الواقع الصحي المتردي في الشمال السوري

الواقع الصحي في مناطق سيطرة الثوار في مدينة حلب – حسن الياسين

 تدهورت الخدمات الصحية في مناطق سيطرة الثوار في مدينة حلب بشكل غير مسبوق في العام الماضي، حيث أغلق عدد كبير من المراكز الطبية والعيادات والصيدليات في الأحياء التي يسيطر عليها الثوار شمال وشرق وجنوب حلب مع موجات النزوح المتتالية التي شهدتها هذه المناطق إثر القصف المستمر بالبراميل المتفجرة لها.

المشافي التي تعمل في مناطق سيطرة الثوار في مدينة حلب باتت معدودة على أصابع اليدين وهي في معظمها خالية من غرف العناية المشددة، وتحوي غرف عمليات غير مجهزة بشكل كافٍ وتعرض بعضها للقصف أكثر من مرة، كحال مشفى الهلال الأحمر في حي الصاخور والذي تم قصفه ثلاث مرات بالبراميل المتفجرة.

تعمل المشافي المتبقية في مناطق سيطرة المعارضة بحلب بطاقتها القصوى وبكوادر غير كاملة ويشكل المتطوعون غير المختصين والمؤهلين علمياً نسبة كبيرة منها، حيث تقوم مشافي عمر بن عبد العزيز والزرزور والهلال الأحمر والوراق وغيرها باستقبال جرحى ومصابي حملات القصف على أحياء المدينة لتقوم بإجراء عمليات جراحية مستعجلة لهم قبل إرسال أصحاب الإصابات البليغة بسيارات إسعاف إلى الأراضي التركية.

كما تقوم هذه المشافي باستقبال المرضى وحالات الإسعاف اليومية دون أن تتمكن من تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، بحكم نقص الكوادر وضعف تأهيلها وبسبب النقص الكبير في التجهيزات.

العيادات الطبية الخاصة ومخابر التحليل ومراكز التصوير الشعاعي باتت غائبة بشكل شبه كامل عن العمل في مناطق سيطرة الثوار في مدينة حلب، حيث تعرض معظمها للدمار بسبب القصف المستمر لأحياء المدينة بالبراميل المتفجرة منذ شهر تشرين الثاني في العام قبل الماضي إلى اليوم، أما المراكز التي سلمت من القصف فقد تعرضت لعمليات نهب أو أن كوادرها نزحت عن المدينة لتتوقف عن العمل بسبب ذلك.

نزوح نسبة كبيرة من سكان مناطق سيطرة الثوار في حلب سبب أزمة كبيرة لمن بقوا في المدينة في الحصول على الدواء، حيث أغلقت أغلب الصيدليات ومستودعات الأدوية أبوابها، ليساهم ذلك مع أزمة فقد أنواع كثيرة من الأدوية في تعميق معاناة السكان وخصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة الذين باتوا يعانون بشكل كبير للحصول على علب الدواء التي يتناولونها بشكل دائم.

 

الواقع الصحي في مناطق سيطرة النظام في حلب – علاء الحسيني

مع دخول قوات الثوار إلى مدينة حلب هاجرت نسبة كبيرة من الكوادر الطبية في الأحياء التي سيطرت عليها قوات الثوار إلى مناطق سيطرة قوات النظام، الأمر الذي جعل كثافة الكوادر الطبية في مناطق سيطرة النظام عالية جداً في عام 2013، قبل أن تبدأ هذه الكوادر بالهجرة نحو الخليج العربي وأوربا لتبدأ نسبة الأطباء المختصين، وخصوصاً أصحاب الاختصاصات النادرة بالانخفاض تدريجياً حتى باتت بعض الاختصاصات شبه مفقودة كاختصاص الجراحة العصبية واختصاصات أطباء الدم والأورام.

في الوقت نفسه أصبحت مناطق سيطرة النظام السوري في حلب قبلة لكل المرضى في الشمال السوري، حيث ازداد عدد المرضى الذين يأتون من مناطق سيطرة الثوار في حلب وريفها وريف إدلب وحتى الرقة ودير الزور إلى مناطق سيطرة النظام في حلب، ما سبب ضغطا كبيراً على المشافي والعيادات الطبية والمخابر والعيادات الشعاعية في مناطق سيطرة النظام في حلب.

الضغط الكبير على المراكز الطبية والمشافي في مناطق سيطرة النظام في حلب مع ضعف الرقابة أو انعدامها على هذه المراكز والمشافي زاد بشكل كبير من حالة التسيب وانعدام المسؤولية فيها، حيث ازدادت حالات الإهمال والأخطاء الطبية القاتلة أثناء العمليات الجراحية وأثناء العلاج بالجرعات الكيماوية لمرضى الأورام، مما سبب حالات وفاة لمرضى نتيجة أخطاء طبية لم يتعرض مرتكبوها لأية محاسبة.

الضغط على المشافي العامة بشكل خاص منعها من تقديم خدمات سريعة للمرضى حيث بات حجز غرفة العمليات لإجراء عمل جراحي في مستشفى حلب الجامعي يتطلب حجزاً مسبقا قبل ثلاثة أشهر، أما التصوير الشعاعي في المستشفى نفسه فبات يتطلب حجزاً مسبقاً قبل شهرين!

أدى ذلك أيضاً إلى تفشي الفساد والمحسوبيات حيث بات المرضى المقربون من عناصر الأجهزة الأمنية وضباطها والمتنفذين في مؤسسات النظام يتجاوزون الدور ويتم حجز غرف العمليات لهم بشكل سريع بغض النظر عن مئات المرضى المنتظرين.

كثافة الإصابات العسكرية للعسكريين الذين قاتلوا مع قوات النظام تسبب أيضاً في تردي وضع الخدمات الطبية في المشافي العامة، حيث يُقَدّم العسكريون في العلاج على المدنيين ويُفَضّلون في كل أقسام المشافي على المدنيين حتى في أقسام العلاج الفيزيائي.

تعاني المشافي والمراكز الطبية في مناطق سيطرة النظام السوري وخصوصاً العامة منها من أزمة الكهرباء بشكل كبير خصوصاً مع عدم توفر المحروقات اللازمة لتشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بهذه المراكز الطبية وارتفاع أسعارها بشكل كبير في حال توفر كميات قليلة منها، الأمر الذي انعكس سلباً على جودة الخدمات الطبية وأدى لارتفاع أسعارها بشكل كبير في القطاع الخاص.

 

 

الواقع الصحي في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية – مضر محمد

 

تدهورت الخدمات الصحية في ريف حلب الشرقي منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة في شهر شباط العام الماضي حين اضطر عدد كبير من الأطباء والممرضين العاملين في مشافي مدينة الباب ومدينة منبج ومدينة دير حافر إلى مغادرة هذه المناطق والتوجه إلى مناطق سيطرة الثوار أو إلى الأراضي التركية، وذلك بسبب تعاونهم سابقاً مع كتائب الثوار في هذه المناطق وتقديمهم للخدمات الطبية لمنتسبيها.

رغم ذلك ما تزال المشافي العاملة في مدينتي الباب ومنبج تقدم خدماتها للسكان، حيث تقوم كوادر من الأطباء والممرضين والفنيين من أبناء المدينتين بالعمل بشكل متواصل في مشافي المدينتين لتغطية النقص الحاد في الخدمات الطبية في المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.

في مدينة الباب تعمل سبع مشافٍ كبيرة بالإضافة إلى مشفيين ميدانيين على تقديم خدمات الجراحة والمراقبة والإسعاف والعلاج الفيزيائي، في مقابل نحو ثلاثة عشر مشفى في مدينة منبج التي توجد فيها تجهيزات طبية ربما لا توجد في غيرها من مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام كجهاز التصوير بالرنين المغناطيسيMRI  وأجهزة التصوير الطبقي المحوري وأجهزة التنظير القلبية وغيرها.

هذا التفوق في التجهيزات الطبية في مدينة منبج جعلها قبلة للمحتاجين للحصول على العلاج باستخدام أجهزة التشخيص المتطورة حيث يتوجه يومياً العشرات من سكان مناطق الشمال السوري ومناطق ريف حلب الشرقي وأرياف الرقة إلى المراكز الطبية في منبج للحصول على خدمات مراكز التصوير والتحليل المتقدمة نسبياً في المدينة.

أما على صعيد العيادات الطبية الخاصة في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في ريف حلب الشرقي، فما زالت هذه المناطق تشهد تواجداً كبيراً لهذه العيادات، حيث يوجد عشرات الأطباء من أصحاب الاختصاصات الداخلية والنسائية والعظمية والأطفال والسنيّة في مدينة الباب ومدن منبج ودير حافر خصوصاً، وتعمل هذه العيادات بشكل منتظم مقدمة خدمات طبية كبيرة للسكان.

الصيدليات متواجدة بكثرة في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في ريف حلب الشرقي، رغم ذلك هناك عدد كبير من أدوية الأمراض المزمنة المفقودة في السوق، خصوصاً القلبية والعصبية، والتي يعود فقدها إلى توقف المعامل التي تنتجها أو صعوبة نقلها من ريف دمشق أو ريف حمص باتجاه مناطق سيطرة تنظيم الدولة في ريف حلب الشرقي.

التعليقات متوقفه