الرواية السورية في زمن الثورة.. انعكاس للواقع شكلاً ومضموناً – ابراهيم العلبي

 

 

لطالما وصفت الرواية بسيدة الأجناس الأدبية، لما تتضمنه من أبعاد جمالية وتوثيقية واجتماعية، وقدرتها على توصيل الرسائل العميقة في قوالب لطيفة قريبة من عامة الناس. وفي سوريا كان للرواية أهمية خاصة، بسبب أجواء القمع وكبت الحريات وانعدام حرية التعبير، فكانت الرواية بالنسبة للأدباء السوريين نافذتهم إلى التعبير عن آرائهم بطريقة تفلت فيها من مقص الرقيب.

وفي زمن الثورة السورية، شهدت الرواية إقبالاً محموماً من قبل الروائيين السوريين، سواء جيل الرواد أو الجيل الجديد، في محاولة منهم لمواكبة الحدث العظيم وحكاية تفاصيله وتوثيقها للتاريخ. وعلى الرغم من النقد الموجه للرواية السورية التي ركزت على موضوع الثورة، فإن النقاد مجمعون على الإعجاب بحجم إقبال الكتاب ولا سيما الشباب على الرواية بوصفه فناً ثورياً، حيث سجل بعض الناقدين صدور قرابة 50 رواية في هذا الصدد.

المترجم والناقد السوري جمال شحيد يرى في تصريحات سابقة أن رواية الثورة السورية “مدهشة من ناحية الكم”، مسجلاً ظاهرة بروز نجم الشباب في هذا المضمار، مقراً في الوقت نفسه بإظهار الجيل السابق “نشاطاً لافتاً” كما هو الحال مع فواز حداد ونبيل سليمان وخالد خليفة وخليل صويلح وروزا ياسين حسن وسمر يزبك وآخرين.

وفي تقييمه للروايات المكتوبة في موضوع الثورة لا سيما من قبل الجيل الجديد، رأى شحيد أنه ثمة محاولة للكتابة بناءً على معطيات توثيقية تحظى بالصدقية، محورها الحدث السوري أو المأساة السورية. مضيفاً أن “بعض هذه الروايات ناجح ومتميز، وبعضها فيه عواطف جياشة ومكتوب بتقنيات فنية متواضعة”.

أما الكاتب والناقد مصطفى الولي، فيرى في مقال له، أنه ثمة زاوية للشبه بين الحدث “الثورة الشعبية العفوية” والكم الكبير للروايات الصادرة بأقلام كتاب سوريين، ففي الملمح الرئيس للثورة أنها عبَرت عن تعطش الناس للحرية والخلاص من الاستبداد؛ فشاركت أكثرية الشعب فيها، دون تخطيط مسبق، وكما غابت عن ميادين الثورة نخب، كان المأمول أن تكون في الخط الأمامي للاحتجاجات، وأصبح الجيل الجديد يحتل المشهد العام، وكانت صعوبة المخاض وتعقيداته، غاب عن المنتج الروائي الذي موضوعه الثورة، العدد الأكبر من جيل “الرواد”.

ويضيف الولي أنه ظهرت أسماء شابة جديدة، حاولت تقديم روايات تنتمي إلى الثورة، شكلًا ومضمونًا، وتستمد من انحيازها الفكري للثورة وأهدافها طاقة للكتابة، وبعضهم لم تسعفه خبرته في إنضاج شروط الكتابة الروائية؛ حتى تولد ناضجة ومبنية.

مصطفى الولي يقدم لنا في هذا الصدد ملمحاً مهماً من ملامح الرواية السورية المتعلقة بالثورة، وهي الكتابة بنفس توثيقي بالدرجة الأولى، وذلك لأن الكاتب يكتب روايته غالباً من قلب الحدث وهو منغمس في تفاصيله ومتأثر بتفاعلاته. ويوضح الناقد الولي أن الروايات العالمية – وبعضها عربي- ذات الصلة الموضوعية بالحروب والثورات، التي لاقت الاهتمام الكبير، وبقيت خالدة على تعاقب المراحل ولمختلف الأجيال، تلك التي كتبها الروائيون بمسافة زمنية بعيدة عن الأحداث الكبرى. مستشهداً برواية “الحرب والسلام” لتولستوي بعد أكثر من نصف قرن على فشل الغزو النابوليوني لروسيا. والأمر ذاته في روايات الحربين العالميتين، مثل “لمن تقرع الأجراس” لأرنست همنغواي.

وفيما يلي مراجعة وجيزة لأبرز 8 روايات من بين الروايات التي تقارب الخمسين الصادرة لكتاب سوريين خلال 6 سنوات من عمر الثورة السورية.

  • أيام في بابا عمرو – عبد الله المكسور

صدرت عام 2012 وتعد من بواكير الروايات التي تناولت موضوع الثورة، وهي الأولى على الإطلاق من حيث التفاصيل الدقيقة التي سردتها لا سيما في بدايات الحدث الثوري.

استمد الكاتب روايته من قصته الشخصية مع الثورة، حيث يقرر الكاتب وهو صحفي العودة إلى سوريا لينجز أفلاماً وثائقية عن الثورة، لكنه يعتقل على حاجز تابع للنظام وهو في الطريق إلى بلدته. يرصد الكاتب مشاهداته وعذابات المعتقلين في فرع المخابرات الجوية بحمص، وبعد مدة من الاعتقال يخرج ويصل إلى منطقة بابا عمرو في مدينة حمص، حيث يقضي أياماً تستعرض الرواية تفاصيلها الدقيقة، وتنقل عدداً كبيراً من المشاهد المتصلة بالحرب وبأطرافها.

  • لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة – خالد خليفة

تحكى هذه الرواية حالة التفكك التي يعيشها المجتمع السوري منذ تولي حزب البعث الحكم في سوريا، وهي الحالة التي حتمت اندلاع الثورة عام 2011. يحكى الكاتب قصة أسرة سورية تمظهرت فيها حالة التفكك تلك، بداية عندما هجر الزوج هذه الأسرة، ثم بدأت حالة اللامبالاة من قبل زوجته تجاه أبنائها، وفي ظل وجود أخيها الشاذ، تنحرف البنت لتتطوع في صفوف جيش النظام لتصبح أداة قتل في يده مثل الكثيرات غيرها.

ويشرح المؤلف من خلال أحداث الرواية يشرح كيف انقسم المجتمع السوري بين مؤيد للنظام انطلاقاً من مخاوفه أو مصالحه، وبين ثائر يحاول اقتناص الحرية لنفسه ولمجتمعه.

  • عائد إلى حلب – عبد الله المكسور

هي الجزء الثاني من رواية المؤلف الأولى، أيام في بابا عمرو، حيث ينتقل فيها إلى حلب ويستكمل رواية تفاصيل المأساة السورية هناك، ويواصل سرده الدرامي من خلال المرور عبر العديد من الأشخاص الذين يختلفون فيما بينهم في كثير من الأشياء، ويتفقون على ضرورة القتال حتى آخر رصاصة، كاشفاً الوجهين، الإيجابي والسلبي لفصائل المعارضة المسلحة.

  • طبول الحرب – مها حسن

سعت الكاتبة من خلال هذه الرواية إلى تشريح مواقف المثقفين السوريين من أحداث الثورة، لا سيما موضوع العسكري، وذلك من خلال رصد عدة نماذج من هذه المثقفين ورصد مواقفهم من خلال الحوارات.

تدور أحداث الرواية حول قصة حب تعيشها “ريما” المقيمة في فرنسا، وذلك عبر موقع الفيسبوك مع شاب سوري قبل اندلاع الثورة، التي دار خلاف بينهما حول عسكرتها لاحقاً، فتقرر ريما على إثر ذلك النزول بنفسها إلى سوريا للتعرف على الأوضاع الجديدة عن قرب.

  • وحدك تعلم – مجهول

هي رواية إلكترونية انتشرت في الفضاء الإلكتروني لكن مؤلفها لم يفصح عن اسمه لأسباب أمنية، ويوثق فيها فيها حوادث بداية الثورة ويكشف فيها عن البعد الإيماني والفلسفي للثورة. فهو يستعرض من خلالها تفاصيل شعوره بالثورة فى وطنه، وإيمانه بها منذ اللحظة الأولى.

ويعرض الكاتب كيف ينظر بطل الرواية إلى الموروث الثقافي والديني، وكيف بدأ البحث عن إجابات للأسئلة الوجودية التي أرقته طويلًا قبل اندلاع تلك الثورة التي أجابت على الكثير من تساؤلاته، فيتحدث بطل الرواية عن الإيمان والثورة والحب من خلال التجربة التي مر بها أثناء أحداث الثورة السورية.

  • مدن اليمام – ابتسام التريسي

تحكي الرواية قصة القمع الذي مارسه حكم آل الأسد من الأب في ثمانينيات القرن الماضي إلى الابن، حيث أساليب القمع والإجرام والقتل الوحشي لا تختلف ولا تنقطع.

تروي الكاتبة حكاية مأساة حماة في الثمانينيات، وحكاية الثورة السورية من خلال ما تشاهده بنفسها وما يرويه لها ابنها الذي يعتقل فيما بعد، وأيضاُ من خلال صديق ثالث سمّى نفسه حنظلة وصار يرسل إليها حكايات المناطق الثائرة.

  • قميص الليل – سوسن حسن

تمتد أحداث الرواية على يوم كامل في أحد أحياء مدينة اللاذقية، وتستنهض الكثير من الجوانب والأبعاد العميقة للثورة السورية وخلفيات الحكم الطائفي الذي يستعين بالطائفية للقضاء على الثورة.

تبدأ القصة بموت جيغا مجنون الحيّ، الذي لا يعرف أحد من أين أتى، وينتهي بالخلاف على دفنه، إذ لا أحد يعرف طائفته أو دينه، وبالتالي يتساءل الناس عن كيفية دفنه، ووفقاً لطقوس أي طائفة أو دين سيتم ذلك، وعبر هذا اليوم الحافل بالأحداث، سنتعرف إلى خليط عجيب من الشخصيات التي تقطن الحي موضع القصة.

  • القنفذ – إسلام أبو شكير

تمثل رواية “القنفذ” حالة إسقاطية غير مباشرة تمزج الواقع بالخيال، حيث يتحدث الكاتب بلسان بشار الأسد دون أن يسميه لحظة موت الوالد المفترض “حافظ الأسد” ويغوص في نوازعه النفسية، وموقفه من ضغوط العائلة لدفع أحد أبنائها ليتقلد منصب الوالد المتوفى، لحماية مكتسبات العائلة.

تحرض الرواية القارئ على التفكير فيما أسباب وصول سوريا إلى ما وصلت إليه، ولماذا وقفت هذه العائلة بوجه ثورة الشعب المطالب بالحرية والكرامة.

التعليقات متوقفه