معرض السلاح في الوطن المستباح – يُمنى محمد الخطيب

معرض السلاح في الوطن المستباح

يُمنى محمد خطيب

لم نتخيل يوماً أننا سنرى جندياً معه سلاح، يسير في المدينة وكل شيءٍ مباح، فتفاوتت مخاوفنا بداية من الجندي والبندقية، إلى أن وصلنا للأسلحة الكيماوية، وهذه هي قصتنا المأسوية.

بيني وبين المدرسة عدة أمتار، رأيت جنوداً نحوي يهرولون، اندفاعهم سريع ومجنون، عندها ظننت أنني المختار، فخلعت عني مشية الوقار، وركضت كما يركض الصغار. أين هي العداءة غادة شعاع؟ ليتها كانت هنا لتراني، متأكدة أنها لن تتجرأ وتتحداني.

بدايةً كان أزيز الرصاص يشعرنا بالدوار، ومن المستحيل أن تفتح معنا أي حوار، فنحن في حال من عدم الاستقرار. نرى الدنيا بأسرها تنوح، والملائكة تتهيأ لقبض الروح. وعندما تتحرك الدبابات، ترى الناس في الشوارع يركضون وهم مشتّتون، لا ترى من وجوههم المصفرَة إلا عيونهم المتّسعة كأفلام الكرتون، فعمليات التمشيط قادت الكثيرين إلى السجون، ومن نجا منهم استعمل كحاجز بشري، وأجبر على تفكيك لغمٍ أرضي، وتابع حياته مصاباً بمرضٍ نفسي.

وفي أحد الأيام كنا في حصة دراسية، فسمعنا أصوات مخيفة وقوية، صرخ الجميع مروحية! ركض المدرس مسرعاً، وسرعان ما عاد مطمئناً: دبابة، فتنهد الجميع وقالوا: الحمد لله نعمة إلهية! في هذا الوقت غدا صوت الرصاص كموسيقى روميو وجولييت، فما عدنا نخافه بل أصبح جزءاً من الإيتيكيت.

وأخيراً وليس آخراً، قُصفنا بالقذائف المدفعية، التي تقصدنا من أماكن قصية، وبين صوت خروجها وصفيرها ونزولها لحظات تحبس الأنفاس، وتبلّد الإحساس، فإما تعيد لك أنفاسك، أو تأتيك وتنهي حياتك.

أما راجمات الصواريخ فتفوق القذائف سرعة، تأتينا على أكثر من دفعة، يطير فيها جزء من قدراتك العقلية، لكنها لم تنسينا رغبتنا بالحرية.

لم نعد نغني مع فيروز “طيري يا طيارة”، بل صرنا نقول: انفجري يا طيارة، لأنها لم تعد تفارق الأجواء، وترى العيون شاخصة للسماء، وكأن أهل المدينة جميعاً أصيبوا بالغرور والكبرياء.

مخترع السكود يعشق النقل السريع، فلا يريدك أن تخاف أو تضيع، أنت الآن هنا وبسرعة تصل للآخرة، يريدك أن تصل للجنة وتشعر بفرحة غامرة!

ولم نكن نعرف الأسلحة السامة والكيميائية، وكنا نظن أنها مبيدات حشرية، فإذا بنا نحن الضحية، نختنق بمبيدات بشرية، يستخدمها المجرم لمكافحة كلماتنا الثورية، التي تنهال عليه كاللسعات، وتقضّ مضجعه فلا يرتاح في سبات.

حقاً نظامنا ممانع، ولديه الكثير من المدافع، ليمنع الإرهاب خصوصاً عن إسرائيل، فالشرط الوحيد لتخلي الحاكم عن كرسيه هو قدوم عزرائيل. وهو الذي قال: المروحيات لإنزال المعونات الغذائية، والمظاهرات لدعاء الاستسقاء للأراضي الزراعية، وكل من أتقن التصفيق مرشح للمجالس المحلية، وبات لدينا الكثير من الأحزاب ولكن كلها بعثية، ورجال المقاومة هم المرجعية، والأزمة حلّت في يوم وعشية، وبشار قائد نهضة اقتصادية، وهو للأبد رئيس للجمهورية، … حقاً إنها مسرحية هزلية!

011

التعليقات متوقفه