التغيير أو الاندثار ــ رامي سويد

 

خلال سنة وثلاثة أشهر من التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا انقلبت موازين القوى بشكل واضح لصالح الحلف الذي تشكل حول النظام السوري، على حساب الحلف المعارض للنظام، فبعد تداعي النظام للسقوط جاءت طائرات روسيا لتقدم غطاءً جوياً كثيفاً وعنيفاً للنظام، فدمرت البنية التحتية بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، واستنزفت سكان هذه المناطق، وكبّدت قوات الفصائل التي تقاتل ضد النظام خسائر فادحة، ما أجبر هذه الفصائل على الانحسار ميدانياً بشكل اقترب من الانهيار الكامل مؤخراً مع خسارة مدينة حلب والانسحاب المتتابع من مناطق ريف دمشق وضواحيها.

وبشكل موازٍ للتغول العسكري الروسي في سوريا، والذي ترافق مع مناورات سياسية روسية مكنت حلف النظام من شراء الوقت الكافي للتمدد ببطء على حساب المعارضة بأهم مناطق سيطرتها بريف دمشق وبشمال سوريا، كانت رياح التغيير تضرب دول المعسكر الغربي، الداعم السياسي الأهم للمعارضة، فمع صعود موجة العمليات الإرهابية في الدول الأوربية وتفاقم أزمة اللاجئين، صعدت تيارات اليمين إلى واجهة المشهد السياسي في الغرب عموماً، ووصل دونالد ترامب الذي أفصح مراراً عن مواقف عدائية تجاه العرب والمسلمين إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وتمكن المحافظون في بريطانيا من كسب معركة التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوربي، وتقدمت الأحزاب اليمينية في الانتخابات التي أجريت خلال العام المنصرم في كل من فرنسا والنمسا وإيطاليا وغيرها.

وعلى صعيد المشهد في تركيا، شاهد الجميع كيف باتت الدولة الجارة، التي كانت وما زالت الدعم الأبرز للثورة السورية، تعاني من العمليات الإرهابية المتكررة قبل وبعد فشل محاولة الانقلاب العسكري الصيف الماضي، والتي اعقبها تقاربٌ غير مسبوق بين تركيا وروسيا، نجم عنه حتى الآن تدخل الجيش التركي بشكل مباشر في شمال سوريا ضد تنظيم داعش، وتوسّط تركيا لدى روسيا لإخلاء المدنيين والمقاتلين الذي حوصروا في حلب، ليتوصل الطرفان بعدها لاتفاق هدنة شامل في سوريا تمهيداً لمباحثات سياسية بين ممثلي المعارضة والنظام في كازخستان.

وأمام كل هذه التغيرات الكبيرة التي يعشها العالم، والتي جاء كثير منها على خلفية ما يجري في سوريا والعالم العربي خلال السنوات الأخيرة، ما يزال كثير ممن يدعون سعيهم لتغيير النظام مصرين على التمسك برؤى وتصورات وشعارات بعيدة عن زمانها ومكانها، بل إنها ربما كانت بعيدة عن أي زمان أو مكان.

مازلنا إلى اليوم ومع كل هذه التغيرات التي تعصف بالعالم نتلقى يومياً من رجال المعارضة، السياسية والمسلحة، مزاودات تتحدث عن الصمود والتحدي ورفض المساومة وغير ذلك من الشعارات التي شبعنا منها على أيام نظام البعث الطويلة في سوريا.

إن هذه الخسائر المتلاحقة التي لحقت بالثورة السورية انطلاقاً من خسارة حي بابا عمرو ووصولاً إلى خسارة حلب لم تكن فقط نتيجة الدعم الكبير الذي تلقاه نظام الأسد من حلفائه، بل كانت أيضا بسبب غباء وجهل وتهور كثيرٍ من القائمين على الثورة، هؤلاء الذين عبثوا بالثورة فحولوها عن مسارها، مستثمرين شعاراتٍ لا يطبقون منها شيئاً على أنفسهم، هم من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور مؤخراً.

في هذا العالم المعقد والصغير الذي بات مفتوحاً على بعضه بشكل غير مسبوق بالتاريخ لن يعيش إلا من يفهم التعقيدات السياسية ويتصالح مع حقيقة وجودها ويتعامل معها بسياسة تضمن نجاح مشروعه وبقاءه، ومشروع الثورة السورية كان ومازال هو إسقاط نظام الأسد واستبداله بنظام تعددي يمثل الشعب السوري ويحقق تطلعاته.

وعلى هذا الأساس يكون من يخدم هذا المشروع في صف الثورة، التي باتت تترنح مؤخراً بسبب ثقل المشاريع الأخرى التي حمّلها من أدعوا أنهم في صف الثورة عليها، فمن جاء ليستثمر في الثورة بهدف تحقيق مشاريعه الضيقة لن يدافع عن الثورة ولن يعنيه أمرها.

بعد كل ما أصاب الثورة لم يعد مجديا الاختباء خلف الأصابع، فالسوريون وثورتهم على المحك، والحال الذي كانوا عليه خلال السنوات الأخيرة، لجهة تقديم مشاريع الفصائل والأحزاب على مشروع الثورة يجب أن يتغير، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

التعليقات متوقفه