السيارات: بين النظامي و”لفة الرسن” – أحمد الصباح

الغربال – تضاعفت أعداد السيارات في المناطق المحررة أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه قبل الثورة، وعلى الرغم من غياب دوائر المواصلات والجهات الرسمية التي توثق نقل الملكيات، وتنظم حركتها على الأرض، إلا أن تجارة السيارات باتت تجارة رائجة جداً، وانتشر بكثافة مصطلح “لفة الرسن” وبات له أنواعٌ وزبائن معينين.

ويعود سبب تضاعف الإقبال على السيارات في الشمال السوري إلى سيطرة كتائب الثوار على معبر باب الهوى في منتصف آب/أغسطس 2012، وسهولة استيرادها وإدخالها إلى المناطق المحررة حيث يقوم التجار بشرائها من أوروبا الشرقية وكوريا الجنوبية وشحنها عن طريق البر والبحر إلى سوريا، لتكون تركيا طريق عبورها ودخولها إلى الأراضي المحررة، ما يعفي الشاري من الرسوم الجمركية والضرائب.

بيع وشراء بدون ضمانات للملكية

لم تقدم أي جهة داخلية كانت أم خارجية أي تسهيلات لمالكي السيارات المستعملة التي تباع وتشترى من مكاتب السيارات أو ضمان لها من السرقة، فلا يملك أصحاب السيارات سوى ورقة برقم السيارة ونوعها، وفي أفضل الحالات يكتب التاجر عقدًا بينه وبين الزبون.

السيد أحمد الياسين مالك سيارة أوروبية قال لـ”الغربال” إنه “اشترى سيارة أوربية من مكتب لتجارة السيارات بموجب عقد بينه وبين مالك السيارة، بأوراق دخول ثبت لي لاحقاً أنها مزورة، حيث تنتشر كثيراً مهنة تزوير أوراق السيارات بل وحتى اللوحات وبأسعار زهيدة لا تتجاوز بضعة آلاف، وتكمن مشكلتي الحقيقية أنني لم أستطع الوصول إلى جهة في المناطق المحررة تقوم بتسجيل تلك المركبات، رغم أنني راجعت مديرية المواصلات بإدلب ولكن هناك عوائق كثيرة أمام تسجيل المركبة”.

وتابع الياسين أنه “حتى لو قمت بتسجيلها فإن الفوائد المرجوة من عملية التسجيل، حيث لا يعترف أحد بتسجيل بمديرية إدلب، ولا حتى حواجز القوات الكردية في عفرين، حيث أنني اضطررت لدفع مبلغ /200/ دولار لترسيم مركبتي في عفرين، ويزيد المبلغ أو ينقص حسب تقييم المسلحين الموجودين على الحاجز لقيمة المركبة”.

ومن جانبه قال محمد البيوش مالك مكتب لبيع وشراء السيارات في مدينة كفرنبل لـ”الغربال” إنه “هناك رواج كبير لمكاتب السيارات ويتم التفاوض على سيارتين يومياً بمعدل وسطي في مكتبه رغم وجود أكثر من عشرة مكاتب سيارات في مدينة كفرنبل وحدها”.

وأضاف “نتعامل بكافة أنواع السيارات النظامية والأوربية و(القصة) وهي نوع من المركبات راجت في الفترة الأخيرة في المناطق المحررة وسميت كذلك لأنها تستورد كقطع غرفة السائق مع المحرك (الكبين) قطعة وبدن السيارة (الصندوق) قطعة أخرى، يتم تجميعها محلياً لتباع بسعر أقل مما يقابلها من شبيهاتها من المركبات النظامية أو الأوربية ومصدرها في الفترة الأخيرة من مناطق النظام حيث تدخل عن طريق المرافئ السورية وتدخل لاحقاً المناطق المحررة”.

وتابع مفسراً أن ما يصطلح عليه بـ (لفة رسن) قد نشأ في عام الثورة الثاني عندما بدأ بعض الثوار بالسيطرة على مركبات تعود لمراكز النظام الأمنية أو(المغتنمة) من أشخاص تابعين للنظام حيث لا يملك من يضع يده عليها أي أوراق تثبت ملكيته للمركبة، وهذا النوع أطلق عليه لاحقاً (لفة رسن حلال)، وتشارك هذا النوع في صفة (الحلال) نوع آخر من المركبات وهي المركبات المرفقة بكامل إثباتات الملكية إلا أنها مدانة بأقساط مصرفية أو أن مالكها قتل أو غادر البلاد ولا يستطيع نقل ملكيتها بشكل نظامي.

ولفت البيوش إلى أن صفة (الحلال) تعود بسبب انتشار نوع آخر من المركبات (لفة الرسن) في الآونة الأخيرة حيث انتشرت عصابات سرقة في المناطق المحررة تقوم بسرقة السيارات أو سلبها بالقوة من أصحابها بحجج مختلفة، وهذا النوع غير مرغوب للتداول في أوساط المدنيين لأنه يعرض المستحوذ على هذا النوع من المركبات لأنواع المساءلة من المحاكم الشرعية عدا عن الوازع الأخلاقي والشرعي الذي يمنع من حيازتها.

آلية معقدة لنقل ملكية المركبات في المناطق المحررة

تختلف طرق نقل ملكية المركبات، أسهلها هو توجه الطرفين (البائع والشاري) إلى مديرية مواصلات حماة (مناطق النظام) وتسجيلها بشكل نظامي، وأصعبها التعامل مع معقبي المعاملات للبحث عن طريقة قانونية للنقل وعن ذلك قال محمد أبو قصي معقب المعاملات لـ”الغربال” إن “حالات توجه الطرفين أصحاب العلاقة إلى مناطق النظام تعتبر قليلة جداً بل نادرة بسبب تخوف أغلب القاطنين من المناطق المحررة من الاعتقال لدى وصولهم إلى حواجز النظام، لذلك راجت طرق بديلة لنقل ملكية المركبات بأوراق نظامية”.
وأضاف ابو قصي أنه “في هذه الحالات يأتي دور معقبي المعاملات الذين يتقاضون مبالغ طائلة تزيد أو تنقص حسب نوع وقيمة المركبة حيث تبلغ العمولة 700 دولار بمعدل وسطي للمركبة الواحدة، وذلك من خلال إرسال الأوراق الثبوتية عبر الانترنت أو الشحن وإرفاقها بمقطع فيديو مسجل يتحدث فيه البائع من أمام المركبة المباعة ويقر عملية البيع بشكل أصولي، ليقوم معقب المعاملات في مناطق النظام بإتمام المهمة في مديرية المواصلات ونقل ملكية المركبة”.

وأردف أبو قصي أنه بالنسبة للسيارات الأوربية أو (لفة الرسن) أو (القصّة) فلا يحتاج بيعها ذلك التعقيد حيث أن حركة المركبة محددة في المناطق المحررة، حيث يكتفى بكتابة عقد بيع بين الطرفين في مكتب السيارات ويشهد عليه اثنين من الحاضرين دون الحاجة لتثبيته لدى أي جهة أخرى منوهاً إلى أنه لا يعلم إذا كانت دائرة المواصلات لا زالت تعمل أو موجودة بالأصل.

دور دائرة المواصلات في صون ملكية السيارات وتسجيلها

مع خروج معظم محافظة إدلب عن سيطرة النظام، أوقف النظام العمل مع جميع الدوائر الحكومية ومنها مديرية النقل ودائرة المواصلات التي قام بتعميم أرقام سجلاتها على اعتبارها متلفة أو سقطت بين أيدي “المسلحين”.

السيد عبد القادر هرموش مدير دائرة المواصلات في محافظة إدلب تحدث مستغرباً لـ”الغربال” فقال “نحن موجودون، وعملنا يشمل كافة محافظة إدلب ولا يقتصر على مدينة إدلب ونقدم خدماتنا لأي مواطن سوري في أرجاء المحافظة، ربما توقف العمل في دائرة المواصلات لفترة محددة مع بداية تحرير مدينة إدلب، إلا أننا عدنا للعمل تحت إشراف (إدارة إدلب) وما زلنا نحتفظ بلوحات السيارات وكذلك بأضابير السيارات المسجلة لدينا والتي يبلغ عددها /106000/ سيارة وكذلك صالة الفحص ما زالت موجودة رغم أن بناء المديرية تعرض للقصف إلا أننا قمنا بإعادة صيانته من جديد وإعادته للخدمة”.

وأضاف الهرموش أن الدائرة تتبع في عملها ذات الأسلوب السابق وبنفس طاقم الموظفين حيث يتركز عملها على نقل ملكية السيارات وتسجيلها، مشيراً إلى عدم وجود أي علاقة تربطهم بدوائر النظام ولا يوجد أي نوع من أنواع التنسيق،” فنحن غير موجودون حسب النظام وما نملكه من أضابير للسيارات ولوحات اعتبرت بحكم المتلفة من قبل (المسلحين) من وجهة نظر النظام”.

وعن طبيعة عمل الدائرة قال الهرموش “نحن نقوم بفحص السيارات للمواطنين الراغبين بذلك وما زالت صالة الفحص والأجهزة فيها في الخدمة ومؤهلة للعمل، وبالنسبة للرسوم التي تتقاضاها الدائرة فهي رسوم رمزية لا تتجاوز /5%/ من الرسوم التي كنا نتقاضاها سابقاً قبل تحرير المدينة وتعود إلى إدارة إدلب التي تغطي بدورها رواتب الموظفين ونفقات الدائرة، أما بالنسبة للتأمين على المركبات فنحن لا نتقاضى أي رسوم تأمين بحكم عدم وجود أي علاقة مع أي من شركات التأمين “.

وأكد أن الدائرة تقوم بتسجيل السيارات الأوربية وفتح أضابير لها في حال امتلك صاحبها أوراق ثبوتية حقيقية وهي عبارة عن أوراق دخولها من المعبر بشكل نظامي مع الإيصالات المدفوعة في المعبر، مشدداً على أن الدائرة لا تتعامل بشكل من الأشكال مع مالكي المركبات التي  توصف بـ لفة الرسن (سيارات مجهولة المالك والمصدر) حيث لا يوجد أبداً ما يثبت شرعية امتلاكها، وبالنسبة للسيارات التي تدخل المحافظة من مناطق النظام فيتم إنشاء إضبارة جديدة لها بعد التأكد من صحة أوراقها.

وأشار الهرموش أن دائرة المواصلات تعاني من ضعف الترويج الإعلامي لعملها-بعضه مقصود- ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها أنه لا يوجد مكتب إعلامي خاص بالدائرة، ومرجعيتها  من الناحية الإعلامية للمكتب الإعلامي في إدارة إدلب، وربما تكون مجلة الغربال الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي قامت بزيارتنا للحديث عن عملنا .

والسبب الآخر وبحسب الهرموش يعود إلى “الانتشار الكبير لمكاتب السيارات وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة حيث أن السيارات النظامية مطلوبة في مناطق النظام وأسعارها أعلى من المناطق المحررة، وهذا ما قلص عدد المركبات النظامية في المناطق المحررة إلى 50000 مركبة من أصل 106000 مركبة قبل التحرير، وجميعها بيعت عن طريق تلك المكاتب إلى مناطق النظام”.

أهلية السيارات المستعملة للعمل في المناطق السورية

أحدثت السيارات الأوربية المستعملة الداخلة عن طريق معبر باب الهوى فرقاً كبيراً في سوق السيارات في المناطق المحررة عام 2012 وذلك بسبب الفارق الكبير في سعر المركبة حيث لا رسوم ولا تأمينات ولا ضرائب رفاهية، إضافة للتنوع الكبير الذي أتخم الأسواق، بحسب خالد النسر تاجر السيارات وقطعها في سوق سرمدا.

وقال النسر في حديث لـ”الغربال” إن تلك الفورة تراجعت تدريجياً بعد أن ثبت عدم أهلية الكثير من أنواع تلك المركبات للعمل في المناطق المحررة من حيث وعورة الطرقات ونوعيات الوقود المكررة محلياً والتي لا تتوافق والتقنيات المتوفرة في المركبات الحديثة، وبذلك عادت للسيارات النظامية مكانتها في سوق العرض والطلب، بينما حافظت أنواع قليلة من المركبات على سعرها بناء على توافقها مع المعايير التي ذكرتها إضافة لتوفر قطع التبديل في السوق المحلية.

وعلل النسر وجود مئات المركبات المركونة في كراجات مالكيها أو على جوانب الطرقات بسبب عدم توفر قطع تبديل لها أو ارتفاع تكاليف صيانتها لدرجة تصبح بها الصيانة غير مجدية اقتصادياً.

وتابع النسر عازياً تلك الظاهرة إلى العشوائية في عملية إدخال المركبات وعدم وجود أي ضوابط فنية أو بيئية أو اقتصادية خلال عملية الإدخال، فبالمجمل لا تتم عملية الإدخال حسب رغبة المستهلك المحلي أو احتياجاته إنما تتم العملية حسب ما يسمح به المعبر التركي لذلك” وجدنا طفرة في السيارات الأوربية في أعوام الثورة الأولى بينما لا ترى في سوقنا حالياً سوى المركبات التركية المستعملة، والأوربية الحديثة والجديدة والتي لا تلقى رواجاً في سوق المناطق المحررة”.

ويذكر أن تجارة السيارات بجميع أنواعها تتأثر وفق تغير خارطة السيطرة العسكرية، فبعد خروج إدلب وأريحا عن سيطرة النظام ازدهر سوقها، ومع تقدم النظام بريف حلب الجنوبي والشمالي الغربي انخفض الإقبال عليها بشكل كبير، سيما أن تلك السيارات غير مسجلة في مناطق سيطرة النظام ولا يمكن استخدامها هناك.

التعليقات متوقفه