ماذا سنخسر في أستانة 4 – يمان دابقي

انطلاقاً من نتائج جولات أستانة الثلاثة السابقة، المتمثلة بخسارتنا في نسختها الأولى لوادي بردي، وفي الثانية لمدينة حلب وحي الوعر، وفي الثالثة لمضايا والزبداني، فمن البداهة أن يسأل الشعب السوري عن المنطقة التي سيخسرها في الموعد المنتظر لجولة أستانة 4، المقررة في الثالث من الشهر الجاري، والتي دعت إليها موسكو فصائل المعارضة، بعد إعلانها عن تقديم تطمينات، فسرتها المعارضة أنها ستقود إلى وقف النار في كامل الجغرافية السورية.
اللافت في الأمر أن فصائل أستانة نفسها منقسمة على ذاتها، بين فصائل موافقة على الذهاب، وترى في ذهابها اختبار جدية النوايا الروسية، ووضعها على المحك لتطبيق إيقاف النار، وإدخال المساعدات للمناطق المحاصرة، وفك الحصار عنها، وهي ذاتها الشروط التي لأجلها أنشأت موسكو الأستانة، ولم يتحقق منها شيء حتى اللحظة.
بينما القسم الثاني من الفصائل رافض للذهاب، معتبراً أن روسيا لا أمان لها بعدما أفشلت كل الجولات السابقة، بل وحققت منها نتائج سياسية وعسكرية جعلتها تُبسط نفوذها في سوريا، وتمتلك زمام القرار السوري، وتُصادر قرار الفصائل، خصوصاً حسمها لملف حلب لصالحها نهاية العام 2013، جعلها أقوى بكثير أمام حلفائها.
سنتطرق لمكاسب موسكو من كل الاجتماعات السابقة، لكن لنقف قيلاً كطرف ثالث بين القسمين، فالذاهبة كما ذكرنا تستند في ذهابها، وتُعول على المتغيرات الدولية التي طرأت على الساحة السورية منذ دخول اللاعب الأمريكي بشكل مباشر، بقيادة ترامب، الذي أنهى السجال القديم في عهد سلفه أباوما، فغيّر كل قواعد اللعبة، عبر توجيه ضربة الشعيرات، التي كانت المدخل الملائم لعودة هيبة أمريكا انطلاقاً من سوريا.
ترامب أعاد زخم الدور الأمريكي وامتلك زمام القرار، وأوصل رسائل لروسيا ولإيران، عن أن الحل في سوريا لن يبدأ إلا من خلال أمريكا ومنها يتم فرز الأدوار.
واليوم فعلاً نرى أن الملف السوري دخل مرحلةً جديدة، وبات حتى على مفترق طرق بين اللاعبين الروسي والأمريكي، وكل الأطروحات تشير إلى تفاهم أمريكي روسي، يُفضي إلى إنتاج حل كامل في سوريا، على أساس المحاصصة الجغرافية لمناطق النفوذ، مقابل تغير شكلي في رأس النظام بشار الأسد، لإرضاء ما تبقى من الشعب السوري، ولكن حتى هذه النتيجة لم تتضح بعد، فمازالت أمريكا تُهيئ الأجواء مع حلفائها، وتحشد دول عربية وغربية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق تواجده في سوريا.
من هنا تُعول الفصائل الذاهبة للأستانة على الدور الأمريكي وتتأمل ممارسة ضغوطات جدية على روسيا، لإنتاج وقف كامل للأعمال العسكرية، وجعل أستانة جسراً لجنيف 6، المزمع عقده في منتصف أيار، حتى يتم تحقيق سلسل لنقل السلطة مع صلاحيات مطلقة للمرحلة الانتقالية، على أن لا يكون للأسد أي دور فيها.
وتعتقد الفصائل ذاتها أن روسيا، راغبة اليوم في حل سياسي أكثر من أي وقت مضى، بعدما تم تحجميها من قبل واشطن، وتقديم عروض لها، تتضمن الحفاظ على مصالحها في سوريا، مقابل التخلي عن الأسد وفك ارتباطها مع إيران.
هذه النتيجة ربما تكون صحيحة ولكن السؤال هنا للمعارضة، هل حان الوقت لتنفيذها بحسب الرؤية الأمريكية وهل سيتم تطبيقها انطلاقاً من أستانة 4، وهل بالضرورة سيتم تطبيق المرحلة الانتقالية مع استمرار محاربة تنظيم الدولة على الأرض، إضافة إلى تقطيع أوصال إيران من العراق وسوريا واليمن، وهو هدف واضح لترامب ويقوم بالعمل عليه، ولكن كل النقاط المعمول عليها من قبل إدارة ترامب لم تُطبق حتى الآن، ومازالت الإدارة في طور الحرب الكلامية والتصريحات والتهديدات وقذفها تارةً تُجاه روسيا وأخرى تجاه إيران.
كيف إذاً أمام هذه المعادلات والتي تحتاج إلى جدول زمني، لم يحدد بعد من قبل إدارة ترامب، أن يتم تطبيق بداية الحل الأمريكي لسوريا في العاصمة الكازاخستانية، إلا إذا كانت المعارضة الذاهبة على عِلم مسبق بما سيتم تطبيقه من قبل واشطن، التي لم توضح بعد استراتيجيتها الأخيرة في سوريا.
علاوةً على ذلك، حَرِيٌ بنا أن نسأل فصائل أستانة، ماهي الآليات العملية لتطبيق التطمينات الروسية، وماهي هذه التطمينات، ولماذا لم تُصرحوا بها للشعب السوري، وتستفتوه بالذهاب أو عدم الذهاب؟ ثم إنَّ حديثكم عن الدور العربي الجديد في هذه الجولة للسعودية وقطر، اللتان دعمتا جهود أستانة، هل بإمكانكم أن تضمنوا دعم الدول العربية التي وقفت عاجزةَ عن خسارة حلب؟ عليها أولاً أن تضمن حماية أمنها القومي قبل أي حديث عن دعمها لكم.
فيما لو افترضنا جدلاً أن موسكو جادة هذه المرة، لماذا لم تُطالبوها بإيقاف النار، كبادرةِ حسن نية قبل الذهاب، حتى تعلموا هذه المرة أنَّ ذهابكم لن يُكتب له الفشل كما كان سابقاً.
فيما الحديث عن الفصائل الرافضة للذهاب لا لشيء فقط لأنها لا تثق باللاعب الروسي، ولا تؤمن بدوره كوسيط، حتى أنها ترى أن روسيا لم تصل إلى موقف وسط مع أمريكا بشأن مصير الأسد، ولا بُد من جولة أستانة جديدة، هدفها المماطلة أمام اللاعب الأمريكي، وإعلاء سقف التفاوض، وتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض، في ريف حماه الشمالي الذي يُباد بالطيران الروسي، لتحقيق فصله عن ريف إدلب، وتأمين العمق الساحلي لروسيا في مثلث جورين، كنسبا، ربيعة.
المفارقة الواضحة لمعارضات أستانة، هي انقسامها على ذاتها لقسمين، وحدها هذه الصورة، أمر يدعو للسخرية، وفي نهاية المطاف كعادتها المعارضة وبضغط من دول الحلفاء وعلى رأسها تركيا، ستحضر اللقاء.
وفي ظل غياب رؤية أمريكية وتفرغها لمحاربة الإرهاب، وتقطيع أوصال إيران، فهي على الأرجح، ترى أن الحل السوري لم ينضج ولن ينضج إلا بعد تحقيق أهم هدف لترامب، في وضع نهاية لتنظيم الدولة الإسلامية في الرقة والموصل، وتقليص دور إيران ووضع حدود لها، وفك ارتباطها عن موسكو، وتكريس التقسيم المناطقي في الغوطة الشرقية وريف حماه والرقة ودير الزور وشمال شرق سوريا، وترتيب المنطقة الجنوبية المترقبة لدخول قوات أردنية بريطانية أمريكية، كل هذه النقاط مرتبطة بشكل مباشر في نضوجها مع الرحيل المنظًّم للأسد كما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بلقائه مع لافروف.
من هنا ما الفائدة إذاً من ذهاب المعارضة لحضور جولة أستانة جديدة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
موسكو حققت أهدافاً كبيرة منذ أستانة 1 وحتى الآن، وشرذمت المعارضة السياسية وفخختها بمنصات القاهرة وموسكو، وشرخت المعارضة العسكرية، إلى قسمين وفرزتها بين إسلامية ومعتدلة، وكرست نفوذها في الساحل السوري، وخسر الشعب مناطق كثيرة، وهُجّر الآلاف من السوريين عقب نهاية كل جولة، واليوم وبشكل صريح أصبح بديهياً أن نسأل المعارضة، أي منطقة سنخسر في أستانة 4.

التعليقات متوقفه