“الخبز الأسود” غذاء السوريين الجديد – محمد عثمان

بدأ ظهور “الخبز الأسود” في سوريا، خصوصاً في حلب واللاذقية، منذ نحو شهر مع ازدياد عدد المواطنين المنتظرين في الطوابير أمام الأفران للحصول على ربطات الخبز التي يحتاجونها بسبب انخفاض في كميات الإنتاج الذي نتج بحسب مصادر مقربة من مؤسسات النظام السوري بسبب عدم توفر الخميرة الطرية التي تدخل كمكون أساسي في صناعة رغيف الخبز، واعتقد السوريون وقتها أن الأمر مجرد أزمة طارئة يمكن أن تحلّ جزئياً فيما، بعد حالها كحال المواد الأساسية الأخرى التي مرت عليها ظروف مشابهة كالمازوت والبنزين والغاز، لكن آمالهم تلاشت تدريجياً مع استمرار الأفران الحكومية بتقديم الخبز الأسود للمواطنين.

مواصفات رديئة لرغيف الخبز الأسود

هشاشة الرغيف واسمرار لونه إضافة إلى تجفافه وعدم القدرة على الاحتفاظ به لأكثر من يوم واحد تعتبر من المواصفات الأساسية للرغيف الجديد الذي لا يجد فيه السوريون أية ميزة إيجابية حيث يؤكد “مازن” وهو أحد سكان مدينة اللاذقية أن الطعم الحامض يظهر بسرعة في الرغيف في حال لم يتم استهلاكه قبل نهاية اليوم الذي تم شراؤه به كما أن لفه كصندويش للأولاد لتناوله في المدرسة بات مستحيلاً على الأمهات نظراً لتكسره وعدم قدرة الأطفال على استساغة طعمه.

“توجهنا لشراء الخبز السياحي رغم ارتفاع سعره” يقول “مؤيد” وهو رب أسرة من مدينة اللاذقية، ثم يبيّن أنه يدفع يومياً 125 ليرة سورية لشراء كيلو من الخبز السياحي خصصها لتزويد الأولاد بطعام المدرسة لافتاً إلى أن الأمر بات يحتاج ميزانية مستقلة تزيد من عبء المصاريف اليومية الملقاة على عاتقه.

مصادر في مديريات تابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أكدت أن عدداً كبيراً من دول العالم تنتج هذا النوع من الخبز الشعبي كما يسمى، ولعل مصر أبرز الدول العربية المصنعة له لكن ظروف تصنيعه الصعبة في سوريا بعد خمس سنوات من الأزمة على حد قولهم تعود للحصار وتراجع إنتاج القمح وفقدان النظام السوري للسيطرة على معظم صوامع القمح في البلاد إضافة إلى الحصار الاقتصادي وغيرها من الحجج التي بات المؤيدون للنظام السوري أنفسهم يسخرون منها خاصة بعد محاولة حكومة النظام الترويج لفوائد الخبز الأسمر والنخالة الموجودة فيه للحفاظ على صحة الإنسان مع عدم اعترافهم الصريح بذهاب الرغيف الذي اعتاد عليه السوريون إلى غير رجعة.

انخفاض الاستهلاك الأثر الأبرز

مصادر متعددة في مؤسسات النظام السوري أشارت إلى انخفاض استهلاك كميات الخبز المنتج في الأفران الحكومية بشكل يومي وأعادت الأمر إلى عدم قدرة المستهلكين على التأقلم مع مواصفات الخبز الجديدة لكن ملهم الأحمد الناشط المعارض في اللاذقية أشار إلى تململ الناس من نوعية الخبز المنتج ومحاولتهم إيجاد بدائل معقولة كالاعتماد على خبز “الصمّون” أو الخبز السياحي الأبيض المنتج في أفران خاصة منوهاً إلى أن هذه البدائل غير كافية إطلاقاً نظراً لارتفاع أسعارها وعدم قدرتها على سد حاجات الأسرة اليومية لاسيما كبيرة العدد.

“ثمانية أرغفة بسعر خمسين ليرة لن تكفي أسرة مكونة من خمسة أشخاص يحتاج كل منهم ثلاثة أرغفة كحد أدنى” يقول ملهم مضيفاً: إن سعر الربطة الواحدة قد ارتفع تدريجياً ليصل إلى 50 ليرة سورية مقابل انخفاض الجودة ناهيك عن العناء الطويل الذي يتكبده كل فرد لشراء ربطة خبز واحدة أو اثنتين بعد انتظار طويل.

ويتابع قائلاً: اعتادت العديد من الأسر شراء كميات كبيرة من الخبز تكفيهم عدة أيام لكن بعد التطورات التي طرأت على الخبز وتوجه الناس لشراء الخبز السياحي اضطرت الأفران الخاصة لرفع سعره مما جعل الناس تعود على مضض إلى الأفران الحكومية التي تعاني العديد من المشاكل لاسيما المعاملة السيئة مع الناس ودفعهم لشراء خبزهم من بسطات غير نظامية موجودة بجانب الأفران عائدة لأشخاص متفقين مع عمال الفرن أنفسهم لتقاسم أرباح مبيع ربطات الفرن بأسعار أعلى مما هو متعارف عليه ناهيك عن أن السعر المباع بالأفران مختلف عن السعر النظامي المقرر بحدود 35 ليرة للربطة الواحدة والتي لم تلتزم بها الأفران وحددتها بخمسين ليرة.

حجج ومبررات

حجة مؤسسات النظام الأولى كانت نفاذ الخميرة الطرية المصنعة محلياً وعدم القدرة على استبدال مقر معملها الكائن في حمص بمكان آخر أكثر أمانا، فلجأ النظام لاستيراد هذه المادة إما من الصين أو إيران والتي جاءت بقوام جاف ساهم بشكل كبير بتراجع جودة الرغيف.

أما الحجة الثانية فتعود إلى ارتفاع نسبة الاستخراج في الدقيق من 80% إلى 95% لتشمل بذلك قشور القمح التي باتت تظهر بشكل واضح عند فتح الرغيف مما أثر على لونه إضافة لارتباط عجن هذا الدقيق بازدياد الحاجة إلى الخميرة ليخرج الرغيف بشكل مقبول نسبياً، لكن عدم توفر الخميرة الطرية واستبدالها بالجافة صعب هذه المهمة لتصبح أقرب إلى المستحيل وليصل رغيف الخبز الذي تقدمه الأفران الحكومية في مناطق سيطرة النظام السوري في مدينتي اللاذقية وحلب إلى درجة من الرداءة لم يصل إليها سابقاً.

توفير نفقات

تقول الأخبار المتداولة في أروقة الجهات المسؤولة عن هذا القرار: إن العملية وفرت على النظام 15 بالمئة من كلفة إنتاج الخبز الذي بقي حتى الآن مدعوماً من قبلهم ولم يشمله رفع الدعم الذي لحق بالمازوت مؤخراً، فبعد خروج عدد من صوامع الحبوب عن التخزين ووجود عدد هائل من النازحين في أماكن سيطرته بات الطلب على الطحين مضاعفاً بشكل كبير مما استدعى من النظام استيراد حمولات كبيرة من الحبوب مخصصة للاذقية وحدها، خُزِّنت في صوامع جبلة وصوامع قب العوامية وفي صوامع مطاحن اللاذقية الثلاث والتي تستوعب ما يزيد عن 400 ألف طن من الحبوب معللاً الأمر بدعم المخزون الاستراتيجي الذي يكفي لعام ونصف العام لكن إشاعات كثيرة روجت عن نفاد هذا المخزون الذي يتغنى به النظام بسبب خروج عدد كبير من الصوامع التي تتبع للمؤسسة العامة للحبوب في مختلف المحافظات عن السيطرة وعدم قدرته على تغطيه موضوع الدعم للرغيف والذي بدأت بوادره بالتراجع المفاجئ في ميزاته.

ورغم إطلاق العمل في مطحنة جبلة عام 2012 لتوفير الأموال على النظام لقاء طحن الحبوب لدى المطاحن الخاصة؛ إلا أن سير العمل فيها يعاني العديد من المشكلات كتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة للعمل في ظل الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وعدم وجود مخصصات من المحروقات تكفي لتشغيل الآلات، إضافة للتوقف عن سد احتياجات المحافظات الأخرى التي خرجت مطاحنها عن العمل بعد أن كانت مطحنة جبلة تورد لها حوالي 200 طن يومياً من إنتاجها الفائض إلا أن هذا التوريد توقف نظراً لصعوبة النقل وتأمين الحمولات على الطرقات وتعرض العديد منها للسرقة والنهب.

هموم إضافية على المواطنين

لا يمكن القول إن هذه المؤشرات تعتبر بداية النهاية للنظام بقدر ماهي بداية النهاية للسوريين أنفسهم الذين يعتمد معظمهم في قوته اليومي على الخبز كعنصر رئيسي للطعام، فالعائلات المتواضعة تكثر من تناوله للإحساس بالشبع، كما أن سعره كان مقبولاً لعدد كبير منهم حتى مرحلة قريبة لكن النظام يرفض حتى الآن تقييم تجربة الرغيف الجديد بحجة حداثة الأمر والتأنّي في الوقوف على رد فعل المواطنين بشكل واضح وموضوعي، لذلك تجده منتظراً نجاح التجربة أو فشلها لتفعيل بدائل أخرى يعلم السوريون بشكل جيد أنها غير موجودة.

التعليقات متوقفه