لا تتبرعوا للسوريين شكراً – دلع المفتي

لا تتبرعوا للسوريين، شكراً

15_2

دلع المفتي

“حملة: بـ100 دينار تتقي شر النار، لإرسال مطويات دينية للأهالي بسوريا، فهم بحاجة لها ونحن سنُسأل عنهم”.

تغريدة بسيطة على تويتر أفقدتني صوابي، وقضت على البقية الباقية من أعصابي.

سوريا الجريحة، سوريا الدا‍‌مية، سوريا النائحة، تنتظر من يمدّ إليها يد الرحمة والرأفة، من يطعم أطفالها، من يدفئ شيوخها، من يرحمها من جور الزمن عليها، تجد نفسها مكباً لكل من يتمسح بالدين، ويمتطي صهوة الدينار، ليضمن لك الجنة بمئة دينار تتبرع بها من أجل مطويات (كتيبات تعليمية أو دينية صغيرة)!

هل يُعقل أن يتم جمع 100 دينار كويتي، أي ما يعادل 350 دولاراً لطباعة المطويات والكتيبات لتعليم الدين للسوريين؟ هل يُعقل التغاضي عن صغار يتضوّرون جوعاً، وعن شيوخ ارتعدت فرائصهم برداً، وعن المتشردين والمهجّرين تحت الخيام، وعن أطفال يتسولون في الشوارع بلا مدارس ولا تعليم، لنرسل لهم مطويات!

عندما سأل أحد المغردين، المسؤول عن جمع التبرعات عن كنه المطويات، كانت الإجابة: (مطويات دينية لشرح الوضوء وأذكار ما بعد الصلاة والأحاديث… وهكذا).

Print

وهكذا… بعد أن تمالكت نفسي، اتصلت باللجنة المشرفة على جمع تبرعات «المطويات»، سألت الأخ الذي على الطرف الآخر من الهاتف: هل تعتقد أن إرسال مطويات إلى السوريين أمر مهم والناس هناك يموتون جوعاً؟ قال: نحن نرسل الطعام والبطانيات والأموال، وكذلك المطويات. قلت: ولكن يا أخي الشعب السوري شعب مسلم ولا يحتاج إلى مطويات، استبدلوها بلقاحات تطعيم شلل الأطفال الذي انتشر في سوريا مؤخراً ويهدد جيلاً كاملاً من السوريين. قال: يا أختي أنت لا تعرفين، فإخوتنا الذين ذهبوا إلى هناك يحكون لنا قصصاً مخيفة عن أناس هناك يجهلون كيفية الوضوء أو الصلاة. قلت: قصص مخيفة؟ ألم يحكوا لكم قصصاً مخيفة عن أناس لا يجدون لقمة يطعمون بها أولادهم، أو لحافاً يدثّرون به عظامهم! ألم يحكوا لكم عن ملايين البشر الذين سكنوا الشوارع والطرقات بعد أن هُجّروا من بيوتهم؟ ألم يحكوا لكم عن المرضى والجرحى والفاقدين أطرافهم والمشوهين الذين لا يملكون إلا المعاناة؟!

يا أهل الخير، أهل سوريا يحتاجون إلى حليب يسدون به رمق رضيع، إلى جدران تحميهم من الشتاء، إلى قلم يقي طفلاً من الجهل. أهل سوريا يحتاجون إلى أمل يحميهم من اليأس. تريدون أن تعلموا السوريين الوضوء، وهم لا يجدون الماء ليشربوه! تريدون أن تعلموا السوريين الدين بعد أن أصبحوا ضحية لممتطي الدين وتجار المذاهب! تريدون أن تعلموهم الأذكار، ولم يعد أحد يتذكرهم! تريدون تعليم السوريين الصلاة، وهم يصلون على شهدائهم يومياً! تريدون أن تعلّموهم الدين، ومشايخكم كانوا، وما زالوا، يقصدون الشام لطلب العلم والدين! تريدون أن تعلموهم الهداية وهم ومنذ اليوم الأول لم يقولوا سوى (يا الله ما لنا غيرك يا الله)! قتل أحد عشر ألف طفلاً سورياً… أرسلوا إليهم مطوياتكم أكفاناً.

التعليقات متوقفه