الاحتطاب.. من خفايا تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – رامي سويد

 

حوّل تنظيم “دولة الإسلام في العراق والشام” مبنى السرايا في مدينة الباب بريف حلب إلى سجن، أُطلق عليه اسم سجن “أمن الدولة”، يحتوي السجن على أربعة مهاجع كبيرة بالإضافة إلى عدد من المنفردات ونظارة للموقوفين ممن ينوي التنظيم تحويلهم إلى أماكن اعتقال أخرى بشكل عاجل.

أحد المهاجع في سجن “أمن الدولة” في مدينة الباب يُطلق عليه اسم “مهجع الأخوة”، ذلك أن المعتقلين في هذا المهجع هم من عناصر التنظيم الذين ارتكبوا مخالفات تستوجب المحاسبة من قبل أمنيي التنظيم مجهولي الهوية بالنسبة لعموم عناصر التنظيم والذين يقومون بمهمة مراقبة عمل الوحدات العسكرية التابعة للتنظيم ورفع التقارير اليومية لقيادة التنظيم المحلية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم والتي يرأسها “أمير” الإمارة.

التهمة الأكثر شيوعاً بين معتقلي “مهجع الأخوة” هي “الاحتطاب”، وهو بحسب التوصيف الذي وضعه أمنيو التنظيم “أن يقوم أحد عناصر التنظيم بقتل شخص ما بتهمة الكفر أو الردة بهدف الاستيلاء على ماله”.

ذلك أن انتشار مسلحي التنظيم على الطرقات في المناطق التي يسيطر التنظيم عليها، ومداهمتهم لعشرات البيوت في البلدات والقرى التي شهدت صراع التنظيم مع عموم فصائل الثوار وسّع من تجاوزات عناصر التنظيم على السكان إلى درجة أقلقت قيادة التنظيم، الأمر الذي دفع هذه القيادة للإيعاز للأمنيين بمراقبة عناصر التنظيم لكي لا يمارسوا “الاحتطاب”.

وقد توسع عناصر التنظيم في مفهوم الاحتطاب الذي يقتصر بحسب فكر المجموعات الجهادية على أخذ بعض الأموال العامة الواقعة تحت تصرف أنظمة “مرتدة” بالحيلة أو القوة وردها إلى “بيت مال المسلمين”، فأصبحوا يقومون بالاحتطاب بقتل أفراد من السكان ومصادرة أموالهم بحجة “الكفر”!

فقد بدأت تنتشر ظاهرة تتمثل بقيام حاجز مؤلف من ثلاثة عناصر على الأكثر من التابعين للتنظيم بإيقاف سيارة مارة على الطريق وسؤال صاحبها عن “نواقض الإسلام” أو عن “عقيدة الولاء والبراء” أو عن مدى كفره “بالطاغوت” أو غيرها من الأسئلة التي يصعب على عامة السكان من المسلمين الإجابة عليها، بهدف قتل صاحب السيارة بتهمة الكفر للاستيلاء على سيارته وماله احتطاباً، كما حصلت عدة حوادث مداهمة لبيوت يُتهم أصحابها بالتعاون مع فصائل الثوار، ليقوم أحد عناصر التنظيم بقتل صاحب البيت بدون أي مبرر أو بحجة واهية بهدف الاستيلاء على ماله احتطاباً.

يقوم الأمنيون عند تسجيلهم لحادثة “احتطاب” بإبلاغ “الأمير الأمني في الإمارة” الذي يقوم بدوره بالإيعاز بإلقاء القبض على “المُحتطِب” وإيداعه في سجن “أمن الدولة” ليتم إخضاعه لدورة شرعية في “مهجع الأخوة”، يتم من خلالها إعادة تأهيل مرتكب مخالفة الاحتطاب من الناحية “الشرعية” لكي لا يرتكب المخالفة المتمثلة بقتل شخص بشبهة الكفر أو الردة بهدف الحصول على ماله من جديد.

المهجع الذي يُجمع فيه “المُحتطِبون” في سجن “أمن الدولة” هو الأفضل حالاً بين مهاجع السجن، حيث تُقدّم لنزلائه ثلاث وجبات من الطعام يومياً، مقابل وجبة واحدة لنزلاء المهاجع الأخرى، كما يُسمح لنزلاء هذا المهجع أيضاً بالاستحمام والصلاة واستقبال الزيارات، على عكس حال نزلاء المهاجع الأخرى الذين لا يتمكنون من قضاء حاجتهم إلا مرتين فقط في اليوم الواحد ويُمنعون من الاستحمام والوضوء!

لا تتوقف ميزات “المُحتطبين” عند هذا الحد، حيث يطلب منهم في العادة -أثناء تلقيهم الدروس الشرعية من قبل “شرعيي” التنظيم- مساعدة هؤلاء “الشرعيين” الذين يقومون بمهمة التحقيق مع نزلاء المهاجع الأخرى في عملية التحقيق، فكثيراً ما يطلب “الشرعي” بعد أن ينهي الدرس الذي يعطيه لنزلاء “مهجع الأخوة” من اثنين أو ثلاثة من “المُحتطبين” مرافقته إلى قبو التحقيق؛ ليقوموا بضرب وتعذيب المعتقلين في أثناء طرح “الشرعي” للأسئلة عليهم.

وقد التقت الغربال بعدد من شهود العيان على عدد من حالات الاحتطاب التي نمتنع عن ذكرها حرصاً على عائلات الضحايا من انتقام التنظيم، ونذكر على سبيل المثال حادثة منها وهي ما أقدم عليه كلّ من المدعو أبو الهيجاء الصحراوي وأبو ضرار الجزاروي في نيسان الماضي عندما رصدوا أثناء مرورهم على إحدى الطرق المؤدية لمدينة الباب في ريف حلب الشرقي سيارة “كيا سانتافي”، فأوقفوا سائقها الكردي وسألوه عن عدد ركعات “صلاة الاستخارة” وكيفية أداء هذه الصلاة، وعندما لم يتمكن من الإجابة على سؤالهم اتهموه بالكفر وقاموا بقتله ومصادرة سيارته، وقد تمّ اعتقالهم في وقت لاحق وإلحاقهم بالدورة الشرعية المذكورة.

بعد انتهاء مدة الدورة الشرعية التي تكون في الغالب ثلاثة أسابيع أو أربعة؛ يعود مرتكب “مخالفة” قتل شخص بشبهة الكفر أو الردة بهدف الاستيلاء على ماله؛ إلى مجموعته العسكرية نفسها ليستأنف مهامه العسكرية، بعد أن تتم مصادرة الأموال التي استولى عليها إبان ارتكابه “للمخالفة” لصالح ما يسميه التنظيم بـ “بيت مال المسلمين”، الذي يشكل المالية العامة للتنظيم، دون أن يتم الالتفات لعائلة ضحية “مخالفة الاحتطاب”، حيث لم تتجرأ عائلة أحد منهم إلى اليوم على المطالبة بديّة من تم قام عناصر التنظيم بقتله واحتطاب ماله، وبطبيعة الحال لم تتجرأ عائلة أحد منهم على المطالبة برد “المال المُحتطب” لورثة “ضحية الاحتطاب” الشرعيين!

التعليقات متوقفه