حوادث الحرق في كفرنبل – بين لا مبالاة المؤسسات البديلة وتمادي الفاعلين – تحقيق: فريق الغربال
حوادث الحرق في كفرنبل
بين لا مبالاة المؤسسات البديلة وتمادي الفاعلين
تحقيق: فريق الغربال
انتشرت ظاهرة حرق السيارات والبيوت مع بدء الثورة السورية، وكانت تتمّ من قبل عناصر الأمن ضدّ الناشطين تارة، أو من قبل الثوار ضدّ عملاء النظام وشبيحته تارة أخرى، ولكن لحوادث الحرق في كفرنبل حكاية أخرى.
لم تعرف البلدة هذه الظاهرة إلاّ بعد تحرّرها وانسحاب الجيش منها، وبدء تأسيس مؤسسات بديلة لإدارة شؤون البلدة، فكان مقر المجلس المحلي، الذي شهد الكثير من الخلافات والأخذ والرد بين الناشطين الثوريين الأوائل وأعضاء المجلس؛ أول ضحايا الحرق، تبعته بعدها عمليات حرق طالت 6 سيارات، تنوّع أصحابها بين خطيب البلدة ورئيس محكمتها، ورئيس المجلس المحلي الأسبق فيها، ورئيس جمعية خيرية في البلدة، وسيارة سائق كان من أول من نقل المصابين إلى تركيا وعمل في مساعدة الثوار!
كل تلك القضايا سجّلت ضدّ مجهول، ولم توّفق أي من الهيئات المستحدثة؛ كالكتيبة الأمنية والمجلس العسكري في القبض على الفاعل أو الفاعلين أو الحد من هذه الظاهرة!
أحد المواطنين يرى أن (هذا الأمر غير مقبول، ولايمكن السكوت عنه، والمجلس العسكري يتحمّل المسؤولية بشكل كامل؛ لأنه المسؤول عن أمن البلدة، إلى جانب الكتيبة الأمنية التي عليها تسيير دوريات ليلية لضبط الأمن).
حاولنا التواصل مع المجلس العسكري ولكننا لم نجد أحداً في مقرّه، وأعلمنا أحد إعلامييه أنه شبه منحلّ، أمّا الكتيبة الأمنية فكان لها رأي آخر، فأحد ضبّاطها يُرجع قصور الكتيبة إلى عدم توافر الإمكانيات: (نريد إمكانيات أكثر، وعناصر أكثر، وسيارات أكثر، ورواتب للعناصر)، وبالإضافة إلى هذا النقص فالكتيبة الأمنية تعاني من سلبية الضحايا، إذ (لا يوجد تعاون من صاحب العلاقة “الضحية”، ناهيك عن أنه لا يأتي لتقديم شكوى أصلاً)، وقضية حفظ الأمن -كما يرى أحد ضبّاط الكتيبة الأمنية- ليست من مسؤولية الكتيبة الأمنية فقط، بل هي واجب كل مواطن في البلدة!
وعند مواجهتهم برأي البعض في أن الكتيبة الأمنية وغيرها من المؤسسات البديلة؛ عاجزة عن مواجهة الفاعل الذي قد يكون أقوى من الكتيبة ومن غيرها، كان الجواب: لا أحد فوق القانون، ولكننا في ظل انعدام الإمكانيات لن نستطيع فعل شيء!
رئيس المجلس المحلي المحامي نزيه البيوش؛ يرى أن (ضبط الموضوع صعب جداً، بسبب ضعف الإمكانيات، وانقطاع الكهرباء الدائم، ووقوع عمليات الحرق في ساعات متأخرة من الليل)! وفي محاولة للتصدي لهذه الظاهرة والحدّ منها؛ فإن المجلس يعمل الآن على تشكيل كتيبة خاصة بالدوريات الليلية لمحاولة مكافحة هذه الظاهرة في البلدة!
توجهنا بالسؤال عن سبب سلبية الضحايا، وعدم تقديمهم شكاوى أو بلاغات بعمليات الحرق إلى الشيخ محمد خيرو الخطيب، رئيس محكمة كفرنبل وخطيب جامعها الكبير، والذي كان هو نفسه ضحيّة لعملية حرق طالت سيارته، ومحاولة أخرى لحرق منزله منذ فترة قصيرة لم تنجح لحسن الحظ، فقال: (إذا كنت أنا رئيس محكمة كفرنبل، فلمن اتقدّم بالشكوى؟)، وعن سؤالنا إذا كان يظن أن عمليات الحرق هي بسبب مواقفه وآرائه قال: ( ربما كان بعض الذين لازالوا يعيشون في عقلية الماضي، التي كانت ومازالت بقايا البعث البائد تعشّش في عقولهم وقلوبهم؛ لا يناسبهم أن تكون حرية الكلمة هي عنوان المرحلة، مع أنني شديد الحرص على ألا أطعن في أشخاص أو هيئات، وهذه وصيّة أحفظها عن والدي رحمه الله منذ صعدت المنبر لأول مرة).
آخر من التقت معهم الغربال لاستيضاح موقفهم من هذه القضية، كان حسن السلوم “الحمرة” وهو واحد من أوائل الوجوه الثورية في البلدة، وقد نفى بشكل قاطع، أن يكون أيّ من الثوار متورِّطاً في عمل من هذا النوع: (لا يمكن أن يكون الفاعل من الثوار القدامى، فهؤلاء لا وقت لديهم لهذا الأمر، كما لا وقت لديهم لحفظ الأمن لكثرة انشغالاتهم الثورية ونشاطاتهم ضد النظام، إن المجلس المحلي والكتيبة الأمنية والمجلس العسكري؛ هم من يتحمّلون المسؤولية، فإذا لم يكونوا بحجم هذه المسؤولية فعليهم الجلوس في بيوتهم)!
ويعيد حسن انفلات الأمن إلى انتشار السلاح بعد تحرير كفرنبل، وضياع هيبة الثورة! التي ركب موجتها كلّ من هبّ ودبّ، (فلا يوجد ثورجي حرامي، لكن المشكلة مع الحرامية يلي صاروا ثورجية)! ولكنّه يؤكّد من جانب آخر أن عمليات الحرق لا تعبّر عن انفلات الأمن في البلدة، فهي في معظمها نتيجة مشاكل وخلافات شخصية: (من خبرتنا، نعتقد أن لكل سيارة حكاية مختلفة، وفاعل مختلف)، وعند سؤاله: لماذا لم تُحرق سيارات الثوريين القدامى؟ أجاب: لأنهم لا يملكون أعداءً، ولا مشاكل لديهم مع أحد، فهم منشغلون بعدوّهم الوحيد؛ الجيش ونظام الأسد!
في نهاية المطاف؛ تبقى القضايا معلّقة، ويبقى الفاعل أو الفاعلون خارج دائرة المحاسبة، في خضمّ بحر من اللامبالاة وعدم الاكتراث فيما يبدو من جميع الجهات، التي يحكمها مبدأ واحد: اللهم ربي أسألك سيارتي! الأمر الذي دفع بأبناء بعض الحارات إلى التحرك من تلقاء أنفسهم، من خلال تشكيل -أو الدعوة إلى تشكيل- دوريات للحراسة وتعيين حرّاس، تُجمع مرتّباتهم من جميع بيوت الحارة!
التعليقات متوقفه