الزواج: حلم استقرار يبدّده الواقع – صبا جميل

الزواج

حلم استقرار يبدّده الواقع

صبا جميل

إن الحرب الطاحنة التي تدور رحاها على أرض الوطن وفي كل بقعة من بقاعه جعلت كثيراً من الرغبات المهمة والحيوية موضوعاً من غير المقبول التحدث عنه في الوقت الراهن ولابد من إرجائه ريثما تنتهي معاناة الوطن.

وبات من المستهجن أن تسمع حتى في جلسات الصبايا التي لا تخضع عادة لضوابط الحديث من حيث العمق والأهمية (فعندما يقول الناس “حديث نسوان” يقصدون به حديثاً تافهاً) التفوه بمشاعر بدهية من قبيل “أنا أبحث عن الحب” أو “سيفوتني قطار الزواج طالما سيبقى  الوضع على ما هو عليه” … بل على العكس أصبح ينظر للمتحدثة به على أنها أنانية لا تفكر إلا بنفسها أو منفصلة عن قضايا وطنها.

وبين نار الحرب الدائرة التي لا نهاية قريبة لها على ما يبدو، وحلم الفتاة في إقامة عرس كبير يضم الأهل والأصدقاء ويتم بمباركة الجميع، تعيش الشابة السورية حالاً من الصراع والترقب الطويل.

13 A4

رنا فتاة في السابعة والعشرين من العمر ترى إن الزواج هو استمرار للحياة وبه سوف تحارب استمرار الموت الذي يحيط بنا من كل جانب، لذلك فهي أقدمت على خطوة الخطبة منذ أشهر وستقيم عرسها قريباً، وتتابع رنا: صحيح أن هناك تشديد أمني كبير على صالات الأفراح، وصعوبة في تنقل موكب العرس في الشوارع ولكن من الممكن الاستعاضة عن ذلك باحتفال صغير يقام في أحد البيوت الكبيرة في الحارة، ويضم قليلاً من الأقارب، وهذا يكفي لأن الحزن لا يجب أن يلغي الفرح، والحياة يجب أن تستمر بأي شكل.

أما بيان فتقول: أنا في الثانية والعشرين من العمر وحتى لو أصبح عمري اثنين وأربعين فلن أقدم على الزواج طالما أن بلادي تعيش تحت وطأة القتل أو التهديد في أية لحظة بالاعتقال أو التشريد. ليس تعاطفاً مع بلدي فقط بل لأن الزواج يحتاج إلى استقرار؛ الشيء غير المؤمن في سورية اليوم بأي منطقة منها.

وتحدثنا أم رامي عن معاناتها فتقول: ابني مهندس غادر البلاد نتيجة الأحداث، ويعمل حالياً في إحدى دول الخليج براتب جيد، ولكنه يعاني من وحدة كبيرة، فعرضت عليه أن أبحث له عن عروس من الشام لتذهب لعنده وتخفف عنه غربته، ولكن ذلك لم يكن ممكناً فالحصول على “فيزا” للعروس كان أشبه بالأمر المستحيل في ظل الحصار الذي تقوم به معظم تلك الدول على المواطنين السوريين.

ضمن تلك الظروف تصبح رغبة الفتاة في الاستقرار مع شخص مناسب حلماً بعيد المنال، ومع اختلاف الآراء تبقى التعقيدات الجدية أكبر من أن تُلخص بالرغبات أو حتى بالاستعداد للوقوف في وجهها، فسعر غرام الذهب يرتفع كل يوم مع انخفاض قيمة الليرة المتسارع، وأسعار آجارات المنازل ارتفعت خمسة أضعاف عما كانت عليه في السابق، ونسبة البطالة بين الشبان ازدادت بشكل مخيف كما هي لائحة المطلوبين لأفرع المخابرات وأمن الدولة التي أصبحت تحوي مئات الألوف من أسماء شبابنا.

التعليقات متوقفه