الفساد الذي نرتديه: هل هو حياكة النظام؟ – مصطفى محمد

الفساد الذي نرتديه

هل هو حياكة النظام؟

مصطفى محمد

وصلت معدلات الفساد في سوريا أيام النظام إلى أعلى معدلاتها على مستوى العالم، أي نجح النظام وقتها في وضع سوريا على لائحة التصنيفات عالمياً ولو بالسوء! لايهم، وهذا يحسب له ولأعوانه، ولكن كيف وصل النظام لهذه الدرجة العالية من الفساد؟

يأتيك الجواب على لسان الاقتصاديين بأن النظام مارس الفساد وقوننه بقوانين حتى، فالنظام اتّبع سياسة توريط الجميع بالفساد بحيث لا يبقى أحد نظيف اليدين، وهنا يجب عليك وأنت متورّط؛ السكوت عن فساد الآخر، مع الإبقاء على بعض الشرفاء في كل مفصلية هامة لضمان استمرار العمل.

وصل الفساد لكل دوائر الدولة، من النفط المنهوب إلى المالية إلى الوزارات بشتى أنواعها إلى أصغر دائرة حكومية، حتى الآثار تمت المتاجرة فيها، ولعل قلعة حلب خير شاهد على هذا، وقس ذلك على الاتصالات وغيرها الكثير الكثير.

إذاً، تمت إدارة البلاد من قبل شركات معدودة محسوبة على أشخاص تربطهم علاقات بالأسرة الحاكمة في سوريا، على حساب تجويع الشعب، وهم غالباً خارج نطاق المحاسبة وفوق القانون والأعراف والقيم! وقد أثّرت هذه الممارسات وغيرها على جملة القيم التي تحكم المجتمع الرازح تحت سيطرة النظام الفاسد أربعة عقود من الزمن.

وكان الفساد من أهم أسباب قيام الثورة السورية التي جمعت أطياف الشعب السوري بالكامل، ولكننا سرعان ما انتقلنا من الحديث عن فساد النظام إلى “فساد الثورة”، فجميع ثورات العالم مشوبة ببعض الفوضى، وفي العرف الأوروبي لا يزال أهل بريطانيا يعيبون على الفرنسيين أنهم أبناء ثورة!

وظهرت ملامح الفساد في الثورة من خلال الثراء الفاحش الذي ظهر على بعضهم ورعونة البعض منهم والفوضى في كل شيء حتى في حمل السلاح وتصويبه على المكان الخطأ.

ولو تجولت في أية منطقة محررة تجد الفساد موجوداً والفوضى منتشرة، فمن الازدحام أمام الفرن وإلى حركة المرور غير المنتظمة إلى الاستجرار غير الشرعي للكهرباء الشحيحة أصلاً، إلى الاستغلال من قبل التجار في غياب الرقابة عليهم، وغياب الرقيب الوحيد الحاضر “الضمير”! وهنا يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: الفوضى والفساد الذي نعيشه، هل هو متجذّر فينا, أم يتحمّل مسؤوليته تراكم أربع عقود من الفساد الممنهج الذي اتبعه النظام؟

الأخصائي بعلم الاجتماع “ماهر نعساني” قال للغربال:

تحكم أي مجتمع من المجتمعات منظومة من القيم الدينية والأخلاقية والفكرية، والفكر الجمعي لأي مجتمع قابل للتغير، فما كان في قديم الزمن عيباً؛ عدّل الآن، بالتالي أثّرت تراكمية التصرفات الفاسدة من النظام وزبانيته في تدمير القيم الجميلة التي كانت تحكم مجتمعنا السوري قبل مجيء نظام الأسد إلى الحكم واستلامه السلطة، وتمييع ثقافة المواطن عن طريق الأجهزة الأمنية وتسلّطها على المواطن، وعن طريق الحزب الحاكم المعتمد على النفاق السياسي والاجتماعي، وعن “التقرير الأمني” الذي كان أغلب أعضاء الحزب يمارسونه بحق بعضهم البعض، وختم النعساني: (قس هذا على كل الدوائر الأخرى، والمواطن كان ولا يزال على احتكاك مباشر ومتواصل مع هذه الدوائر ومع هذا الفساد المعشش فيها، فلكي تسيّر معاملة ما عليك أن تدفع الرشوة، وإذا كانت لديك قضية ما عليك أن تدفع للمحامي وللقاضي حتى تنال حقك الطبيعي، بالتالي أنا شخصياً أجد المبرّر لهذا المواطن؛ فنحن نتاج أربعة عقود من الفساد ومن تخريب القيم!

والآن، وبعد قيام الثورة وخروجنا عن سيطرة النظام ما الذي يمنعنا من تصحيح ما فاتنا وإصلاح منظومة القيم التي لابد وأن تحكمنا؟

قد يقول البعض: نحن بحاجة إلى مفكرين وقادة رأي ورجال دين ونظام وغيره… نعم، نحن بحاجة لكل هؤلاء، ولكن توفر النية الشخصية لكل فرد فينا هو نقطة الانطلاق لأي مسار تصحيحي قادم، فنحن نعيش ثورة أساساً، أي لا داعي لتفجير ثورة أخرى، وإذا لم يتم تدارك مجتمعنا ونظامه المعرض للسقوط فسوف تكون نهايتنا باهتة وحتمية.

التعليقات متوقفه