تحوّلات الدولار – تحوّلات الجوع – تحقيق وتحرير: فريق الغربال
تحوّلات الدولار – تحوّلات الجوع
تحقيق وتحرير: فريق الغربال
في ظلّ الصعوبات التي تعانيها المناطق المحررة؛ يظهر شبح الدولار ليضيف إليها أزمة أخرى، فقد ارتبطت لقمة العيش بالدولار، الذي لا يثبت على حال، فعند شرائك أية سلعة واستغرابك غلاءها يسكتك صاحب المحل مباشرة بجملة (اليوم الدولار طالع)! وأضيفت إلى هموم المواطن متابعة بورصة الدولار المحلية قبل شراء حاجاته، وربما هذا هو سبب انتشار الصرافين بكثرة في المناطق المحررة.
لكن ليس الدولار بحد ذاته هو المشكلة، بل استغلال تقلباته، ولإيضاح أسباب تقلباته التقينا أحد الصرافين الذي بين لنا أن سبب دخول الدولار في التعامل هو قيام التجار الكبار وأصحاب رؤوس الأموال بتحويل أموالهم في بداية الأزمة إلى الدولار، بهدف تخفيف الكمية ولسهولة التخبئة وخوفاً من انهيار العملة السورية، وهذا أوجب التعامل بالدولار في المناطق المحررة، درءاً لخسارة الأموال.
أما سبب غلائه فهو شح الأسواق به، في حين يعود سبب انخفاضه الآن إلى دخول مساعدات بالعملات الأجنبية، وقيام الدولة بضخ الدولار خاصة قبل مؤتمر جينيف، وقد تسبب انخفاضه بضرر للكثير من الناس “حسب رأي الصراف” لأن أغلبهم صرَّف أمواله بأسعار أعلى من السعر الحالي، أما عند سؤالنا عن مكان المواطن العادي في هذه المعادلة أجاب الصراف: (لا تواخذوني هاد ع الطرفين خالص)! وبرأيه إن الدولة هي المستفيد الأكبر من انخفاض وارتفاع سعر الدولار، فهي تضخه في البنوك وتسحب العملة السورية (مهو محبة في المواطن، لا أبداً) فينخفض سعره في وقت يضطر المواطن لتصريف ما لديه خاصة في العشر الأخير من كل شهر، وترفع سعره في بداية كل شهر، وتستطيع من خلال هذه الفروقات فقط دفع الرواتب للموظفين، ويقول صراف آخر: (إن الدولة صراف مثلنا، ولكنها صراف من الوزن الثقيل، لذلك فهي المتحكمة بالسعر، هذا بالإضافة للمأجورين الذين يقومون بسحب الدولار من المناطق المحررة وإيصاله لأماكن مجهولة، دون ملاحقة تذكر)، يتنهد الصراف ويتابع قائلاً: ( لسا بدنا زمان لننضف، فعملاء النظام يسحبون دولار المناطق المحرّرة ويأخذونه إلى البنك المركزي)، وسبب وقوف النظام حتى الآن على قدميه برأيه هو: كثرة الدولار القادم من الخارج والذي يتم تصريفه، وقلة العملة السورية بين أيدي المواطنين.
ويُتّهم الدولار بأنه سبب الغلاء في المناطق المحررة -طبعاً بالإضافة للحصار المفروض عليها من قبل النظام- ويصف أحد المواطنين (الخالصين) حالته المعيشية: فهو يعمل ببيع البنزين، وبمدخول لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة شهرياً، تتبخر قبل العاشر من الشهر، فيستعين بما تدره عليه مواسم التين والزيتون، بالإضافة لتخفيض المصروف والاقتصار على الضروريات وأحياناً شديدة الضرورة فقط، ويشتكي أن الأسعار لاحدود لارتفاعها، فهي تصاحب الدولار بالارتفاع، وتتركه يهوي وحيداً عند انخفاضه، ويقول: (للدقة انخفضت أسعار بعض البضائع التركية كالزيت والسمن والرز بنسبة 50 ليرة في كل ألف، أما باقي السلع فلا زالت على حالها، علماً أن المقارنة لسعر السلع تمت بين سعرين للدولار هما 300 وهو أعلى حد وصل إليه و150 وهو سعره الحالي).
ويؤكّد مواطن آخر في السياق نفسه أنه لا يستطيع إعالة عائلته فالمدخول قليل والمصروف ليس له حد، مما يجعله محتاجاً إعانة الأهل والأقرباء، ويقول: (يجن الدولار ويصل لل300 وتجن معه السوق والأسعار، أما عند الانخفاض فلا نلمس أي انخفاض للأسعار، فالمواطن يخضع للعبة الدولار، والنظام والتجار يلعبون به وبنا).
وللوقوف على المستفيد من هذه الأوضاع، وقفنا حيارى بين تجار الخارج وتجار الجملة المحليين فكلاهما يكيل الاتهامات للآخر بأنه سبب الغلاء، تاجر مستورد يؤكّد أنه لا يستفيد من ارتفاع سعر الدولار، وللأمانة لايتضرر بانخفاضه أيضاً، فرصيده كله بالدولار ويشتري ويبيع بالدولار، ويصف التجار المحليين بالمستفيدين الوحيدين (فهم كالمنشار نازل آكل، طالع آكل)، فتاجر الجملة يشتري البضاعة عند نزول الدولار، ويبيعها عند غلائه، وهو بجميع الحالات مستفيد لعدم وجود الرقابة على الأسعار، فعند ارتفاع سعر الدولار لا يحتاج إلا لقلم ذي خط عريض “شنيار” لرفع التسعيرة تماشياً مع الارتفاع، وبعض التجار يقفلون محلاتهم ويمتنعون عن البيع ريثما يتم حساب مقدار رفع السعر، أما عند الانخفاض فإنهم يتذرّعون بشراء البضاعة عندما كان سعر الدولار مرتفعاً، وطبعاً لا يُرضي المواطن المعتر أن يخسر التاجر! ويضيف التاجر: (مشكلتنا نحن تجار الاستيراد، أننا نستورد البضاعة عن طريق معابر النظام، فحتى تركيا “أقرب الدول للمعارضة” لا ترضى إلا بأوراق رسمية من النظام للاستيراد والتصدير! وبتمر ع 100 حاجز وبينشف دمك لتوصل، مما يزيد التكلفة فالربح هنا محدود والدولة تستفيد منه، أما تاجر الداخل فربحه كبير بسبب تقلبات الدولار ولا رقابة تحد أرباحه).
أما تاجر الجملة المحلي فهو يقر بثبات سعر البضاعة التي يشتريها من التاجر الخارجي؛ ولكنه يرى أن تفاوت سعر الدولار يحتم عليهم تغيير الأسعار كل لحظة: (أحياناً نبيع تنكة السمن ب3000 و3200 في نفس اليوم)، ويؤكد التاجر المحلي أن الأسعار تنخفض أيضاً بانخفاض الدولار ولكن المواطن لا يشعر بذلك (لأنه لا يشتري كل يوم، ولا يعرف الأسعار، وينسى سعر البضاعة بعد شهر أو شهرين)! ويؤكد أن جميع التجار ملتزمين بتخفيض الأسعار أيضاً.
ولكن أحد المواطنين يصرّ على أنه لم يرَ أو يسمع أن أحد المواطنين صادفه انخفاض سعر الدولار فوجد البائع يلغي السعر القديم المرتفع ويضع تسعيرة جديدة أقل، أما عند الارتفاع فتسمع الكثير من الحكايات!
أما ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة فلا علاقة للدولار به، بل يرتبط جنون أسعارها بالعرض والطلب، والتكاليف الإضافية والمخاطرة بالذهاب لمناطق النظام والوقوف الطويل على الحواجز هكذا يوضح لنا بائع خضروات، (فالطلب على قلعة المضيق “المحررة” بين الـ2500 للـ3000 بس إذا بدنا نروح ع السقيلبية “الخاضعة للنظام” ما بيرضوا بـ10000) ولا يبدو أن هناك مشكلة بين بائع الخضار والدولار، خاصة أن تعامله يكون داخل سوريا، ويصر البائع على أن الناس فقدت الرحمة بين بعضها (فالغلا منا نحنا، عليي الحلال الدولار ماله علاقة)!
يبقى الدولار مجرد عملة، ولايجب تحويله إلى سلعة، فيتحول من عملة آمنة للتجارة إلى مصدر ربح إضافي. فالمواطن في سوريا ما زال دخله بالليرة السورية -وهذه حال الموظف- ولكن الكثير من الناس فقدت وظائفها أو انشقت عن النظام وأصبحت تعيش عالة على عائلتها الكبيرة، لذلك لابدّ من متابعة تجار الجملة والمستوردين عند التسعير ومعاقبة المخالفين، فلا يكفي اتهام بعضهم البعض بالمسؤولية “فما بين حانا ومانا ضاعت لحانا”، والتحرر من النظام لا يعني الاستكانة للفوضى.
التعليقات متوقفه