تسرّب الأطفال من المدارس يمهد لمزيد من الخراب ــ حسن محمد

مع حلول صباح كل يوم، يرتدي شهاب الدين، وهو الفتى البالغ من العمر خمسة عشر عاماً ملابسه القديمة المخصّصة للعمل، ويذهب إلى مقر عمله في مدينة معرة النعمان بريف إدلب، حيث يعمل في ورشة لإصلاح السيارات برفقة عدد من أقربائه الشباب، الذين أجبرتهم ظروف الحرب الصعبة على ترك مقاعد الدراسة باكراً، بهدف تأمين قوتِ يومهم في زمنٍ قلّت فيه الفرص وساد به الفقر والموت.

شهاب ليس الوحيد الذي ترك المدرسة في إدلب، حيث أصبحت ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس من أبرز المشكلات التي تهدد المنطقة، وما زاد الطين بلة، أن نظرة معظم سكان المنطقة تجاه التعليم تغيرت، فبعد أن كان التعليم من أسمى الأهداف التي تسعى إليها العائلة السورية، بات من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها مقابل تأمين لقمة العيش، وسلامة الأطفال.
كما أن تدني مستوى التعليم، ونقص الكوادر التعليمة لعبا دوراً من جهة أخرى في إبعاد الأطفال عن التعليم، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته مصاريف التعليم الزائدة التي تثقل كاهل العائلة، وعدم قدرة معظم الأهالي على تحملها.

وساهم القصف الجوي المستمر على المدارس في تشكيل عقدة نفسية لدى الأطفال، فأصبح معظمهم يخشى الذهاب إلى المدرسة، فيما أدى النزوح المستمر وغياب الاستقرار والأمن إلى حالة من اللامبالاة لدى الأهالي، وباتوا يفضلون دفع أطفالهم للعمل في المهن الحرفية أو بقائهم في المنزل على المخاطرة في إرسالهم إلى المدارس.

مدارس إدلب مدمرة

يقول مدير التربية والتعليم الحرة في إدلب، جمال الشحود،  بتصريح لـ”الغربال”  إن “القصف الجوي دمّر الكثير من المدارس في إدلب، ما أثر بشكل كبير على جودة التعليم في المحافظة، وبات من الواضح الاستهداف المتكرر للمدارس، فبعد المجزرة المروعة التي ارتكبها النظام بحق المدنيين في بلدة حاس جنوب إدلب، والتي أدت إلى مقتل ثمانية وثلاثين مدنياً معظمهم من الأطفال وجرح العشرات من طلاب المدارس، أُجبرت مديرية التربية والتعليم الحرة في إدلب الى إصدار قرار يقضي بإغلاق للمدارس في عموم المحافظة حتى إشعار آخر”.
ويضيف مدير التربية، “لقد تم توثيق دمار نحو مائة مدرسة في عموم محافظة إدلب، معظمها خرجت من الخدمة بشكل كامل، فيما أصيب نحو مائتي مدرسة أخرى بدمار جزئي، منذ عام 2012، ما يظهر حجم الإصرار لدى النظام وحليفه الروسي على القضاء على العملية التعليمية في إدلب بشكل كامل”.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد وثقت استهداف روسيا والنظام لثلاث عشرة مدرسة في محافظة إدلب، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016.

وأدت الفوضى التي انتشرت في مناطق الشمال السوري إلى تعرض المدارس، التي سلمت من القصف، لعمليات نهب، شملت محتوياتها من أثاث وتجهيزات، ما أدى إلى جعلها غير صالحة للعملية التعليمة.

الرواتب لا تكفي المدرسين

لا تقتصر مشكلة التسرب من المدارس على سبب واحد، بل هناك أسباب أخرى، منها أن العوائد المالية لا تكفي المدرسين، ما يضطرهم لترك المهنة والبحث عن أعمال أخرى، أو الالتحاق بعمل آخر بعد الدوام المدرسي، ما يؤثر سلباً على معنويات المُدرس وقدرة إعطائه وإنتاجه.
يقول المدرس خالد الحسن لـ”الغربال” إن “رواتب التعليم رمزية جداً ولدي أربعة أطفال، بسبب حبي الكبير لمهنة التعليم لم أستطع تركها، ولكنني اضطررت للعمل في وظيفة أخرى بعد نهاية الدوام بالمدرسة كي أستطيع أن أقدم لعائلتي احتياجاتها، في ظل غلاء المعيشة”.
يوضح الحسن أن إعطاءه في المدرسة تراجع ولم يعد كالسابق، فيما يشير إلى أنّ “الكثير من زملائه قد تركوا المهنة وتوجهوا للعمل في المنظمات أو الأعمال الحرة من أجل توفير العيش الكريم لعائلاتهم”.

وحسب الحسن فإن هناك أسباباً أخرى لتسرب الطلاب من المدارس وأهمها تغيب المعلمين الذين مازالوا يتلقون رواتبهم من النظام، نتيجة ضعف الرقابة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، نظراً للانشغال بالجوانب الأمنية.

غياب للوعي بأهمية التعليم يلعب دوراً

من جانب آخر أدّت الحرب المستمرة في سوريا منذ خمس سنوات إلى تدني كبير في الوعي بأهمية التعليم لدى السكان بشكل عام ولدى العائلات الريفية بشكل خاص، والتي تشكل النسبة الأكبر من سكان محافظة إدلب، يرى البعض أن السبب الرئيسي هو عدم اكتراث السكان بالثقافة العامة وانشغالهم بأعمالهم اليومية، فمعظمهم يرى أن تأمين رغيف الخبز له الأولوية عن باقي الأشياء الأخرى التي يعتبرونها من الكماليات.

كما يلعب غياب نشر التوعية من المنظمات، وقلة المراكز الثقافية في القرى، دوراً كبيراً في تدني نسبة الوعي بين السكان، خصوصاً الذين أجبروا على ترك منازلهم قسراً ونزحوا من قراهم واتخذوا من الخيام مساكن لهم.

يقول محمد خير النجار، وهو نازح من ريف حلب الجنوبي إلى ريف إدلب ويعمل في مجال خياطة الملابس، إنه “أصبح غير قادر على تأمين المصاريف اللازمة لتعليم أبنائه البالغ عددهم ثمانية، فمعظمهم منقطعون عن الدراسة”، ويرى أنه “من الأفضل لهم أن يساعدوه في تأمين مصاريف الحياة اليومية”.

من جانبه يقول أحمد النجار، وهو أحد أبناء محمد خير النجار، ويبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، أن “المدرسة الآن أصبحت غير مفيدة، نحن نعيش في زمن صعب، وأنا الآن أساعد والدي في مشغل الخياطة، لقد أتقنت المهنة، وأريد أن أتابع بها”.

وتابع الطفل أحمد قائلاً “تركت المدرسة منذ خمس سنوات مع بداية الثورة، لقد بات التعليم بالنسبة لي شيئاً بلا قيمة في ظل الحرب التي نعايشها، أعتقد أنه يجب أن أساعد أبي في تأمين مصاريف حياتنا اليومية وأنا سعيد بذلك”.

المدارس تحولت لمراكز لإيواء النازحين

ما لم يتم تدميره من المدارس بالقصف تحول معظمه، إلى مراكز لإيواء النازحين، الفارين من مناطق الاشتباك والقصف والذين أجبروا على ترك منازلهم، وبالتالي تمّ حرمان مئات الأطفال من التعليم بهذه المدارس.
يقول الأستاذ أحمد الغزلين،  وهو أحد المشرفين على المدارس في ريف سراقب لـ”الغربال” إنه “من أهم أسباب لجوء النازحين إلى المدارس، الكثافة السكانية الكبيرة داخل القرى وعدم توافر البيوت، بالإضافة لارتفاع أسعار الايجارات في ظل الدخل المحدود، وعدم توفر فرص عمل ذات دخل جيد”.
ويتابع، هذا الأمر بات يشكل عائقاً أمام استمرار عملية التعليم، وقد عملنا على التواصل مع العديد من المنظمات لإنشاء مخيمات أو مراكز إيواء للنازحين من أجل وضع حد لتراجع العملية التربوية، وضياع الجيل الذي على عاتقه سيتم بناء سوريا المستقبل.
ساهمت هذه الأسباب بانتشار ظاهرة التسرب من المدارس، التي تنذر بكارثة مستقبلية، لتكون هذه الظاهرة أحد أسوء نتائج الحرب، التي ستخلّف جيلاً جاهلاً، سيستلم مقاليد حكم بلاده يوماً ما ليقودها إلى مزيد من الدمار والخراب، مالم يتم تدارك الوضع.

 

التعليقات متوقفه