الشرطة الحرة حاجة ملحة – محمد الأسمر

 
بعد انتقال الثورة من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة بدأت قوات الأسد بالانسحاب من المدن والبلدات تباعاً, بعض الانسحابات كانت انسحابات استراتيجية وبعضها جاءت نتيجةً لضربات الثوار, وبعد تلك الانسحابات عمت المناطق المحررة حالة من الانفلات الأمني دفعت عقلاء كل بلدة لاتخاذ قرارات مناسبة لضبط الوضع الأمني تطورت تلك القرارات فيما بعد حتى وصلت لمشروع الشرطة الحرة الذي نعرفه اليوم.
مدينة كفرزيتا من أوائل المدن السورية التي تحررت من قوات الأسد والتي أوجدت نوعاً من السلطة البديلة التي نابت عن شرطة النظام لحفظ البلدة وبسط الأمن والأمان فيها.
يقول عبد الناصر الرجب رئيس المركز الأمني في كفرزيتا: “في منتصف 2012 تحررت كفرزيتا, واجتمعت تنسيقيات الثورة في ذلك الوقت، واقترحوا إنشاء مخفر يضم عناصر الشرطة المنشقين في البلدة بهدف حفظ الأمن ومتابعة أمور الناس, وتم تشكيل مخفر في البلدة يضم 32 شرطياً منشقاً، والجميع كان يعمل بشكل تطوعي بينما كنا نحصل على المصروف التشغيلي للمخفر من التنسيقية”.

يتابع الرجب: “لمسنا تعاوناً كبيراً من قبل الأهالي مع عناصر المخفر، وأحرزنا نجاحاً جيداً في موضوع ضبط الأمن في البلدة، لاسيما في الفترات التي كانت تتعرض البلدة بها للنزوح حيث يكثر ضعاف النفوس في تلك الفترات, ومع تقدم سنوات الثورة تم تشكيل محاكم ثورية، وساعدنا تشكيل المحاكم بشكل كبير في عملنا ووسعنا نطاق عملنا وصرنا نعمد لتحويل القضايا التي تردنا إلى محكمة كفرزيتا”.

ويشرح الرجب عن آلية العمل في المخفر قائلاً: “في سنة 2014 تقريباً بدأ تشكيل المجالس المحلية، وبدأ التنسيق بين المخفر والمجلس المحلي وحاول المجلس المحلي تأمين الدعم اللازم لنا من ناحية أجور عناصر المخفر ومن ناحية الكلفة التشغيلية للمخفر، وخلال كل تلك السنوات كان مخفر كفرزيتا مخفراً مستقلاً، لم يرتبط بأي محكمة ولا بأي فصيل على الرغم من حجم العمل الكبير الملقى على عاتق المركز في ظل غياب الأهالي عن بيوتهم، وفي ظل المساحة الكبيرة التي كانت تغطيها خدمات المركز، فقد لعب عناصر المركز دوراً رئيسياً في تقديم الإسعاف للمصابين أثناء القصف، كما كان لهم دور كبير في مساعدة المجالس المحلية والمنظمات في توزيع الإغاثات على مستحقيها, إضافة لعملهم الأساسي الذي يرتكز على الأعمال الأمنية وكل ذلك كان يتم في ظل ضعف الإمكانيات التي بين يدينا، لذا كنا نعتمد على بعض فصائل المنطقة في حال تطلب الأمر مساعدة أو مؤازرة ما”.
وعن الوضع الحالي للمخفر يقول الرجب: “الآن المخفر متوقف لأسباب خارجة عن إرادتنا، ويبلغ عدد عناصره 17 عنصراً, حاولنا التواصل مع الحكومة المؤقتة ومع دوائر الشرطة الحرة في سبيل تأمين بعض الدعم للمخفر لكن دائماً كان يأتينا الرد بالرفض بحجة أن كفرزيتا منطقة ساخنة ولا نستطيع إقامة مركز أمني بها”.
أما الوضع في الشمال السوري فكان يختلف بشكل كبير عن الوضع في بقية المناطقة بسبب التواجد القديم لعناصر الشرطة الحرة والتنظيم الجيد الذي اعتمدوه منذ بداية الثورة، يقول أنس زكور إعلامي مركز حزانو الأمني: “في منتصف سنة 2012 انشقت أغلب عناصر الشرطة الموجودة في المنطقة، وبعد تحرير المنطقة وانسحاب قوات الأسد منها قمنا بتشكيل ما يسمى بالأمن السوري الحر لتغطية الفراغ الأمني الذي خلفه خروج قوات الأسد من المنطقة، وعملنا حتى عام 2014 بشكل تطوعي لحين تشكيل الشرطة الحرة في محافظة إدلب، بعد تشكيل الشرطة الحرة تقدم لنا الدعم اللازم لعمل الشرطة الحرة وحاولنا تغطية الفراغ بشكل كامل”.
يتابع أنس: “تعترضنا بعض الصعوبات أثناء عملنا وأهمها قصف الطيران وما ينتج عنه من حالات الفوضى كما يُعتبر انتشار السلاح بين المدنيين من أهم الصعوبات التي تعترض عمل الشرطة الحرة في ظل غياب أي وسيلة لضبط السلاح الموجود بين المدنيين”.
ويضيف أنس: “علاقتنا بالفصائل العسكرية جيدة ونحن على مسافة واحدة من جميع الفصائل، ونطلب دعم ومؤازرة الفصائل في بعض الأحيان وخصوصاً حين تعترضنا قضية متعلقة بعصابة مسلحة”.
ويرى مراقبون أن عمل الشرطة الحرة تطور بشكل كبير خلال سنوات الثورة حيث بدأ بمخافر ثورية تعمل بشكل تطوعي وانتهى اليوم إلى مؤسسة متكاملة تضم عدداً كبيراً من الفروع والأقسام، يقول النقيب عبد الرحمن البيوش معاون رئيس فرع الإعلام في شرطة إدلب الحرة: “بعد تحرير عدد من المناطق في ريف إدلب ظهرت الحاجة لإنشاء مراكز تقوم بضبط الأمن والأمان في المناطق المحررة, فقام مجموعة من الضباط وصف الضباط والعناصر المنشقين بتشكيل نواة لمخافر شرطة في تلك المناطق, وتم تأسيس عدد من المخافر في ريف إدلب الجنوبي وتزامن هذا العمل مع تشكيل ما يسمى  بالأمن الحر في ريف إدلب الشمالي”.
يضيف البيوش: ” في بداية الأمر كان العمل بشكل تطوعي مع وجود دعم محدود من قبل المجالس المحلية، مع وجود تنسيق على مستوى عالٍ بين المجالس المحلية والمخافر الأمنية، وفي عام 2014 تشكلت شرطة إدلب الحرة وقامت عدد من الدول الصديقة لثورة الشعب السوري بدعم هذه المؤسسة بالأدوات اللوجستية والإعانات المادية التي تمكن عنصر الشرطة من القيام بعمله، وقد تم إحداث عدد من الأفرع المختصة كفرع العمليات والتدريب والإشارة والمرور والإعلام إضافة لتشكيل مكتب البحث الجنائي”.

ويتابع البيوش: “يبلغ عدد عناصر الشرطة الحرة قرابة 1400عنصر بين ضابط وصف ضابط وعنصر شرطة يتوزعون على 33 مركزاً, ونحن نسعى بشكل جدي لإنشاء مراكز جديدة في البلدات التي يعتبر تواجد الشرطة فيها حاجة ملحة”.

ويقول البيوش: “لا تقتصر أعمال شرطة إدلب الحرة على مكافحة الجريمة فقط، لأن شرطة إدلب الحرة تعتبر شرطة مجتمعية تهدف لنشر التوعية بين كل فئات المجتمع كما تقوم بعمليات تنظيم السير ضمن المدن إضافة لقيامها بالأعمال الخدمية, وعلى سبيل المثال تمكنا في عام 2016من تنفيذ 49 مشروعاً خدمياً توزعت على الشكل التالي: تعبيد وتزفيت طرقات 20 مشروعاً، إنارة طرقات عامة 13 مشروعاً، تركيب صفارات إنذار4 مشاريع, إضافة لافتتاح قرابة 11 مشروعاً تدريب مهني”.
ويرى عبد الرحمن أن: “أهم المعوقات التي تعترض عمل المديرية هي افتقار الكثير من المناطق لمراكز الشرطة الحرة مثل منطقة جبل الزاوية وسلقين وحارم وسنجار مع العلم أن هذه المناطق تعتبر مناطق كبيرة وذات امتداد واسع وهي بحاجة ماسة لإقامة مشاريع الشرطة الحرة، كما أنَّ قلة عدد العناصر في المراكز الشرطية يعتبر من أهم المشاكل التي تعترض عمل الشرطة في ظل افتقار تلك المراكز للسلاح اللازم للقيام بمهامهم وتزامنا مع انتشار السلاح بشكل كبير بين المدنيين، ويعتبر غياب الجسم العسكري الموحد والجهة القضائية الواحدة من أهم المعوقات التي تواجه عمل الشرطة الحرة”.

ويختتم البيوش بقوله: “ومن الجدير بالذكر أننا قمنا مؤخراً بإنشاء فرع التدريب، وهو فرع مختص بتأهيل وتدريب الكوادر المنضمة لشرطة إدلب الحرة ويشرف على الفرع عدد من الضباط المختصين. وقد قمنا بعدة دورات في مجال مكافحة الجريمة وكشف العملات المزورة ومكافحة المخدرات وتنظيم مسرح الجريمة ولدينا مركزين يتبعان لفرع التدريب مركز في أطمة شمال إدلب ومركز في كفروما بالريف الجنوبي، وتقف الشرطة الحرة على الحياد من جميع الفصائل وتقف على مسافة واحدة من الجميع لأن تلك الفصائل تعتبر جزءاً من المجتمع ومن واجبنا أن نقوم بخدمة جميع مكونات المجتمع، وكثير من الأحيان نستعين بإحدى الفصائل العسكرية بهدف إلقاء القبض على مجرم مسلح أو مواجهة عصابة مسلحة بسبب قلة السلاح المتواجد عند عناصر الشرطة الحرة”.
هذا ويعتبر اليوم وجود الشرطة الحرة في المدن حاجة ملحة في ظل الازدحام السكاني الذي تعيشه المحافظة وحالات النزوح التي تزيد الكثافة السكانية في بعض المناطق, وبمقارنة بسيطة نرى أن نسبة الجريمة في المناطق التي تتواجد بها الشرطة الحرة أقل بكثير من المناطق التي لم تتم تغطيتها حتى الآن.

التعليقات متوقفه