أطفال ريف إدلب محرومون من التعليم – خالد الخطيب
بات معظم أهالي ريف إدلب يعتبرون أن تعليم الأطفال من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها مقابل سلامة أبنائهم، فالمخاطر الجمة التي بات الأطفال يواجهونها في طريقهم إلى المدرسة بالإضافة إلى القصف المتكرر الذي طال منشآت التعليم، والحالة النفسية السيئة التي أصابت الطلاب الذين عانى أغلبهم من نزوح متكرر والفقر الذي يعاني منه أغلب الأهالي وعدم قدرتهم على تحمل مصاريف الدراسة دفعت هؤلاء الأهالي إلى التغاضي عن واجب تعليم أبنائهم.
ولعب خوف الطلاب الأكبر عمراً كطلاب المرحلة الثانوية من اعتقال النظام دوراً في منعهم من الذهاب إلى المدارس الرسمية الحكومية التي تواصل عملها في مناطق سيطرة النظام بمدن حماه وحلب واللاذقية البعيدة عن مناطق سكنهم بريف إدلب.
عموماً أصبح أمام الطلاب بريف إدلب أحد خيارين، فإما التوقف عن الدراسة أو متابعة التعليم في المدارس التي مازلت تعمل بمناطق سيطرة الثوار بريف إدلب والتي تحظى بتمويل جزئي من مؤسسات الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف السوري، والتي ارتفعت نسبتها من 15% من العدد الكلي للمدارس العام الدراسي الماضي إلى نحو 65% من المدارس العاملة بريف إدلب في هذا العام الدراسي بحسب مصادر الحكومة السورية المؤقتة التي تتخذ من مدينة غازي عنتاب التركية مقرا لها.
العجز المادي يعيق عجلة التعليم في ريف إدلب
برزت معوقات كثيرة أمام استمرار العملية التعليمية بريف إدلب كان من أهمها عدم وجود مؤسسات تدعم وتمول المؤسسات التعليمية الناشطة بريف إدلب، وتفاقمت هذه المشكلة بشكل كبير بعد أن أوقفت مديرية التربية التابعة لحكومة النظام السوري دعمها للمدارس في الريف الواقع تحت سيطرة الثوار، فلجأت بعض المجالس المحلية والمؤسسات الأهلية إلى التعليم البديل كما هو الحال في مدن وبلدات معرة النعمان وسراقب وسلقين وحارم، ويعتمد التعليم البديل على كادر تدريسي من أبناء المنطقة وعلى تمويل بسيط تقدمه بعض الجمعيات وبعض الميسورين من أبناء المنطقة، ويقول أحد مدراء المدارس في معرة النعمان والذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه: “تبادر بعض الجمعيات الخيرية بالمعرة بتقديم تمويل بسيط بغية ألا يقف التعليم بشكل نهائي حتى يتم تأمين جهات أخرى تدعم التعليم بشكل أكبر لكي نستطيع إصلاح منشآت التعليم التي طالها القصف ونوسع الكادر التدريسي ونؤمن مستلزمات الطلاب من كتب مدرسية وقرطاسية وغيرها”.
ويعاني مدراء المدارس في ريف إدلب من عدم توفر الكادر التدريسي وخاصة بعد أن قامت مديرية التربية في إدلب بفصل عدد كبير من المدرسين المثبتين في مدارس الريف بحجة انقطاعهم عن عملهم كما أصدرت مديرية التربية قراراً تجبر فيه جميع الموظفين على السفر إلى مركز مدينة حماه لقبض رواتبهم كي لا يتمكن الموظفون المطلوبون لقوات النظام من الحصول على راتب من مديرية التربية.
دفع ذلك المسؤولين عن المدارس في ريف إدلب إلى الاستعانة بالطلاب الجامعيين وحملة الشهادة الثانوية من أبناء المنطقة ليحلوا محل المدرسين الاختصاصيين، ودفعَ ضعف الإمكانيات المادية للمدارس في أغلب مناطق الريف هؤلاء المدرسين الجدد إلى العمل براتب رمزي أو تطوعاً.
في بعض المدارس الواقعة في مناطق سيطرة الثوار هناك نسبة من الأساتذة الذين لا يزالون يمارسون عملهم ويتلقون رواتبهم من مديرية التربية التابعة للنظام في مدينة حماة أما المدرسين الذين قام النظام بفصلهم من عملهم بسبب مشاركتهم بالثورة فقد حصل عدد منهم على تعيين من وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة ليواصل عمله مقابل بدل نقدي يبلغ نحو 100 دولار أمريكي في الشهر فقط.
مصير مجهول لحملة شهادات “الائتلاف”
اعتاد الطلاب غير المطلوبين للنظام السوري على تقديم امتحانات الشهادة الثانوية والإعدادية في المدارس الحكومية التابعة للنظام في مدن حماه أو حلب أو اللاذقية خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن من لا يستطيع من الطلاب الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام، لا يكون أمامه سوى الاكتفاء بالشهادة التي يقدمها الائتلاف، ويصبح مصيره غامضاً بعد نيلها.
“أحمد الجملو” من مدينة معرة مصرين في ريف إدلب وطالب في المرحلة الثانوية يقول للغربال: “قدمت امتحانات الشهادة الثانوية في مدارس الائتلاف لأنني خشيت الذهاب إلى اللاذقية لإجراء الامتحان النهائي إذ من الممكن أن أتعرض للاعتقال، لكن للأسف لا يوجد اعتراف قانوني بشهادة الائتلاف حتى الآن، لا يمكنني الاستفادة من شهادتي في سوريا، ولا خيار لي سوى الانتقال إلى تركيا لإكمال تعليمي الجامعي، وهو أمر صعب، فتكلفة المعيشة هناك مرتفعة”.
مدارس جديدة بدأت بالعمل
انطلق نوع جديد من المدارس بريف إدلب في هذا العام الدراسي حيث قامت منظمة أحموا الأطفال Save the Children بإنشاء مدارس تختلف عن مدارس النظام السوري والمدارس التي تشغلها وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة, وذلك لجهة اعتمادها منهاجاً جديداً لطلاب التعليم الأساسي، يتضمن بعض المواد العلمية واللغات، التي تدرّس في مبانٍ جديدة تولّت المنظمة إنشاءها أو استئجارها، كما عيّنت عدداً من المدرّسين المؤهلين، الذين يتقاضون رواتب جيدة، هذه المدارس قليلة إذ لا تتجاوز مساحة تغطيتها 15% من ريف إدلب بحسب مصادر المنظمة.
ظروف الحرب تحرم كثير من أبناء ريف إدلب من التعليم
نسبة كبيرة من الدمار لحقت بالمنشآت التعليمية في ريف إدلب نتيجة استهدافها من قبل مدافع وطائرات النظام، وكثيرة هي المدارس التي تعرضت للقصف أثناء فترة تواجد الطلاب فيها، ويقول عبد الواحد وهو أحد أبناء مدينة دركوش “لقد منعت أولادي من الذهاب إلى المدرسة مع أنني أدرك أن ذلك سوف يؤثر على مستقبلهم ولكن أن يخسر أولادي مستقبلهم أهون من أن يخسروا حياتهم”.
كما حوّل عدد كبير من كتائب الثوار مدارس القرى التي تسيطر عليها هذه الكتائب مقرات لها فحولت صفوفها إلى مهاجع لعناصرها ومستودعات لأسلحتها وأصبحت باحة المدرسة ساحة لركن السيارات والآليات العسكرية، كما أصبحت بعض المدارس سجناً أو محكمة فلم يعد هناك مكان للطلاب في هذه المدارس، يقول علي أحد أبناء قرية البشيرية في جسر الشغور “كان طلاب قريتنا من المتفوقين على مستوى المحافظة ولكن اليوم تراجع مستواهم لأنهم لم يعودوا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة بسبب تواجد بعض الكتائب فيها، حاول أهالي القرية إخراج هذه الكتائب من المدارس لأنهم يقدمون بتواجدهم في المدارس حجة للنظام ليقصفها، ولكن غالبيتهم يعتبر أن تعليم الأطفال اليوم أمر تافه أمام قتال النظام وليس وقته الآن”.
التعليقات متوقفه