المقنّعون الجدد – رامي سويد

المقنّعون الجدد

رامي سويد

الداخل إلى مدينة حلب اليوم من جهة المدينة الصناعية “شمالاً” سيصدمه بدون شك دمار تلك المجسمات والجدران التي امتلأت فيما سبق برسومات وشعارات مؤيّدة لتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام, أول ما سيلفت نظر الداخل إلى حلب هو قيام الثوار بهدم تلك اللوحة الجدارية الضخمة التي تتوسط دوار الصناعة الأول والتي كتب عليها بخط مزركش (يا دولة الإسلام نوّرت الدُنى), بعد ذلك وعلى جانبي الأوتستراد الذي يخترق تلك الأبنية الضخمة التي بنيت من الحجر الأبيض الذي تشتهر به حلب, ينتبه المار إلى أن شعارات دولة العراق والشام التي ملأت جانبي الطريق قد تم محيها أو تشويهها, لم يعد من الممكن قراءة عبارات من قبيل (دولة الإسلام.. باقية على قلوب المنافقين) أو (سلامي على الدولة.. دولتنا منصورة..!), بالقرب من دوار الحيدرية حيث كانت لافتات دولة الإسلام وشعاراتها وراياتها في كل مكان. سيصدم المارّ وهو يبذل جهداً بالبحث عن لافتة واحدة أو راية واحدة لدولة الإسلام في العراق والشام دون أن ينجح.

2014-01-09T103822Z_219740079_GM1EA191FHT01_RTRMADP_3_SYRIA-CRISIS

لقد تغيّر وجهة المدينة وظاهرها كثيراً بعد أن تمكنت مختلف فصائل الثوار من طرد مقاتلي تنظيم الدولة منها, عاد علم الثورة “علم الاستقلال الذي تتوسطه ثلاث نجوم” بقوة إلى شوارع المدينة, عاد هذا العلم ليرفع على السيارات والمقرّات والأبنية وفي الساحات, هذا الأمر بالذات كان صادماً لكثير من مقاتلي الفصائل الإسلامية التي قاتلت تنظيم الدولة وطردته من حلب..!

يروي الناشط إيهاب الحلبي أنه بعد أن أنهى مشاركته في مظاهرة خرج بها ناشطو حلب في حي صلاح الدين لتحية الثوار الذين قاموا بطرد التنظيم من المدينة وهتفوا فيها (حرية آزادي.. بدنا راس البغدادي.., أها هية هية.. داعش شلة حرامية)؛ توجّه إلى مقر إحدى الكتائب الإسلامية التي قاتلت التنظيم وطردته من المدينة وهو يحمل علم الثورة على كتفيه, فإذا بخاله “وهو قائد هذه الكتيبة” ينظر إليه بازدراء ويقول: (نحن حاربنا داعش لأنها فئة باغية وليس لأننا نعارض إقامة الدولة الإسلامية.. سيأتي يوم ونحاربكم من أجل هذه الراية)!

ليجيبه أيهاب قائلا: (ما عندكم إمكانية تحاربونا, شوف كيف فضحنا الأسد وخلينا الناس تقوم عليه, وبعدها شوف كيف فضحنا داعش وخلينا الناس تقوم ضدها, ما بيطلعلكم معنا يا خال)!

عندما روى لي “إيهاب” هذه الحادثة؛ حاولت أن استفسر منه عن قصد “الخال” بالضبط, فإذا بإيهاب يقول لي شارحاً: (الخال يقصد أن الناشطين المدنيين والديمقراطيين هم بنظر الخال أعداء للمشروع الإسلامي في سوريا لذلك فهو يعتقد أنه سيضطر في يوم ما إلى محاربتهم)!

لفت نظري حينها تكرار “إيهاب” لعبارة “يحارب”, فسألته عن مقصد الخال بكلمة يحارب, كيف سيحارب “الخال” من لا يملك سلاحاً ولا كتائب ولا مقرات, كيف سيحارب ناشطين جلّ ما يقومون به هو التصوير والتدوين في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية؟

كانت إجابة “إيهاب” صادمة لي إلى حدٍّ بعيد, حيث قال: (يعتقد الخال أن الحرب التي سيشنّها “في المستقبل” على الناشطين ستكون أدواتها الاعتقال والتغييب القسري والتهديد والترغيب والترهيب)!

قاطعته فقلت: (هذه التصرفات أدت إلى فضح داعش وتشويه صورتها وجعل الناس تنقلب ضدها بالكامل بعد أن فُتن البعض بشعارات براقة طرحتها في البداية عن إقامة دولة إسلامية عادلة؛ ألم يعتبر “الخال” من المصير الذي وصلت له داعش؟)، هزّ “أيهاب” رأسه أسفاً وقال: (ما بيفهموا هالكلام يا صديقي.. ما بيفهموه..)!

1911752_286772451486747_239398577_n

مساءً وأثناء جلوسي في مقهى إنترنت في حيّ الشعار بحلب؛ فإذا بتقرير على قناة “أورينت نيوز” يغطي مظاهرات يوم الجمعة التي خرجت في مدينة حلب لتحية الجيش الحر الذي خلّص المدينة من وجود التنظيم, فإذا بمقابلة مع فتاة مشاركة في إحدى المظاهرات تقول: (الآن قام الثوار من الجيش الحر بحماية الناس على الوجه الأمثل, اليوم أصبحنا نجلس في بيوتنا آمنين دون أن نخاف من اعتقال داعش لنا..)!

فإذا بأحد رواد المقهى وهو شاب في أواخر العشرينات قد أرخى لحيته وبدا عليه الانتساب لأحد الفصائل الإسلامية التي تقاتل الأسد والتنظيم يعلق شاتماً الفتاة والمتظاهرين الكلاب العلمانيين!

على الرغم من قتال الفصائل الإسلامية مع مقاتلي الجيش الحر لطرد مقاتلي التنظيم من مدينة حلب بالكامل, فإنك تشعر دائماً حين تتجول في شوارع مدينة حلب؛ أن الكثير من مقاتلي هذه الفصائل يشعرون بصدمة كبيرة إزاء النتيجة التي وصلت إليها الأمور, كان تنظيم الدولة يفرض مستويات عالية من الكبت على الجميع, ورحيله سمح بالظهور لمن ينازعهم الساحة التي تفردوا بها لشهور!

التعليقات متوقفه