إهمال النفايات الطبية يهدد سكان الشمال السوري بالأوبئة والأمراض
يشكل إهمال النفايات الطبية وخلطها بالنفايات المنزلية العضوية في مكبات القمامة خطراً كبيراً على عمال النظافة والسكان نتيجة احتواء النفايات الطبية على مواد كيميائية سامة وتبدو جهود التصدي لمخاطر هذه النفايات قاصرة في ظل انتشار أمراض وأوبئة يعزي البعض سبب انتشارها إلى إهمال إتلاف النفايات الطبية بصورة صحيحة.
إدلب – عبد الغني العريان
بالرغم من أن معايير السلامة تقضي بإتلاف النفايات الطبية والصيدلانية بطرق وأماكن خاصة ما تزال هذه النفايات ترمى في مكبات النفايات العادية بريف إدلب الأمر الذي يشكل خطراًعلى البيئة وعلى عمال النظافة أو من قد تكون له صلة مباشرة بها، ذلك أن وجودها في المكبات العادية قد يتسبب بالإصابة بأمراض مزمنة وأوبئة معدية،كالتهابات الكبد الفيروسية والعدوى المعوية وأمراض الجهاز التنفسي وفطريات الالتهابات الجلدية والتسمم وأمراض الدم.
خطر محدق بسبب النفايات الطبية
الطبيب طه الغريبي أحد أطباء المشافي الميدانية في ريف ادلب يتحدث للغربال عن النفايات الطبية قائلاً: “على الرغم من القفزات الهامة في عالم الطب والتي كان لها أثر إيجابي في المحافظة على صحة الإنسان ومحاربة الأمراض المختلفة، إلا أن هناك جانب سلبي للتقدم في الطب وإجراءاته وهو تلوث البيئة بمختلف الملوثات الطبية التي قد تؤدي بدورها إلى إصابة الإنسان بأضرار خطيرة ومميتة في أغلب الأحيان، وتتنوع المخلفات الطبية بشكل كبير لتشمل الإبر والحُقن والقطن والشاش وبقايا العينات الملوثة بسوائل ودماء المرضى ومخلفات صيدلانية وكيميائية وأحياناً مخلفات مشعة ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية وغيرها، ولا يخفى على أحد أيضاً أن تلك المخلفات مصدرها المريض، لذا فهي تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، دفع وجود هذا الكم من المخلفات الطبية العديد من المنظمات لطبية خلال الحرب في سوريا إلى الاهتمام بهذه المشكلة، بعدما أثبتت بعض الدراسات والبحوث مسؤولية هذا النوع من المخلفات عن إحداث أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار”.
ويضيف الطبيب الغريبي قائلاً: “يمكننا تعريف النفايات الطبية بأنها كل المواد المستخدمة للتشخيص أو للعناية بالمرض ىِداخل المرفق الصحي أو خارجه، وغالباً ما يتم استثناء الأطعمة والأوراق التي يستهلكها المرضى خلال فترات العناية بهم من المخلفات الطبية”.
وتصنف النفايات الطبية على النحو التالي:
أولاً:نفايات عادية:
وهي النفايات التي لا تشكل أي خطورة على صحة الإنسان، مثل الأوراق والزجاجات الفارغة المحتوية على مواد غير خطرة، وبعض المواد البلاستيكية والعلب الفارغة وبعض بقايا الأدوية العادية غير الخطرة وبقايا المطهرات مثلاً، وكلها نفايات عادية وغير سامة أو ضارة وهذه لا أثر سلبي منها على البيئة.
ثانياً: نفايات خطرة:
وهي بدورها تنقسم إلى النفايات الباثولوجية وهي خطرة جداً حيث تتضمن بقايا غرف العمليات الجراحية، وتشمل أعضاء بشرية مستأصلة تحوي المرض طبعاً وسوائل الجسم من أثر العمليات، والدم الناتج عن العمليات أيضاً والذي قد يحتوي على الكثير من الأمراض، ويشمل ذلك أيضاً بقايا المختبرات من سوائل التحليلات وبقايا العينات التي تستخدم في التحاليل بالإضافة إلى نتائج التفاعلات الكيميائية التي تلقى بعد معرفة نتائج التحاليل وكلها مخلفات غاية في الخطورة، ولايجب أن تعامل مثل هذه النفايات معاملة النفايات العادية بل يجب أن توضع في علب خاصة محكمة الغلق وتعامل معاملة خاصة للتخلص منها ولا يكون ذلك بإلقائها مع النفايات العادية حيث يشكل ذلك وسطاً جيداً لنمو الجراثيم أو يكون بمقام مزرعة خاصة لتكاثرها ومن ثم نشر الأمراض المختلفة إلى العالم الخارجي.
وتشمل النفايات الخطرة أيضا على النفايات الملوثة وهي تلك النفايات الناتجة عن مستلزمات الجراحة مثلا لضمادات الملوثة التي استهلكت ويجب التخلص منها، والملابس التابعة للمرضى والتي يتم ارتداؤها في غرف العمليات وقفازات الأطباء التي يستخدمونها في الجراحة ثم تلقى بعد ذلك والقطن الملوث والإبر البلاستيكية والحقن الشرجية وغيرها من النفايات الملوثة بحد ذاتها والتي قد تشكل مصدراً للعدوى في حالة تعرض الإنسان العادي إليها بشكل أو بآخر،وبهذا فهي مصدر لخطورة كبيرة إذا لم يتم التعامل معها بحرص شديد.
كما تشمل النفايات الخطرة أيضاً النفايات المشعة وهي تتضمن بقايا غرف الأشعة، والمختبرات المتخصصة، والمحاليل المشعة المستخدمة في التحاليل الطبية كاليود المشع وغيره، وهذه البقايا قد تكون مواد مشعة ذات نصف عمر قصير وقد تكون ذات نصف عمرطويل، وهي تكون ذات خطورة بالغة على صحة الإنسان وعلى البيئة المحيطة به.
غياب الاهتمام يفاقم المشكلة
الصيدلاني علي الأحمد من ريف إدلب عبّر للغربال عن أمله في قيام المنظمات الطبية والبلديات والمجالس المحلية بريف إدلب بإحداث وحدات لمعالجة النفايات الطبية على مستوى كلمنطقة من مناطق ريف ادلب بأسرع وقت وذلك من أجل تفادي أخطار التلوث الكيميائي الذي يشكله رمي النفايات الطبية في مكبات القمامة العادية، مؤكداً للغربال خطورة ذلك على نوعية الهواء والماء والتربة.
وينتقد كثيرون ظاهرة رمي النفايات الطبية من قبل العيادات والمشافي الميدانية التي تنتشر في ريف ادلب في أماكن رمي القمامة العادية، يقول “علي” وهو أحد المدنيين في مدينة سلقين بريف ادلب للغربال: “يومياً نشاهد بالعين المجردة عشرات العلب الطبية الفارغة ترمى من قبل المشافي الميدانية ومراكز التحاليل الطبية في أماكن رمي القمامة العادية، وصل الأمر أخيراً إلى انبعاث رائحة الأدوية الطبية من حاويات القمامة الموضوعة جانب تلك المشافي والمراكز في ريف ادلب كاملاً، ومع انتشار الأوبئة والأمراض فنحن نحمّل المسؤولية للمجالس المحلية والمنظمات الطبية التي تعمل بالداخل السوري والتي تنشط أكثرها بريف إدلب.
جهود قاصرة للحد من خطر النفايات الطبية
تحدث للغربال الطبيب “أبو محمد” وهو مدير أحد المشافي الميدانية في ريف إدلب، طالباً عدم ذكر اسمه الكامل، عن طرق الدفن الصحيحة للنفايات الصلبة وعن تقصير المنظمات الطبية في هذا المجال قائلاً: من المفروض أن تدفن النفايات الطبية الصلبة مع النفايات الأخرى بعد معالجتها بالتقنيات الحديثة مثل الأوتوكليف والميكرويف أو المحارق ذات الجودة العالية وبدرجة حرارة كبيرة تصل إلى 1200 درجة، وذلك من قبل أشخاص مدربين وعلى كفاءة عالية، وتعتبر الطريقة الأفضل لمعالجة النفايات الطبية والتخلص منها هي معالجتها عن طريق الأوتوكليف لأن الميكرويف يقوم بالتسخين فقط ولدرجة أقل من درجة حرارة التعقيم ذلك أن درجة حرارة التعقيم لا تقل عن 138 درجة مئوية ويمكن أن تتم معالجة النفايات الطبية عن طريق المحارق وهي غير متواجدة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار بالشمال السوري.
ويوضح “أبو محمد” أنه يوجد جهاز محرقة للنفايات الطبية اسمه Ecodas من إنتاج شركة فرنسية يعالج النفايات الطبية عن طريق الفرم والبخار تحت درجة حرارة 138 درجةوضغط 3,8 بار، وقد تم عرض مشروع اقتناء هذا الجهاز على أكثر من منظمة طبية تعمل في ريف ادلب لكنهم رفضوا تزويدنا به دون توضيح سبب الرفض مكتفين بتقديم حارق صغير لحرق “الإبر” فقط، أما النفايات الأخرى فنحن نتعامل معها بطرق غير آمنة عن طريق وضعها بأكياس القمامة ورميها في أحد المكبات الغير منظمة والغير مدروسة ويوجد مشافي ميدانية وعيادات طبية ترميها مع القمامة المنزلية ما يرفع احتمال انتشار أوبئة وأمراض نحن بغنى عنها.
وقد أوضح مسؤول المكتب الخدمي سابقاً في منظمة “ميديكال ريليف” الطبية “بدر غزال” للغربال: لقد نفذنا مشروع مكب مخدم للنفايات الطبية خاص في مدينة سلقين بالقرب من مشفى سلقين الميداني من أجل ردم وحرق النفايات الطبية الصلبة وعيرها من النفايات الطبية وقد نفذ المشروع منذ سنة ونصف تقريباً ويتألف المكب المخدم من ثلاثة أقسام.
القسم الأول هو عبارة عن حفرة مربعة من الإسمنت يوجد فيها حراق تحرق كل ما في داخلها وتحولها الى رماد وهي مخصصة للأطراف المبتورة أو الاشلاء الناتجة عن القصف أو عن الولادة “المشيمة”. أما القسم الثاني فهو حفرة مربعة تحوي على إسمنت مكثف وهي مخصصة للسوائل أي لدماء المرضى الزائدة وللسوائل التي تخرجها أجهزة غسيل الكلى، والقسم الثالث هو حفرة مستطيلة تحوي على الرمل والإسمنت مخصصة لدفن النفايات الصلبة أي الإبر والمشارط والشاش والقطن ويتم حرقها بين الحين والآخر.
وقد افاد أحد سكان مدينة سلقين رافضاً ذكر اسمه للغربال: منذ سنة تقريبا في فصل الشتاء حين هطلت الأمطار بشكل كبير انتشر وباء الحمى التيفية واليرقان “أبوصفار” بشكل غريب بمدينة سلقين وبالأخص بين الأطفال وشك السكان حينها أن تسرب مياه الأمطار لمكب النفايات الطبية هو ما تسبب بانتشار هذه الأمراض، لا يوجد أي تفسير آخر لانتشار هذه الأمراض سوى هذا المكب الذي كان من المفترض أن يكون محمياً من تسرب مياه الامطار الغزيرة إليه لتصطحب معها المواد العضوية لتتحلل في التربة، لكن مع ذلكهذه مجرد شكوك ولا يوجد شيء مؤكد إلى الأن ونحن في مدينة سلقين نطالب أي جهة مختصة من منظمات طبية وغيرها بأخذ عينات في التربة وفحصها, فلدينا خوف كبير من تكرار الأمر في الشتاء القادم.
ويذكر أن أعضاء المكتب الطبي في المجلس المحلي بمدينة سلقين طلبوا بعد إنشاء المكب المخدم من أصحاب العيادات الصحية ومراكز التحليل رمي النفايات الطبية والصلبة ضمن هذا المكب، لكن أحداً منهم لم يلتزم برمي النفايات الطبية ضمن المكب باستثناء المشفى الميداني والمستوصف الطبي في مدينة سلقين.
التعليقات متوقفه