الطرق في الغوطة بين سالكة لـ”العار” و فارغة لـ”الشرف” – عصام اللّحام

تحول النشطاء في الغوطة الشرقية إلى راصدي طرق، ويعملون في الوقت نفسه على تحديد السالك بين المدن والبلدات القليلة، التي ما زالت بيد الفصائل، وتركوا معداتهم بعيداً عن أتون الاقتتال، خوفاً عليها من التغبّر و التلوث بدماء الأخوة المقتتلين، وسعياً لحقن الحقد والتجييش كما يفضلون الوصف و يصرون عليه.
لم يختلف الأسلوب الذي بدت عليه المعارك الداخلية في الغوطة الشرقية هذا العام، عن العام الفائت، سواء من حيث الحدة والقوة والعنف في الاشتباكات، والعناد والإصرار على إنهاء الآخر، بكل ما أوتوا من قوة و رباط المعدات وما تحتويه المستودعات من ذخائر وأسلحة جديدة وقديمة ومهترئة، و أخرى مخصصة لمواجهة التتار المرابطين والمناكفين على أبواب الغوطة الخمسين، ومن كل حدب وصوب.
اختلف الثامن والعشرين من نيسان هذا العام عن العام الفائت، في اسم المهاجم فقط لا غير، في حيث كان الجميع مستعداً للآخر، ولكن السرعة في البدء كانت من نصيب جيش الإسلام ومن خلفه مجموعة من المنظرين والراغبين في تطبيق “التغّلب” الشرعي بطريقته المطلوبة والمثابة، وإعطائه صبغة الصِحّة وللقياس عليه في المستقبل، في حين يلملم الطرف المقابل بعضه البعض بعد ضربة المباغتة ويستعد للرد، يقدم مفاتيح المستودعات والتذخير للانطلاق للرد.
ما حدث في الغوطة في نيسان ٢٠١٦، كلّف ما يزيد عن ثلاثين من البلدات والبلدان والمساحات المليئة بالمحاصيل الزراعية الضرورية لمنطقة محاصرة، في حين يبقى حصاد نتائج نيسان ٢٠١٧ غير معلوم حتى اللحظة، وإن كان القابون وبرزة هما في رأس قائمة الخسائر، التي ستذهب بين الحرب والصلح، وتصبح الغوطة مبدئياً محاصرة فعلاً وقولاً، وتنتظر تقديم مزيد من القرابين على مذبح الاقتتال.
يجتهد الجميع في الوقت الراهن في حصر وحساب الخسائر البشرية لهذه الموجة الجديدة من الاقتتال، التي ستكون أشد فيما يبدو عن تلك السابقة، فأرقام الأيام الثلاثة الأولى قد تعانق الـ ٢٠٠ قتيل وجريح، مع وجود فظائع تصفية وإعدامات ميدانية وأخرى بطريقة القنص الأعمى، ويضيع في هذا الرقم عدد مجهول من المدنيين الذين سيكونون الخاسر الأبرز كما العادة، إذ لا سلاح يدافعون به عن أنفسهم ولا سلطة يدفعون الدماء دفاعاً عنها.

البحث في جذور الخلافات بين الأطراف المتصارعة، تدخلنا في متاهات متعمقة في النفس البشرية الآثمة والمتفردة، والراغبة في التملك والسيطرة على الحق وتمثيله، بشكل لا شريك لها بها، وإنما تابع لها، تبعية عمياء لا مكان فيها للمخالفة أو التخلف عن الركب في القطيع المتجه إلى المجهول.
وفي الوقت الذي تتصارع فيه الأصوات المنقسمة، بين الخافتة التي تؤيد أو تعارض أو حتى تتدخل بشكل خجول عبر البيانات، أو القوة عبر ضخ المال لهذا أو ذاك، فكلها تقع في صف المقتتلين المدانين، فكل طرف فعل ما فعله لدعوة الطرف الآخر لقتاله وقتله، وقد يكون تنقله بين الأطراف جاء عبر صدفة أو قدر غير متوقع، فرصاصة تودي بحياة قيادي، تدفع فصيله العالم بما سيحدث، ليتحول من الصامت للممتعض، ومن ثم يدخل بالمعركة.
لا حاجة لكثير من التسميات وتحديد المحدّد، ولكن في أتون ذلك، هل اختارت الفصائل الإنهاء الذاتي لبعضها البعض، لتكون صاحبة الفضل في إخراج بعضها إلى الشمال المزدحم بمن يشابهها، أم أنها ستصحو في لحظة ما، لتأخذ مكانها بين المغادرين على قائمة الشرف إلى السماء.

وكان الدفاع المدني طالب بتحييد المدنيين ومراعاة ظروف العالقين ضمن مناطق الاشتباكات، وتأمينهم بكامل متطلبات المعيشة، إضافةً إلى عدم استهداف منازل المدنيين والمنشآت العامة.

واندلعت المعارك، نهاية نيسان، بين “جيش الإسلام” و”هيئة تحرير الشام” و”فيلق الرحمن”، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من المدنيين، وسط خروج مظاهرات عارمة تندد بالاقتتال وتطالب “الفصائل” بإيقافه.

التعليقات متوقفه