بدونكم وبدوننا – منى إدريس

بدونكم وبدوننا

منى إدريس

في الخامس عشر من شهر آذار منذ سنتين حطّم أطفال درعا بأظافرهم الطرية جدار صمتنا الذي كمَّ أفواهنا خلال أربعين عاماً من حكم الأسود.

أربعون عاماً من الانهزامية والسلبية والخنوع؛ كان الذل فيها زادنا اليومي، وهمنا الوحيد هو السعي وراء لقمة العيش لصعوبة الحصول عليها. كانت القوانين التي تحكم حياتنا هي: “للحيطان آذان” و “امشِ الحيط الحيط وقل يا رب الستر” و “الإيد اللي ما بتحسن بتعضها بوسها وادعي عليها بالكسر”.

وقرر الشعب أخيراً قطع اليد الظالمة بدل الدعاء عليها بالكسر، فخرج شباب كفرنبل طالباً حريته وحقوقه المسلوبة، داعماً لدرعا وأطفالها، صارخاً بكلمة الحق التي أخافت الظالم وزلزلت أركانه.

خرج شبابنا وشيبنا مُهدَّدين بالاعتقال والقتل في كل لحظة أثناء التظاهرات السلمية، مشردين وعائلاتهم خوفاً من انتقام جيشنا العقائدي الذي لا يرحم، تاركين أعمالهم ومصالحهم ووظائفهم التي تؤمّن قوت عائلاتهم خلف ظهورهم ينشدون مستقبلاً أفضل، جمعتهم كلمة واحدة وقلب واحد فأحبّهم الناس وناصروهم.

وبجهودهم وتضحياتهم تم تحرير مدينتنا، فطُوِيَت بذلك حقبة الخوف التي أقعدت الكثيرين عن اللحاق بركب الثورة، وكانت نتيجة هذا التحرير العديد من الشهداء ودمار هائل أحدثه قصف الطائرات الانتقامي بمؤسسات كفرنبل وبناها التحتية.

فكان لزاماً علينا إعادة بناء كفرنبل المحررة، ولأجل ذلك تمّ تشكيل مجلس محلي ضمّ العديد من مثقفي كفرنبل، الذين اكتفوا بإشعار الثوار أنهم عجزوا عن قيادة المرحلة وأنهم لم يجدوا غنى عن ثقافتهم وشهاداتهم، مما أشعر الثوار أن ثورتهم سُرِقت منهم وأنهم هُمِّشوا بعد أن كانوا محور أحاديثنا وأدعيتنا وبدأت التناحرات تحفر قبر مجلسنا المحلي يوماً بعد آخر.

وعلى الجانب الآخر لم يعط الثوار الحق لأحدٍ لإتمام هذه المرحلة من مبدأ “وين كنتوا لما كنا بالتيانة” ومعهم الحقّ بذلك فهم من شُرِّدوا وأُحرِقت بيوتهم ولكن ذلك لا يعطيهم حق امتلاك الثورة، فالمثقفون أيضاً دفعوا ثمن حقد النظام؛ فاعتُقلوا وضربوا وهُدمت بيوتهم بقصف الطائرات وبعضهم طُرِد من وظيفته بتهمة تمويل الثورة وربما أصابهم من الأذى ما يفوق ما أصاب الثوار أنفسهم.

لم يبقَ في سورية بيتٌ لم ينله من حقد النظام نصيب، وهذا بحد ذاته لا يعطي الحق لأية فئة لقيادة المرحلة القادمة فحسب؛ بل يجعل من واجب كل منّا أن يساهم في البناء كلٌّ بحسب قدرته ومؤهِّلاته.

الثورة للجميع، وهي أكبر من أن تُختَصر بطبقة اجتماعية أو فئة معينة أو طائفة أومدينة، منذ البداية كان هذا موقفكم… فحافظوا عليه دام فضلكم!

التعليقات متوقفه