الفساد الاقتصادي في سوريا يبدأ من القانون – عامر عبد السلام

 

 

ارتبطت حالة الفساد المستشري في سوريا بالقوانين بعلاقة غير الواضحة بالنسبة للكثيرين، إذ تحتاج القوانين بشكل مستمر إلى تفسير وتعليمات تنفيذية، وبالنهاية تطبيق كل ما سبق على أرض الواقع.

قبل أيام اعترض بعض صناعيي سوريا على عدم تفعيل مرسوم تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 50 % على المواد الأولية ومدخلات الإنتاج اللازمة للصناعات المحلية، المرسوم الذي تلى مرسوم إعفاء جميع الآلات الصناعية المستوردة من الرسوم الجمركية بنسبة 50% أيضاً، أي يحاول كلا صناعيي دمشق وحلب البحث من خلالهما عن منفذ لتنفيذ المرسوم، فيما يحاول مسؤولي الحكومة الحالية مسكه وتقييده.

المحامي سامر القاسم قال معقباً عن المشكلات السابقة، أن الكثير من العقبات يقع بها منفذوا القانون، فحينما تصدر القوانين بلا تعليمات تنفيذية، تدخل الجهات التنفيذية في حيرة لا تنتهي، ورغم أن بعض القوانين لا تحتاج لهذه التعليمات، إلا أن القوانين الاقتصادية، ولدخولها بالكثير من التفاصيل الصغيرة، تحتاج إلى التعليمات التنفيذية التي يجب أن تُدرس وتُوضع مع القانون نفسه، وتصدر مع القانون جنباً لجنب، كي لا تقع التفسيرات المغلوطة، ولا يُستغل تنفيذ مواد القانون أي مستفيد.

ولفت المحامي القاسم إلى أن كافة القوانين المختصة بالعمل الاقتصادي تتسم بالمرونة وتتغير بتغير التوجه الاقتصادي للدولة، ففي الوقت الذي تعيش فيه الدولة حالياً حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي أو الفوضى الاقتصادية، يُعد تأخر التعليمات التنفيذية حالة مطردة لعدم الاستقرار ومقصودة مع سوء نية من الجهات المصدرة للمرسوم، ما يؤدي لاستفادة الكثير من المتنفذين لهذا التأخير، منوهاً إلى أن المشاكل الاقتصادي ليست وليدة اللحظة، بل هناك الكثير من هذه المشكلات القانونية بدأها الاقتصاد السوري حينما تحول من نظام اشتراكي، إلى النظام المفتوح، أو حسب مقولة مسؤولي الفترة السابقة اقتصاد السوق الاجتماعي!.

فيما اعتبر الخبير الاقتصادي عبد الحميد عثمان أن مرسوما التخفيض أتيا لمساعدة المواطن السوري في الداخل، حسب وصف المنظومة الحاكمة في دمشق، أي من المفترض تفعيل هذان المرسومان والبدء بالعمل بهما منذ لحظات صدورهما، لكن على أرض الواقع يختلف التطبيق، فمجرد صدور المرسوم، تأخذه الجهات الوصائية، ومنها للجهات التنفيذية، والكل يطالب بالتعليمات التنفيذية، وحتى لو صدرت هذه التعليمات، يعد إغراق الحالة الاقتصادية السورية بالتفاصيل التي لا تنتهي والتي تعيشها الدوائر الحكومية تجعل من التطبيق شبه مستحيل.

وأضاف عثمان، إن أخذنا الدوائر الجمركية فقط، فهي تلغي أو  لا تفعل أي مرسوم لا تستفيد منه، أو لا تجد له منفذ للاستفادة، فمرسوم تخفيض المواد الأولية، والذي لاقى مزيداً من الاعتراضات من صناعيي حلب، لاستغلال التجار لهذا المرسوم كالعادة، لم تحاول الدوائر الجمركية وقف التلاعب بالمرسوم، بل اعتبرت الأقمشة التي يستوردها التجار، عبارة عن مادة أولية، تضرب من خلاله صناعيي الأقمشة الذين يستوردون الخيط، والاستفادة المالية تُقسم بين الدائرة الجمركية والتجار، ليدفعها المواطن السوري.

فيما يتابع المحامي القاسم أن المرسوم لابد من متابعته من الجهات الرقابية، وفي مثل هذه المراسيم الجهات الرقابية هي وزارة الاقتصاد ووزارة الصناعة، ومديريات التموين والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، لكن هذه الجهات ومنذ سبع سنوات، وما قبل الصراع السوري، لم تستطع أن تضبط السوق، ولم تستطع أن تضع آليات رقابية وعقابية للمخالفين زمن الاستقرار الاقتصادي، حسبما وصفت الدوائر الحكومية، فكيف ستستطيع أن تضبط السوق في حالة الفوضى، وانتشار المظاهر المسلحة، وإغلاق المعامل وقطاع الطرق وغيرها.

 

بعد شهر ونص

وضعت وزارتا الاقتصاد والتجارة الخارجية والصناعة الآلية التنفيذية الجديدة بعد شهر ونص للمرسوم رقم 172 لعام 2017 القاضي بتخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 50% على المواد الأولية ومدخلات الإنتاج اللازمة للصناعات المحلية وفق ضوابط وأسس تنعكس إيجاباً على سير العملية الإنتاجية والصناعية التي عانت من إرهاب المجموعات التكفيرية المسلحة التي استهدفت وبشكل ممنهج البنية التحتية للقطاعين العام والخاص على حد سواء، وعلق الخبير المحامي القاسم بأن هذه التعليمات التنفيذية كان لابد لها أن تخرج بالتوازي مع المرسوم.

 

انخفاض ورقي وكلام اقتصادي

منذ أن صدر المرسوم، وحتى تفعيله، لم تشهد السوق السورية أي حالة انخفاض في الأسعار، أو ارتفاع في قيمة العملة السورية، أو أي حالة اقتصادية ملموسة، وإنما استمرار لحالة عدم الاستقرار التي عشناها ومازلنا، حسب وصف المحلل الاقتصادي سعيد الشامي، إذ افترض أن المراسيم السابقة حقيقية، فلابد أن تنخفض نسبة الـ 30 % من قيمة الأسعار وسطياً، لأن المواد الأولية المعفاة تدخل ضمن مرسوم الإعفاء، وما نجده في السوق أن الصناعيين يبحثون عن مصادر لتعويض خساراتهم من خلال ثبات الأسعار بما هي عليه وارتفاعها في بعض الأحيان، مع تسهيل تأمين احتياجاتهم من المواد الأولية المطلوبة، ليعتبروا ذلك ربحاً تجارياً صافياً لهم.

وأضاف الشامي إن المواد الأولية التي كان إيجادها صعباً في الأحوال السابقة، أصبح في الوقت الحالي ميسراً، طبقاً للمرسوم، وعليه فالمواد الأولية تشكل أهم عنصر من عناصر التكلفة المتغيرة في عملية الإنتاج، وارتفاعها أو انخفاضها يشكل الحصة الأكبر من التكاليف الكلية، وإن تحدثنا عن دورة السلعة الصناعية، من لحظة استيرادها إلى صناعتها وبيعها في المحال التجارية، فنحن نتحدث عن ثلاثة أشهر بأعلى تقدير، أي لابد أن نشهد في هذه الفترة انخفاضاً واضحاً في أسعار السلع المصنعة محلياً، وبالتالي انخفاض المستورد لتأثير المحلي عليه ومضاربته له في السوق.

 

أرقام متضاربة

قدر اتحاد غرف الصناعة السورية الأضرار التي لحقت بقطاع الصناعة السورية في جميع أنحاء سورية بنحو 100 مليار دولار، منذ سبع سنوات وحتى الآن، فيما قدرت وزارة الصناعة السورية الأضرار حتى حزيران الماضي بنحو 212 مليار ليرة سورية (380 مليون دولار) منذ بداية الصراع السوري، وأصدرت الصناعة تقريراً بينت فيه أن الأضرار المباشرة التي لحقت بمؤسساتها وشركاتها والجهات التابعة نتيجة الاعتداءات والعقوبات الاقتصادية بلغت نحو 99.426 مليار ليرة (180 مليون دولار)، أما الأضرار غير المباشرة وصلت لنحو 113.352 مليار ليرة (190 مليون دولار)، وفي تقارير إعلامية رسمية قدرت وزارة الصناعة أرقام خسائر القطاع العام بنحو ترليون ليرة سورية، ومثله للقطاع الخاص، أي نحو ترليونين ليرة سورية.

وعارض وزير الصناعة في حكومة دمشق كل الأرقام السابقة، إذ قال أن الخسائر الصناعية بلغت حتى تشرين الثاني من العام الماضي نحو 100 مليار ليرة سورية (180 مليون دولار) في القطاع العام الصناعي، و230 مليار ليرة سورية (410 مليون دولار) في القطاع الخاص، أما “المركز السوري لبحوث السياسات” المستقل قدّر في أيار الماضي إجمالي الخسائر التي لحقت بالقطاع الاقتصادي السوري خلال الأعوام الأربعة الأولى فقط من عمر الصراع، بنحو 254 مليار دولار.

وكانت لجنة الإعمار قد وافقت على منح وزارة الصناعة مبلغ قدره 700 مليون ليرة، من أصل 4 مليارات ليرة لإعادة تأهيل الشركات المتضررة من “الاعتداءات” على مستوى المحافظات.

التعليقات متوقفه