ذهنية النكران والتنكّر – أحمد اليوسف

ذهنية النكران والتنكّر

149655_362266680528668_1049849238_n

أحمد اليوسف

يقول دوك دي ليفيس: “باعترافنا بأخطائنا نضع الصواب في الحاضر والخطأ في الماضي”، وثقافتنا العربية الإسلامية جعلت من الاعتراف بالخطأ فضيلة. ويبدو أنه ما من سبيل للسير في صراطات الصواب، بدون عمليات اقترافٍ للخطأ واعترافٍ به؛ إذ إنه ما من صواب، بدون عمليات تصويب. وعلى الرغم من بداهة ارتباط الصواب بالاعتراف بالأخطاء، فإن هذه البداهة فاتت كل أحزابنا السياسية في سوريا، من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها؛ فبقيت هذه الأحزاب تغوص، حتى يومنا هذا، في ادعاءات العصمة السياسية والعفة الأخلاقية.

ولأنه من الصعب إعادة تصويب حزب البعث الحاكم الذي يبدو أنه تجاوز في جرائمه عتبات النقد وممكنات الإصلاح، فسأختار، كمثال على حالة النكران والتنكر، حزب الإخوان المسلمين الذي يليه في كم النكران، والذي لا يزال لديه، حتى الآن، بعض فرص الإصلاح والاعتراف بأخطائه الأكثر من كثيرة، في تاريخ صراعاته المستميتة على السلطة.

لم يستطع حزب الإخوان المسلمين أن يقوم بقراءة نقدية واحدة، لا لطروحاته السياسية، على الصعيد النظري، ولا لتجاربه المتخومة بالنكسات والانتكاسات، على صعيد التطبيق. وبدلاً من أن ينتهج النقد في سبيل تجاوز الماضي الفشلي، فضّل شيوخ الحزب التنكّر (بمعنيي التنصل والتقنع)، عبر لعب دور الضحية، ليكون التنكّر رفضاً للاعتراف بجانب من المسؤولية الجسيمة التي راح ضحيتها آلاف السوريين الأبرياء، في مجازر جماعية في حماة التي تحولت حينها إلى ركام.

لقد كان الإخوان المسلمين سبباً من أسباب المجزرة، ومع هذا اكتفوا بالقول إنهم جرّوا جراً إلى فخٍ محكمٍ كانوا ضحيته. ولازالوا يستمرون، إلى اليوم، في إحياء ذكرى مجزرة حماة، كمن يشحد على حسابها رصيداً سياسياً ومالياً، متقنِّعاً بدور الضحية، على الرغم من أن أول من اتهم الحزب بالتخلي عن حماة التي ماتت بسببهم، هم أعضاء الحزب نفسه الذين ماتوا في تضحيات مجانية. من لا يعترف بالخطأ يضع أخطاء الماضي بالحاضر، ولهذا مازالت خطاياهم راهناً مستفحلاً، طالما أنهم لازالوا يستثمرون دم ضحايا مجزرة الأمس مضيفين إليها مجازر اليوم. وعلى الرغم من أن حياة الحزب قد تحولت، بعد خروج قادته من سوريا، إلى حياة وقت فراغ، فإنهم لم يستثمروا أوقاتهم الفراغية تلك في كتابة مشروع سياسي لحزب يقدم نفسه على أنه حزب أمةٍ. ولم يستطع متفرغو الحزب تأليف كتاب نقد واحد، ولا حتى تأليف كتاب أدعية، بل استمروا في إخراج وريقات على شكل بيانات وإعلانات لا تصلح لأن تتلى في حفلة طهور! وهكذا بقي الحزب/الضحية يضفي، بفراغات مشروعاته السياسية، المشروعية على سلطة البعث العسكري، الند اللدود الذي كاد، لولا ثورة “الموت ولا المذلة” الشعبية الراهنة، أن يتحول، بفضل فراغ البديل، إلى سلسلةٍ لا متناهيةٍ من الأبديات من الأب الى الابن فابن الابن.

“هذا كان دائماً نهجنا، لا زالت مواقفنا ذاتها، ولازالت مبادئنا ثابتة”، بهذه المفردات وبهذه اللغة الحجرية لازال يدافع أصحاب الذهنيات السباتية عن مشاريع العصمة التي تصدق دائماً وتنجح دائماً، في حين أن الواقع هو من يخطئ ويفشل دائماً!

لقد قدمت الثورة السورية في انقلابها على نظام النكران فرصةً تاريخيةً للاعتراف وللمصالحة مع المجتمع الذي سئم من التمثيل عليه شعاراتياً، فالاعتراف بالأخطاء يضع الحق حاضراً لمن يريد أن يخرج من عصمةٍ غارقةٍ في ماضوياتها الثابتة إلى حد التعفن؛ ولهذا بات ضرورياً التخلص من أمراض الصواب الذي لا يصوّب؛ فهل ستستثمر هذه الفرصة أحزابنا الغارقة في أخطائها وخطاياها؟ وهل سيستثمرها حزب الإخوان المسلمين الذي كان سبباً من أسباب خضوع سورية لأبدية حكم سلطة البعث العسكري ذي الرسالة الخالدة؟

التعليقات متوقفه