الأطفال السوريون يتلعثمون أمام قساوة الحرب – مها الأحمد

بعيون جامدة ووجه مائل إلى الصفرة يحدق أحمد (4 سنوات) بمن حوله رافضاً التكلم أو وصف ما حدث معه على الأقل.

تحاول أمه عبثاً أن تستنطقه، عله يتفوه بأي كلمة منذ ثلاثة أيام، لكن دون جدوى.

المرشد النفسي “جهاد” رد سبب ذلك إلى صدمة نفسية أصابته أثناء القصف حين تهدم منزله فوق عائلته.

أحمد وغيره كثير من الأطفال أثرت الحرب عليهم وعلى صحتهم النفسية بشكل مباشر بسبب أجواء الخوف والقصف  العشوائي المستمر، الذي تتعرض له المناطق المدنية والسكنية في المناطق المحررة، فحرمتهم أحيانا من قدرات عديدة وأثرت عليها  كالنطق والكلام.
والدة أحمد تسرد ماحدث لـ”الغربال” سمعنا صوت الطائرة الحربية ضربت  في مكان ما من المدينة، وعندما هممت بالخروج مع أطفالي من المنزل إلى قبو جيراننا المقابل ليختبئ الأطفال فيه، لكن الوقت لم يسعفنا، وسقط أحد جدران البيت فجأة وامتلأ المكان حولنا  بدخان أسود كثيف مع رائحة بارود قوية تتابع أم أحمد “لقد هرع الناس لإسعافنا أصيب أفراد عائلتي بجروح ماعدا أنا وأحمد بقينا سالمين ولكني لم أعلم بأن حالة أحمد النفسية ستتأزم الى درجة أنه سوف يمتنع معها  عن النطق والكلام.
المرشد النفسي جهاد خطيب وهو أخصائي نفسي  عمل في مركز فصيح السابق  يوضح  أن للخوف تأثير مباشر على آلية النطق عند الأطفال وخصوصاً، من هم تحت سن السابعة من العمر، حيث أن جهاز النطق لم يكتمل بشكل كامل في السنوات الأولى من العمر ليأتي الخوف والقلق وعدم الشعور بالأمان فيعرقل عملية النطق قبل اكتمالها يوضح جهاد السبب الرئيسي لانقطاع أحمد عن الكلام فيقول ” في دراسات عديده لوحظ وجود خلل في التوصيلات العصبية التي تصل بين دماغ الانسان وبين عضلات النطق في الحالات التي يتعرض فيها الإنسان للخوف، وخصوصاً بعد حدوث الصدمة مباشرة” ولكن جهاد طمأن الى أن أحمد قد يعود للكلام مرة أخرى بعد أن تزول آثار الصدمة من نفسه”.

لم تكتمل فرحة نجلاء (6 2 عاماً) من معرة النعمان بنطق ولدها الصغير جعفر سنتان ونصف  حتى بدأ يتلعثم في الكلام  فجأة بعد أن كان يتكلم بطلاقة تقول نجلاء بعد أن أخضعه  طبيب الأطفال الى فحوصات شاملة وكاملة لم يجد سبب صحي أو عضوي يؤثر على تراجع عملية النطق عنده، وعندما سألني عن إذا ما كان يخاف من شئ محدد عادة، أخبرته بأنه يخاف من صوت الطائرة الحربية.
توضح نجلاء بأن ولدها حين يسمع صوت الطائرة الحربية يبدأ بالصراخ والبكاء ثم يركض نحوها فتقوم بتهدئته ببعض الكلمات، فيما يقول المرشد النفسي جهاد إن “تكرار حدوث الخوف يولد مشاكل في النطق، خصوصاً عند الأطفال ممن هم تحت سن السابعة من العمر وقد تزداد التأتأة أو التلعثم عند هؤلاء الأطفال في حال استمرار حالات الخوف وعدم الشعور بالأمان. نجلاء تؤكد أن ابنها عاد إلى طبيعته وعاد إلى الكلام السليم مع مرور الوقت وكانت الصدفة أن قصف الطيران الحربي خف قليلاً عن السابق بسب حلول فصل الشتاء بحسب نجلاء وبعد أن قمنا أنا ووالده بدور لا يستهان به في التخفيف من دواعي الخوف لديه وأسبابه عن طريق الكلام والإقناع وإشغاله بألعاب كثيرة.
لا يوجد مراكز تهتم بمشاكل النطق وعلاجها عند الأطفال حالياً في المنطقة إلا من بعض محاضرات للدعم النفسي تتم في مراكز الأطفال كمركز ألوان وروضات مزايا وشخابيط وغيرها ولكن محاضرات الدعم النفسي هذه تتم بين الحين والآخر بفترات متقطعة، وقلما تتطرق إلى النطق وبتاريخ 1/6/ 2015 تم افتتاح مركز فصيح لتأهيل النطق في مدينة كفرنبل، قام المركز باستيعاب جميع الحالات في المنطقة حينها، وكان هناك إقبال كبير عليه من كفرنبل والقرى المحيطة بها.
وبحسب الأستاذ علاء الذي كان مدير المركز أن الخدمات التي في المركز كانت تضاهي الخدمات التي كانت موجودة بمدن مثل حلب إلا أنه ولأسباب مجهولة تم إغلاقه  بتاريخ 1/2/ 2016.

وما زال الأهالي يطالبون بإعادة افتتاح هذا المركز بسبب عدم وجود مركز مماثل في المنطقة

لقد قام مركز فصيح بإعداد جدول تقريبي عن نسبة الأطفال الذين يعانون من مشاكل نطقية، وخرجت بنتيجة كالتالي، نسبة الأطفال الذين يعانون من مشاكل نطقية مختلفة يبلغ 4،65 بالمئة من مجموع الأطفال 6بالمئة منها تعود لأسباب عصبية تتعلق بسلامة المخ، و4بالمئة تتعلق بسلامة جهاز النطق ، و5 ,2بالمئة منها تتعلق بالفوبيا والخوف بسبب الحرب والباقي 15، 1بالمئة تعود لأسباب نفسية أخرى.

ويؤكد المدرب والخبير النفسي جهاد الذي كان يعمل في المركز  أن هناك حالات عديدة استقبلت في المركز حينها كان سببها الخوف من الطيران.
“أم يزن” ( 32عاماً) من قرية جبالا جنوب كفرنبل، إحدى النساء اللواتي ارتادت المركز لعلاج ولدها يزن، خمس سنوات حيث قصفت الطائرة أمام بيتها، فظهر عنده تلعثم أثناء الكلام ازداد هذا التلعثم مع تكرار حالات الخوف، توضح أمه أنه أصبح يتوقف عن الكلام نهائيا عند شعوره باقتراب الخطر وتظهر عليه بعض العلامات كاحمرار الوجه، وارتجاف الشفتين والتعرق أحياناً”.

المرشد النفسي جهاد يرجع سبب الأعراض إلى أسباب نفسية تتعلق بالخوف ويفيد بأنه كلما استمر الخوف لفترة أطول كلما ازدادت الحالة تعقيداً وطالت فترة العلاج.

الطفل يزن يقول”عندما سمعت صوت الانفجار الضخم شعرت وكأني غبت عن الوعي للحظات وصرت أخاف من كل شئ حتى من أصوات السيارات بعدها، وظهرت عندي التأتأة، فصرت أتردد في الكلام والحديث مع أصدقائي والآخرين، ولكني الآن أشعر بتحسن بعد أن اصطحبني أهلي إلى مركز العناية بالنطق السابق (فصيح) “.

جهاد مدرب سابق في المركز يتحدث عن كيفية علاج الحالات التي يتسبب بها الخوف من تأتأة وتلعثم في الكلام فيوضح أنهم يقومون بتأهيل الطفل نفسياً قبل المباشرة بإعطائه دروس النطق عبر جلسات نفسية تخصصية، يقوم بها المختص النفسي الاجتماعي في المركز بمعدل ثلاث جلسات أسبوعياً مع سيل من الإرشادات والتعليمات للأهل حول كيفية التعامل مع الطفل في هذه المرحلة، وبعد خلق جو من الأمان والشعور بالراحة والثقة عند الطفل يتم البدء بجلسات نطقية مخصصة مترافقة مع الجلسات النفسية حتى يعود الطفل الى حالته الطبيعية، مع الاستمرار بالجلسات بمعدل جلسة واحدة  أسبوعياً أو شهرياً حتي بعد شفاء الطفل خوفاً من انتكاسته عند تعرضه لحالات خوف شديدة فالمراقبة للطفل مطلوبة وقد تستمر .

سمر (25عاماً) أم لطفلة صغيرة عمرها تسعة أشهر تقول أنها تخشى على ابنتها الصغيرة من أن يتأثر النطق لديها في هذه المرحلة الحرجة من عمرها سيما وأنها تخاف من صوت الطائرة الحربية كما تقول، المرشده النفسية فاتن تخبرها بأن الطفل بعد سن السنه يبدأ بنطق أولى كلماته وفي عمر السنتين تقدر الحصيلة اللغوية لديه بخمسين كلمة وهنا يبدأ بنطق جملة بسيطة، وفي سن الثالثة يبدأ الطفل بالكلام واستخدام الجمل البسيطة ولذلك تنصحها بعدم إظهار خوفها من القصف أمام ابنتها وأن تشتري لها ألعاباً جديدة لتلهو بها، وتحاول تسليتها عن صوت الطائرة بأي شئ.
أخيراً تقول سمر ” لقد أصبح الأطفال الضحية الأكبر في هذه الحرب التي لاذنب لهم فيها في مناطقنا المحررة وأصبحت تؤثر عليهم من جميع النواحي لذلك يجب علينا نحن الكبار تحمل مسؤولية مساعدتهم قدر المستطاع “.

 

 

 

التعليقات متوقفه