انتشار الصيدليات غير القانونية في ريف إدلب الجنوبي بين الجشع وغياب الرقابة – فريق الغربال

في ريف إدلب الجنوبي المحرر، أخطأ عامل في إحدى الصيدليات في قراءة الوصفة الطبية، فأعطى للمقاتل في الجيش الحر أبي أحمد دواء مميعاً للدم، بدلاً من أن يعطيه دواء للكليتين، من أجل طفلته المريضة ذات السنوات الثلاث. تناولت الطفلة الدواء الجديد فاحمرت عيناها، وساءت حالتها، وبعد رحلة شاقة إلى دمشق، اكتشف طبيبها خطأ الصيدلي، وتمكّن من تلافي ذلك. يقول أبو أحمد: “الحمد لله، نجت ابنتي بأعجوبة”.

حالة طفلة أبي أحمد ليست الوحيدة في ريف إدلب الجنـوبي، حيث يُلاحظ ارتفاع نسبة حالات عدم التزام الصيادلة أو العاملين في الصيدليات، سواء بتبديل الدواء الموصوف بوصفة طبية بدواء آخر، أو بإعطائه بدون وصفة طبية أساساً، وخاصة مع ظهور الصيدليات غير المرخّصة، والتي تدار غالباً من أشخاص ليسوا بصيادلة. يضاف إلى ذلك عدم التزام كثير من الصيادلة بالدوام في صيدلياتهم، معتمدين في ذلك على العاملين لديهم.

قانون مزاولة المهن الطبية السوري الصادر عام 1970، والذي ما زال معمولاً به، لا يجيز فتح صيدلية إلا بإذن من وزارة الصحة. ويشترط هذا القانون في من يريد أن يفتح صيدلية أن يكون صيدلانياً مسجلاً في وزارة الصحة، تحت طائلة الحبس والغرامة وإغلاق الصيدلية ومصادرة ما فيها.

كما أن هذا القانون لا يجيز للصيدلاني أن يبدل أو يغير شيئاً مما جاء في الوصفة الطبية، ويلزمه أن يدير العمل في صيدليته بنفسه، وأن يراقب ويشرف على أعمال مساعديه والمتمرنين، تحت طائلة العقوبة أيضاً، وإن كان يجوز للصيدلاني في حدود ضيقة أن يُنيب عنه مساعد صيدلاني، بحسب القانون نفسه، كما يجوز له بيع بعض الأدوية دون وصفة طبية، كمسكنات الألم الخفيف والمليّنات.

غير أن القانون المذكور، مثله مثل الكثير من القوانين السورية، معطّل في ريف إدلب الجنوبي، حيث تغيب مظاهر الدولة.

ينتقد مدير مشفى دار الحكمة في كفرنبل، الطبيب أحمد الأقرع، ظاهرة فتح صيدليات من قبل أشخاص غير مختصين، أو غير مرخّص لهم بذلك، معتبراً أنها تنعكس سلباً على المواطن الذي عادة ما يكون هو الضحية إذا أخطأ بائع الدواء.

ينظر الأقرع إلى الصيدليات غير المرخصة على أنها ظاهرة جديدة تمثّل خرقاً لمهنة الصيدلة لم يكن معروفاً قبل الثورة، ولكنه لا ينظر إلى ظاهرة تبديل الدواء، سواء عن قصد أو بغير قصد، على أنها ظاهرة جديدة، ويقول: “إنها كانت موجودة قبل الثورة أيضاً”، ويرى أن “نفس أخطاء الصيادلة والعاملين في الصيدليات تتكرر، من حين لآخر”، وإن بزيادة ملحوظة عما كان الوضع عليه قبل الثورة. فالأقرع يقول: “حتى خلال أيام النظام كانت وزارة الصحة عاجزة عن معالجة أخطاء الصيادلة وعدم التزامهم”.

يعتقد الأقرع أن كثيراً من الصيادلة والعاملين في الصيدليات غير مُلمّين بالتركيبات والاختلاطات الدوائية والأعراض الجانبية للأدوية، وبالتالي عليهم “التقيد بوصفة الطبيب”، خاصة وأن حوالي “80%” من الأدوية لا يحق لهم بيعها بدون وصفة طبية، بحسب الأقرع.

يُلاحظ الأقرع غروراً لدى بعض الصيادلة يصل بهم إلى حد تجاوز الأطباء وتخطيئهم، حيث يبدلون الدواء أو يمتنعون عن إعطائه عن قصد، معتقدين “أنهم أفهم من الأطباء”. ويضرب مثلاً لذلك امتناع صيدلاني عن إعطاء دواء لحامل كان الأقرع نفسه قد وصفه لها. الصيدلاني تذرع بمرجع طبي سوري “قديم” يمنع ذلك، أطلع عليه زوج المريضة. يقول الأقرع ضاحكاً: “لكنني أطلعت الزوج على بحث حديث لمنظمة أمراض القلب الأوروبية على الإنترنت يجيز إعطاء ذلك الدواء للحامل، وقلت له اختر بنفسك!”.

 

في ظل غياب الحلول، يقترح الأقرع إعطاء محاضرات من الأطباء للصيادلة والعاملين في الصيدليات، القدامى والجدد، من أجل “شرح أخطائهم” وزيادة ثقافتهم الطبية. ويدعو المجلس المحلي إلى تنظيم ذلك، “ولو لمدة ساعة في الشهر”.

الصيدلاني أحمد تاج الدين يحصر المشكلة في ممتهني مهنة الصيدلة الجدد، الذين لا يحملون شهادة في الصيدلة، معتقداً أن هدفهم من وراء ذلك “هو الربح دون الاكتراث بقيم المهنة”.

تاج الدين يعطي الدواء دون وصفة من طبيب إذا كان المرض بسيطاً، “كالرشح والتهاب اللوزات والإسهال والإمساك”، حيث أن القانون يسمح بذلك. أما إذا لم يكن المرض بسيطاً فيمتنع عن ذلك ناصحاً المريض أو ذويه بالذهاب إلى طبيب.

ويلاحظ تاج الدين أن ما يدفع المواطن إلى الذهاب إلى الصيدلاني مباشرة هو الهروب من أجرة الطبيب التي غالباً ما تكون “مرتفعة”، ذلك أن معظم الناس فقراء، في ظل الحرب المدمرة.

يقول تاج الدين عن مساعده في الصيدلية، وهو رجل ليس بصيدلاني: “هذا الرجل عندما يكون لوحده يمتنع عن إعطاء أي دواء دون وصفة طبية، كما أنه في حال وجود الوصفة لا يعطي الدواء إلا إذا كان الخط واضحاً تماماً بالنسبة له”.

تاج الدين يقترح أن يجتمع صيادلة ريف إدلب الجنوبي تحت تجمع أو تنظيم ما هدفه إعادة تنظيم مهنة الصيدلة ومكافحة الخروقات والتجاوزات التي تلحق بها.

بين أسباب الطرفين تزداد المشكلة وتستفحل، وتنتشر الصيدليات كدكاكين المواد الغذائية في الحارات، دون رقيب أو حسيب من المجالس المحلية، ليكون المواطن ضحيتها الأولى والمسؤول الأول عن محاربتها والحد منها.

التعليقات متوقفه