت المعاصر الكثيرة للحصول على الزيت”.

كانت قلب لوزة مأهولة في القرن العاشر الميلادي وتقام في كنيستها الاحتفالات الدينية بدليل أن الروم البيزنطيين احتلوا هذا الجزء من سورية في القرن العاشر الميلادي، واستولوا على بازيليك (كنيسة) القرية فحولوها من استعمال الطقس “السرياني” إلى الطقس الملكي “البيزنطي”.

تتعدد الآثار التي تجاور الكنيسة، فمنها ناووس مكسور، وأربعة فنادق في تقع في الطرف الجنوبي الغربي من البلدة أهمها الواقع على مسافة /150/ مترا جنوب غرب الكنيسة، وعدة معاصر في الجنوب الغربي من القرية، وتحتوي الكنيسة والمباني المحيطة على كتابات كثيرة، فتوجد كتابتان يونانيتان على قوس النصر في الكنيسة وعلى الباب المخصص للرجال، وفيها ذكر اسم رئيسي الملائكة “جبريل” و”ميخائيل”، أما الكتابات “السريانية” فعددها ثلاث، إحداها في صحيفة من مرمر تعريبها “المتعبد للآب والابن والروح القدس”، وأخرى مرتكزة في القنطرة الجنوبية المركزية، وفيها ذكر “الشماس رومانوس”، وكتابة أخرى على ساكف الفندق غير واضحة المعالم.

التعليقات متوقفه