نظام الإدارة المدنية في داريا واستقلال المؤسسة الأمنية – رامي سويد
ما تزال مدينة داريا، أكبر مدن غوطة دمشق الغربية؛ تواصل صمودها بالرغم من الحصار الخانق الذي تفرضه قوات النظام عليها منذ ما يزيد عن العامين، ورغم الموقع الإسترتيجي الهام الذي تتمتع به المدينة والذي يضعها على بعد أقلّ من سبعة كيلومترات عن القصر الجمهوري، وكليومترين فقط عن مبنى رئاسة مجلس الوزراء، الواقع في حي كفرسوسة، جنوب غرب دمشق، وبشكل ملاصق لمطار المزّة العسكري، أحد أهم مطارات النظام السوري العسكريّة؛ فإن قوات النظام السوري لم تتمكن من القضاء على الثورة في المدينة.
وقد ساهم نظام الإدارة المدنية المطبق في المدينة، والتعاون الكامل من ألوية الجيش الحر في تطبيق هذا النظام، في زيادة فرص المدينة للصمود أمام الهجمات المستمرة والقصف العنيف الذي تشنه قوات النظام عليها، كما ساهم استقلال المؤسسات الأمنية والقضائية في المدينة عن ألوية الجيش الحر، في ترسيخ الأمن ومنع التجاوزات التي ظهرت في المدينة منذ أشهر قبل أن تتمكن أجهزة الأمن والقضاء في المدينة من القضاء عليها بشكل كامل.
تفتح الغربال في هذا العدد ملف الإدارة المدنية في داريا، للبحث في كيفية تكوينها وآليات عملها، وتتطرق إلى كيفية تشكيل المؤسستين الأمنية والقضائية في المدينة وكيفية تنظيم علاقتها بمختلف القوى المدنية والعسكرية الموجودة في المدينة.
المجلس المحلي في مدينة داريا
تم تشكيل المجلس المحلي في مدينة داريا بتاريخ 17\10\2012 بهدف تطوير العمل الثوري في مدينة داريا تحت مظلة واحدة يكون فيها العمل العسكري الثوري جزءاً من الهيكلية التنظيمية للإدارة المحلية لمدينة داريا التي تمكنت قوات الثوار من تحريرها حينها، بحيث تكون الهياكل العسكري التابعة للثورة جزءاً من المجلس المحلي الذي يمثل الإدارة المدنية لمدينة داريا، دون أن تكون هذه الهياكل العسكرية متسلطة بحكم قوتها على باقي المؤسسات الثورية.
يتكوّن المجلس المحلي في داريا من عشر مكاتب هي، مكتب العلاقات العامة ومكتب الخدمات ومكتب لجان الأحياء والمكتب المالي والمكتب الطبي والمكتب الإعلامي والمكتب الإغاثي والمكتب القانوني الشرعي ومكتب الحراك السلمي والمكتب العسكري.
ويتألف المجلس المحلي في داريا من ثلاث مستويات هي المكتب التنفيذي والهيئة التشريعية والهيئة العامة:
- المكتب التنفيذي: يضم الفريق الرئاسي في المجلس “رئيس المجلس المحلي، نائبه، أمين السر” ويضم أيضاً رؤساء سبعة من المكاتب التابعة للمجلس المحلي، وهي المكاتب الفاعلة والأكثر أهمية، بالإضافة لثلاثة أعضاء من المكتب العسكري، ليتكون المكتب التنفيذي من ثلاثة عشر عضواً.
يتم انتخاب رئيس المجلس المحلي ونائبه من أهالي المدينة عن طريق التصويت المباشر، ويترأس المجلس المحلي حالياً أحد وجهاء المدينة وهو معروف باسم أبو عماد خولاني. وجميع إعضاء المكتب التنفيذي موجودون في داريا ويقومون بمهامهم فيها.
- الهيئة التشريعية في المجلس المحلي بداريا: تقوم الهيئة التشريعية بدور رقابي ويحق لها حجب الثقة عن الرئيس وعن نائبه وعن أعضاء المكتب التنفيذي وذلك بتصويت أغلبية أعضاء الهيئة المطلقة كما تملك الصلاحيات التشريعية في المجلس المحلي بحيث تضع النظم واللوائح التي تنظم عمله، وهي تتألف من ممثلين عن لواء شهداء الإسلام، أكبر ألوية الجيش السوري الحر بداريا، وله ثلث مقاعد أعضاء الهيئة التشريعية بواقع ثلاثة أعضاء، وثلاثة أعضاء من المكاتب الأخرى في المجلس المحلي، وثلاثة أعضاء من أهالي مدينة داريا غير المنتمين لمكاتب المجلس المحلي، ويتغير عدد أعضاء الهيئة التشريعية من دورة انتخابية إلى أخرى.
- الهيئة العامة: تضم جميع العاملين في المجلس المحلي بداريا في جميع مكاتب المجلس، وعدد أعضائها يزيد عن مئتين وخمسين عضواً ويختلف من دورة انتخابية لأخرى، ومهمة الهيئة العامة انتخاب مدراء المكاتب التابعة للمجلس المحلي في داريا ومراقبة عمل المكاتب وعمل الهيئة الرئاسية.
عمل مكاتب المجلس المحلي
يحصل المجلس المحلي في داريا على تمويل مباشر لمشاريع خدمية وإنمائية يقوم بها عن طريق مكاتبه في مدينة داريا من منظمات غير حكومية دولية مهتمة بتمويل نشاطات الإغاثة والتنمية، حيث يتم تجهيز مشاريع من قبل مكاتب المجلس المحلي بشكل كامل لتقدم إلى الجهات المانحة التي تقدم بدورها التمويل اللازم لتنفيذ المشروع.
في هذا السياق قامت مكاتب الخدمات ولجان الأحياء والعلاقات العامة والمكتب الإغاثي التابعة للمجلس المحلي العام الماضي بصياغة مشروع لاستصلاح أراضٍ في مدينة داريا بهدف جعلها قابلة للزراعة، وحصل المشروع على تمويل من إحدى المنظمات الأوربية المهتمة بالتنمية الزراعية، وتم تطبيق المشروع من قبل المجلس المحلي في مدينة داريا، حيث تمت زراعة القمح والسبانخ، ما أدى لوجود بديل غذائي في المدينة المحاصرة، وتشغيل يد عاملة في المدينة، وأدرّ المشروع واردات مالية للمجلس المحلي تم توزيعها على عائلات الشهداء والمعتقلين.
أما مكتب الخدمات في المجلس المحلي فهو مسؤول عن الإشراف على تقديم الخدمات العامة لسكان مدينة داريا حيث يقوم المكتب بفتح الطرقات التي تُغلق بسبب قصف قوات النظام لمباني المدينة بالبراميل المتفجرة، كما يقوم عمال المكتب بصيانة شبكة الصرف الصحي في المدينة وغيرها من أعمال الخدمات العامة.
والمكتب الإغاثي في المجلس المحلي بداريا يقوم بمهام إغاثية ويتبع له مطبخ خيري يقوم بتوزيع الوجبات على الفقراء في المدينة بشكل يومي، كما يقوم المكتب بتقديم السلل الغذائية والصحية لسكان المدينة.
ويقوم المكتب الإغاثي التابع للمجلس المحلي عن طريق لجان خاصة بشكل سري بدعم العائلات النازحة من مدينة داريا وعائلات المعتقلين والشهداء والمصابين وعائلاتهم والمتواجدين في مناطق سيطرة النظام السوري في دمشق وريفها.
نشاطات المجلس المحلي وتمثيله في الخارج:
يفوّض المجلس المحلي في داريا أشخاصاً لتمثيله خارج سوريا، ويكون ذلك عن طريق مكتب العلاقات العامة في المجلس المحلي والذي يقوم بمنح سند تفويض خطي لممثل المجلس المحلي في الخارج ليقوم بمهام محددة بسند التفويض.
ومن نشاطات المجلس المحلي خارج سوريا تأسيس لجنة التنسيق الخاصة برعاية الجرحى في لبنان، وهي لجنة تقوم بالتنسيق بهدف متابعة علاج جرحى داريا في المشافي اللبنانية، وتأسيس رابطة أهالي داريا في مصر لتقوم بمهام إغاثية لعائلات داريا المتواجدة هناك، كذلك الأمر بالنسبة لرابطة أهالي داريا في الأردن، وهناك ممثلون للمجلس المحلي في كل من ألمانيا وقطر وتركيا وغيرها.
الهيئة الرئاسية في داريا:
هي هيئة منتخبة من قبل ألوية الجيش الحر وأعضاء المجلس المحلي تضم ممثلين عن المجلس المحلي وعن ألوية الجيش الحر الثلاثة المتواجدة في مدينة داريا، بحيث تتكون الهيئة من ممثلين اثنين عن لواء شهداء الإسلام وممثل واحد عن كل من لواء المقداد بن عمرو ولواء سعد بن أبي وقّاص والمجلس المحلي، وتم انتخابها في شهر آذار العام الماضي وتشكّل تبعاً لانتخابها مركز الأمن العام في مدينة داريا.
وقد شُكلت الهيئة الرئاسية بهدف الإشراف على عمل جميع المؤسسات المدنية والعسكرية الموجودة في مدينة داريا والتنسيق بينها بما يضمن حل أي إشكال ينشأ بينها.
مركز الأمن العام في داريا:
بعد تشكيل الهيئة الرئاسية في داريا تم تشكيل مركز الأمن العام ليكون مستقلاً عن ألوية الجيش الحر الموجودة في المدينة وتابعاً بشكل مباشر للهيئة الرئاسية، ليحل هذا المركز مكان مخفر شرطة داريا الذي تم حله في وقت سابق بسبب عدم وجود تغطية له من الفصائل العسكرية الأمر الذي أدى إلى عدم قدرته على القيام بمهامه.
ومركز الأمن العام مسؤول عن متابعة جميع المخالفات التي يرتكبها المدنيون والعسكريون الموجودون في داريا وملاحقتهم، ويتكون مركز الأمن العام من أقسام؛ هي قسم التحقيق وقسم السجن وقسم القضاء وقسم الدوريات وقسم الشؤون المدنية وقسم الشؤون العسكرية بالإضافة للديوان وقسم السجل المدني.
وتُعتبر قوات الجيش الحر في المدينة جميعها بمثابة قوات تنفيذية لمركز الأمن، ذلك أنها تتبع جميعاً للهيئة الرئاسية التي تنسق بينها، وتقتصر كوادر المركز الخاصة على الموظفين المدنيين الذين يبلغ عددهم نحو خمسة وسبعين موظفاً يديرون الأقسام التابعة لمركز الأمن ويسيرون عملها.
ومن أهم العمليات الأمنية التي قام بها مركز الأمن في داريا؛ عملية اعتقال خمسين شاباً قاموا بعمليات سرقة ومخالفات أخرى في المدينة كان منها اعتقالهم لأعضاء المجلس المحلي قبل أن تتدخل ألوية الجيش الحر وتجبرهم على إطلاق سراحهم، ليقوموا بعد ذلك بإعلان أنهم شكلوا لواء باسم لواء “الأحرار”، ليتهربوا من المحاسبة، رافضين جميع الأطر التنظيمية والهياكل الموجودة في داريا.
بعد تشكيل مركز الأمن قام ممثلوه بتبليغ أعضاء لواء “الأحرار” بمراجعة المركز للرد على شكاوى مقدمة ضدهم وتسليم المتهمين، فكان الرد منهم بالاعتداء على أحد حواجز قوات الجيش الحر في المدينة ونصب حواجز فيها.
تفاقمت تجاوزات لواء “الأحرار” في المدينة ولم تتمكن إدارة مركز الأمن العام من التصدي لها، الأمر الذي دفعها إلى تقديم استقالتها احتجاجاً على عدم تأمين ألوية الجيش الحر الكبرى في المدينة التغطية اللازمة لعمل مركز الأمن العام.
تعهدت بعد ذلك ألوية الجيش الحر في وثيقة خطية “بالالتزام بقرارات مركز الأمن والانصياع له في دائرة اختصاصه وعدم التدخل في سياساته” وتشكلت إدارة جديدة لمركز الأمن.
حصلت بعد ذلك تجاوزات أمنية واعتداءات على حواجز الجيش الحر في المدينة من قبل لواء “الأحرار”، ثم تم ضبط سارق منهم بالجرم المشهود فقام عناصر لواء “الأحرار” بالدفاع عن السارق واعتقال مسؤول الدورية التابعة لمركز الأمن والعناصر التابعين له الذين ألقوا القبض عليه.
قام عناصر لواء الأحرار بعد ذلك بالاعتداء على “المشفى الميداني” في مدينة داريا حيث داهمت مجموعة منهم المشفى وقامت بإطلاق النار فيه، الأمر الذي دفع العاملين في المشفى إلى الإضراب عن العمل لحين محاسبة المعتدين.
نتيجة هذه الانتهاكات المتكررة من عناصر “الأحرار” للأمن في داريا، قرر مركز الأمن في المدينة اعتقال جميع عناصر “الأحرار” المتهمين بارتكاب مخالفات وجرائم، وجرت بعدها عملية أمنية موسعة في مدينة داريا تم من خلالها إلقاء القبض على جميع المطلوبين من “الأحرار”، ليتم التحقيق معهم من قبل مركز الأمن العام، قبل أن يقوم قسم القضاء في مركز الأمن العام بإصدار أحكام ضد من تمت إدانتهم من المعتقلين بالتعاون مع خبراء من أعضاء المكتب القضائي الشرعي في المجلس المحلي في مدينة داريا.
لجنة المفاوضات:
وهي لجنة مستقلة عن كل التشكيلات العسكرية والمدنية في مدينة داريا تم انتخاب أعضائها الثلاثة من قبل مجلس تشاوري مُثّل فيه سكان مدينة داريا من العسكريين والمدنيين وأعضاء المجلس المحلي، وقامت هذه اللجنة بمهمة مفاوضة قوات النظام السوري على توقيع هدنة في المدنية دون أن تفضي هذه المفاوضات إلى نتيجة.
التعليقات متوقفه