لاجئات المخيمات الحدودية بين الابتزاز والحرمان من الطعام – رامي سويد

اضطرت الاشتباكات المستمرة منذ ما يناهز السنتين والنصف بين قوات النظام والثوار في مناطق ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي السكان إلى النزوح من مدنهم وقراهم، كانت وجهة السكان في هذه المناطق في الغالب باتجاه الحدود السورية التركية، لكن دخول الأراضي التركية لم يكن سهلاً على معظم العائلات الهاربة من جحيم الحرب، حيث بدأت الحدود السورية التركية من الجانب السوري تشهد تزايداً مستمراً في أعداد العائلات التي تنتظر فرصة الدخول إلى تركيا.

الأمر الذي أدى مع نهاية عام 2011 إلى افتتاح أول مخيمات اللاجئين في الداخل السوري في منطقة أطمة في ريف إدلب، مع مرور الوقت تزايدت أعداد اللاجئين وافتتح المزيد من المخيمات في المناطق القريبة من الحدود التركية في ريف إدلب ليصل عددها الآن إلى ما يقارب الثلاثين مخيماً.

تدير هذه المخيمات جمعيات خيرية أهلية سورية وسعودية وإمارتية وكويتية تقوم بتقديم الاحتياجات الأساسية للاجئين من مأكل وملبس بالإضافة لإيصال المياه وتوفير الصرف الصحي وما أمكن من الكهرباء.

خلال السنتين الماضيتين تفاوتت الخدمات المقدمة للاجئين في هذه المخيمات من مخيم لآخر بحسب الإمكانيات المتوفرة لدى الجهة الأساسية المشرفة على المخيم من جهة وبحسب أعداد اللاجئين الذين يستوعبهم المخيم من جهة ثانية، حيث عانى معظم اللاجئين من طوفان خيمهم شتاء بسبب الأمطار ومن صعوبات في الحصول على الرعاية الطبية والنفسية ونقص في الكوادر التعليمية المسؤولة عن تعليم الأطفال في المخيمات، إلى أن تحسن الوضع في الشهور الأخيرة التي تم فيها استبدال نسبة جيدة من الخيم بغرف مسبقة الصنع أو غرف مبنية بتكلفة بسيطة باستخدام الطوب والأسقف الإسمنتية.

خُصص بعض مخيمات اللاجئين في محافظة إدلب لاستقبال الأرامل وزوجات الشهداء، في الغالب أشرفت على هذه المخيمات جمعيات خيرية من المملكة العربية السعودية أكبرها واشهرها “وقف طيبة السعودي” الذي يشرف على ثلاثة مخيمات في ريف إدلب قرب الحدود التركية اثنان منها في منطقة أطمة “مخصصان للعائلات” والثالث قرب بلدة سرمدا على طريق كفر دريان “مقسوم لقسمين، قسم خاص بالعائلات وقسم خاص بالأرامل وزوجات الشهداء”.

قام المشرفون على هذه المخيمات الممولة من قبل الجمعيات الخليجية عموما والسعودية خصوصاً بوضع برامج للدروس الشرعية التي أجبروا الأطفال والنساء على حضورها تحت طائلة الحرمان من الحصص الإغاثية في حال عدم الحضور.

IMG_1987

يقوم على إعطاء الدروس الشرعية في مخيمات اللاجئين شيوخ سوريون وسعوديون يقومون بتعليم الأطفال والنساء قواعد عامة في التجويد والحديث والفقه، ويقومون أيضاً بعقد حلقات تعليمية لمجموعات من النساء يتراوح عدد أفرادها بين ثلاثين إلى خمسين امرأة يقومون فيها بحض النساء الأرامل وزوجات الشهداء على تزويج بناتهن بوقت مبكر جداً من خلال الحديث عن ضرورة الستر على البنت في وقت مبكر مستشهدين على وجه الدوام بزواج الرسول الكريم عندما كان في سن الأربعين بعائشة ذات التسع سنوات!

بالإضافة إلى ذلك يقوم الشيوخ المسؤولون عن إعطاء الدروس الشرعية بتعليم النساء وبناتهن أصول الحجاب الشرعي الذي يتمثل من وجهة نظرهم بضرورة تغطية المرأة على وجهها وعدم ظهور أي شيء من جسدها لرجل من غير محارمها من الأقارب الذكور.

في حالة غياب الأرمل أو زوجة الشهيد عن حضور الدروس الشرعية يتم تنبيهها من قبل الشيخ المسؤول عن الدرس لمرة ومرتين قبل أن يتم نبذها من جماعة اللاجئات بعد تنويه الشيخ بضرورة ذلك نظراً لأنها غير ملتزمة! وفي مرحلة تالية وعند استمرار الغياب يقوم الشيخ بالإيعاز للمسؤولين عن الحصص الإغاثية بإيقاف المعونة الغذائية عن اللاجئة الغائبة لتضطر إلى استئناف حضور الدروس!

08AB3B53-F7B3-469F-9199-9C399B24C190_mw1024_s_n_192707_large

مؤخراً بدأت تنتشر ظاهرة جديدة في مخيمات اللاجئين تتمثل بتكليف زوجات الشيوخ “الشيخة” بإعطاء الدروس الشرعية التي تحض على الزواج المبكر للنساء الأرامل من نزلاء المخيمات وبناتهن، حيث تقوم “الشيخة” بالإضافة لإعطاء الدرس باختيار بنات لخطبتهن للقائمين على الجمعيات الخيرية من الشيوخ الذين يقومون بجمع التبرعات التي يتم تمويل عمل هذه الجمعيات من خلالها.

حيث سجلت الغربال حالة زواج لطفلة تبلغ من العمر 14 عشر عاماً تقيم مع أهلها النازحين من قرية القسطون بريف حماة في مخيم أطمة، قامت “الشيخة” بإقناع البنت وأهلها بتزويج البنت من شيخ سعودي الجنسية يعرف باسم أبي عبدالله، قدم إلى المخيم في شهر أيار من العام الماضي وقام بدفع مبلغ \300\ ألف ليرة سورية كمهر لأهل البنت قبل أن يأخذها ويرحل دون أن يتمكن أهلها من معرفة أي شيء عن بنتهم من وقتها على عكس الاتفاق الذي كان قد أبرم بين الأهل والشيخ السعودي الذي وعدهم بالعودة بعد شهر للسكن في ريف إدلب، ما زاد الوضع سوءاً أن أخباراً وصلت للأهل عن مشاهدة بنتهم في أحد شوارع مدينة الدار البيضاء في المغرب وبدون حجاب!

لم تقتصر حالات زواج القاصرات في المخيمات على الشيوخ والمشرفين على المخيمات من السوريين والخليجيين فقط؛ بل شملت حالات زواج لمقاتلين خليجيين من بنات قاصرات من العائلات النازلة في المخيمات، حيث سجّلت الغربال حالة زواج مقاتل سعودي الجنسية بفتاة تبلغ من العمر 17 عاماً نازحة إلى المخيم مع أهلها من بلدة المسطومة، بعد أن التقى بها في الخيمة الدعوية التي اقامتها هيئة ساند الخيرية السعودية التي يديرها الشيخ سعد الشمري في القسم العلوي من مخيم أطمه قرب الحدود التركية، وبعد أن حملت الفتاة من زوجها السعودي تركها، قبل أن يُقتل في الاشتباكات مع النظام السوري، في الفترة اللاحقة طلب زوج أختها البالغة من العمر 16 عاماً “وهو سعودي الجنسية أيضاً وصديق لزوج الأولى المطلقة” من زوجته أن تخطب له أختها! مدعيها أن صديقه أوصاه بالزواج من أختها قبل مقتله، إلا أنها رفضت، ذلك أن البنتين تعودان إلى عائلة متدينة فقيرة لا يمكن أن تقبل بجمع أختين لزوج واحد، ليقوم الزوج الثاني بتطليق الأخت الثانية أيضاً بعد أن أخذ ابن صديقه الذي كان يبلغ من العمر أشهر قليلة وقتها!

أيضاً يقوم بعض المنتفعين من المشرفين على المخيمات باستغلال الأوضاع الإنسانية السيئة للعائلات المقيمة في مخيمات اللاجئين بهدف الحصول على منافع مادية من خلال تزويج بناتهم لأصحاب نفوذ، وهنا تمتنع الغربال عن ذكر حالات حرصاً على حياة الشهود، في المقابل يقوم الأهل بتزويج بناتهم القاصرات في الغالب للحصول على منفعة مادية أو معنوية أيضاً، حيث كانت أغلب الحالات التي اطلعت الغربال عليها تتضمن حصول الأب أو الأم على وظيفة مقابل زواج صاحب النفوذ في المخيم من بنتهم القاصر. في حالات قليلة أخرى كان الأهل يزوجون بناتهم لمجرد “الستر عليها” وضمان عدم انحرافهن بسبب ظروف النزوح في المخيمات.

حيث انتشرت في الفترة الأخيرة حالات ممارسة الدعارة في المناطق المشجرة بالزيتون في محيط مخيمات اللاجئين السوريين قرب الحدود التركية، العاملات في هذا المجال هن في الغالب من صغيرات السن نسبياً، أما الزبائن فهم في الغالب من الشبان المسلحين الذين يتجولون على وجه الدوام في محيط المخيمات.

انتشرت في هذه البيئة حالات السرقة والخطف وتجارة المواد المخدرة و”الحشيش” أيضاً، الأمر الذي دفع مجموعات من العناصر المنشقة عن جهاز الشرطة التابع للنظام السوري ممن يسكنون في المخيمات ومن أهالي الدانا وسرمدا القريبتين إلى المخيمات إلى تشكيل كتيبة أمنية مؤخراً بهدف وضع حد لهذه الممارسات والانتهاكات.

التعليقات متوقفه