سوء أوضاع مهجَّري ريف دمشق يزيد مخاوفهم من المستقبل ــ عمار إبراهيم  

 

هجّر النظام قوات النظام السوري آلاف العائلات من محيط العاصمة دمشق، باتجاه الشمال السوري، وخاصة محافظة إدلب التي باتت تغصّ بالنازحين والمهجّرين من مختلف المحافظات السورية.

مهجّرو ريف دمشق لم يعتادوا ظروف الثورة التي تعيشها إدلب، لقد كانوا محاصرين طيلة سنواتها الأخيرة، بل حتى إنهم لم يعتادوا على ظروف المحافظة المعيشية وطبيعة القصف السوري والروسي الذي تتعرّض له.

“أبو فارس” وعائلته المكوّنة من سبعة أشخاص، كانوا من بين حوالي أربعة آلاف شخص من المدنيين والمقاتلين، أجبرهم النظام على الخروج من مدينة داريا الواقعة غربي العاصمة دمشق إلى مدينة ادلب، يقول لـ”الغربال” أنه “بعد أشهر مرت على تهجيرنا أمام أعين الأمم المتحدة من بلدات عدة، أبرزها داريا ومعضمية الشام وخان الشيخ، مازلنا نعيش حياة لا تختلف عن حياة الحصار والجوع التي عشناها، فالحال سيء والخيام لا تكفي، والظروف المعيشية سيئة بشكل عام”.

 

المهجرون انتقلوا من حال صعب إلى أصعب

قبل أسابيع، قتل الطيران الروسي عائلة كاملة كانت قد نزحت من مدينة داريا، إلى سرمين بريف ادلب، لقد تكرّرت هذه الحوادث المشابهة، بينما تزداد المخاوف لدى النازحين الذين لم يموتوا جوعاً ومرضاً أن يكون مصيرهم القتل بطائرات النظام وروسيا.

يقول رئيس العلاقات العامة والإعلام بمجلس محافظة إدلب، محمد سليم الخضر، في حديثٍ لـ”الغربال” إنّ “بعض العائلات قرّرت الخلاص نهائياً من القصف وتمكّنت من اجتياز الحدود التركية لتتابع حياتها هناك”، كما أضاف أن “سكان داريا استقر معظمهم في مخيّم أسسته منظمات إنسانية قرب الحدود التركية، وبعضهم تبعثر في بلدات محافظة إدلب”، لافتاً إلى أن “مجلس المحافظة يعمل جاهداً، على توفير الدعم والمساعدات للنازحين بالتنسيق مع المجالس المحلية والمنظمات العاملة بالمنطقة”.

من جانبه، يقول عصام (25 عاماً) وهو مهجّر من مدينة معضمية الشام، لـ”الغربال”: “نعلم جيّداً أننا لم نلجأ إلى لندن أو باريس، وأن إخواننا في ادلب يتعرّضون لما تعرّضنا له من قصف بريف دمشق، لقد اعتدنا على أصوات الطيران والقصف والبراميل المتفجّرة”، مضيفاً أن “جلَّ خوفه على النساء والأطفال الذين ظنّوا أنّهم خرجوا من حياة لأخرى وأنّ الظروف ستكون أفضل”.

 

إدلب تغص بالمهجّرين

وصل عدد الذين تم تهجيرهم من داريا والمعضمية إلى حوالي 5 آلاف، يُضاف إليهم ما يقارب 2500 شخص من خان الشيح وزاكية، بريف دمشق.

يتابع رئيس العلاقات العامة والإعلام بمجلس محافظة إدلب إن “المحافظة تنتظر وصول دفعات من سكّان الزبداني ووادي بردى واستقبلت أيضاً عشرات الآلاف من مهجّري أحياء حلب الشرقية، وتعمل فرقنا ليل نهار على تأمين احتياجات المهجّرين، لكنّنا لا نستطيع تغطية جزء بسيط مما يحتاجه هؤلاء المهجّرون”.

كما أوضح أن “مجلس المحافظة كان قد أصدر بياناً، أشار فيه إلى أن المحافظة باتت عاجزة عن استقبال المهجّرين من المحافظات الأخرى”.

وعلى هذه النقطة يعلّق الخضر بالقول: “الهدف من هذا البيان كان لفت أنظار المجتمع الدولي إلى عمليات التهجير الجماعية التي يقوم بها نظام الأسد ضد المدنيين، للتذكير بأن ذلك هو انتهاك واسع يمارس ضد المدنيين وللتذكير أيضا بضرورة تقديم الدعم الدولي للعائلات النازحة إلى إدلب”.

 

توزيع العائلات على مناطق متفرقة بإدلب

تقاسمت المجالس المحلية في كل قطاعات ريف إدلب استقبال ما تقدر عليه من العائلات المهجّرة، في حين استُنفرت المنظمات العاملة في الداخل السوري إمكاناتها المحدودة لإغاثة كل ما يمكن إغاثته وتأمين الحياة الملائمة للمدنيين المهجّرين.

يقول أحمد اليوسف، وهو ناشط معني بشؤون مهجّري ريف دمشق، لـ”الغربال”: “لقد خصّصنا غرفة طوارئ لاستقبال النازحين من ريف دمشق وتضم الغرفة معظم المنظمات العاملة الداخل السوري، وتمّ تقسيم المهام على عدّة وحدات، ولكل وحدة اختصاص مختلف، فهناك وحدة خاصة لتأمين الخيم، وثانية لتأمين الأغذية، وثالثة للخدمات الصحية وأخرى للفرش والألبسة وغيرها”.

ويضيف، “نتواصل مع كافة المجالس المحلية بإدلب، ولدينا قوائم بكافة المهجّرين ومواقع سكناهم، لتسهيل عملية توزيع المساعدات”، منوهاً إلى أن “الوضع يحتاج لميزانيات كبيرة من أجل إعادة تأهيل العائلات وتأمينها بمساكن تحفظ كرامتها، وتقيها برد الشتاء وحر الصيف”.

وفي السياق، يقول عثمان محمد، وهو مواطن من إدلب، متطوّع في إحدى المنظمات الإنسانية لـ”الغربال”: “فعلنا كل ما بوسعنا لمساعدة المهجّرين، ونعمل على بناء بيوت طينية على شكل مخيّماتٍ لإيواء أكبر قدر من العائلات”.

أما عبد الستار، وهو رجل ستيني مهجّر من داريا، يقول لـ “الغربال” إن “وضع المخيّم الذي نعيش فيه سيئ جداً، فالبرد قارس ولا يوجد تدفئة، إضافةً إلى أنّ، السلال الغذائية التي تُمنح للعائلة شهرياً لا تكفيها لمدّة اسبوع” معبّراً عن استيائه من التجاهل الدولي لكل ما يحدث في سوريا من تهجير وقصف وقتل وتدمير.

 

بين الدعم الدولي والدعم المنظماتي

يُعتبر الدعم الإغاثي الذي تقدّمه العائلات المنظمات العاملة في الداخل السوري للأسر المهجّرة محدود، فالعائلات المهجّرة تعتمد على المنظمات المحلية فقط، فيما تغيب الجهات الرسمية والدولية.

وهو أمر يكشف عنه “الخضر” بقوله إن “الدعم المقدّم للمهجّرين من ريف دمشق تحديداً يعتمد على المنظمات الموجودة في الداخل، بينما عملية تهجير جماعي كهذه بحاجة إلى دعمٍ دولي حصراً، كي تغطي جزءاً من الاحتياجات الكبيرة”.

ويشير إلى أن “مجلس محافظة إدلب وحده، يقدم للمهجّرين 50 بالمائة من الدعم الذي يحصل عليه، بينما تساهم كل المنظمات الموجودة في الشمال السوري، بتقديم 25 بالمائة من مجمل الدعم المقدم للمهجّرين”.

 

الإحباط يسيطر على المهجّرين

لا تقف بعض العائلات عند سوء الوضع المعيشي وقلة المساعدات، والحزن على ترك المنزل والديار، بل تبدي قلقها من غياب الرؤية المستقبلية والضياع.

عثمان، شاب مُهجّر من منطقة خان الشيخ، يقول لـ “الغربال”: “صحيح أننا بدأنا هنا حياةً جديدة، لكن ليس لدي أي شيء لأفعله، كنت طالباً في السنة الثالثة بكلية الهندسة الميكانيكية بجامعة دمشق، وتركت الدراسة بعد الأحداث التي شهدتها المنطقة والمضايقات المتكرّرة على الحواجز”.

الحالة ذاتها يعيشها باسل، الذي يحسد من تمكّنوا من السفر إلى تركيا أو الدول الأوروبية، فحسب تعبيره “هناك الكثير من الفرص في مجالاتٍ عدّة، والتي من الممكن للشباب السوريين استغلالها لإكمال حياتهم أو دراستهم أو عملهم”، معتبراً أن “حياته توقّفت مبدئياً حتى يحدث تغييراً في الوضع السوري أو يتمكّن من السفر”.

التعليقات متوقفه