طلاق غيابي سريع يريح النساء في اللاذقية! – بهيجة عبدالله

إنها الساعة الثامنة صباحاً، تخرج أمينة من بيتها وفي عينيها بريق أمل بنهاية مأساة تعانيها منذ سنوات، فاليوم سيصدر الحكم بطلاقها غيابيا من زوجها بعد أن رفعت دعوى استنزفت منها الكثير من المال، تسرع أمينة الخطى باتجاه المحكمة الشرعية في اللاذقية، جلستها عند التاسعة والنصف، في هذا الوقت لن تجد متسعاً كبيراً في المكان الذي يعج بمراجعين لدعاوى قضائية مشابهة، فالكثير من النسوة يعانين مثلها تماماً، فالحرب غيبت أزواجهن لفترة طويلة، ومن غير المعقول البقاء في انتظار شخص ربما لن يعود أبداً.

نزحت أمينة مع اطفالها من حلب منتصف عام 2012، رفض زوجها القدوم الى اللاذقية معتبراً أنها “أرض للشبيحة”، فقرر البقاء في حلب والقتال مع الثوار هناك، تواصل مع زوجته أكثر من مرة، وانقطعت اخباره فجأة، ونظرا لتعقد ظروف الحياة، قررت أمينة العمل ضمن مشغل خياطة،  زادت الأعباء المادية، فكان “رواد” الملاك الحارس الذي جاء لينقذها مما تعانيه عارضاً عليها الزواج، وبما أنها متزوجة أصلاً وترغب بأن يكون زواجها رسمياً ومسجلاً في السجل المدني،  قررت اللجوء لرفع دعوى طلاق غيابي،  لغياب الزوج بفعل الحرب، وهي حجة أخبرها المحامي أنها قانونية ونافذة، ولن يدقق القاضي على المدة المحددة في القانون السوري بأربع سنوات، سنتان من الغياب كافيتان لإصدار الحكم وتحرير الزوجة، فحالات كثيرة حصلت ولم يظهر الزوج فيها حتى الآن، على عكس القصص التي نسمع بها في الروايات والأفلام.

تسهيلات قضائية تساعد على التفريق بين الزوجين

حالة أمينة ليست الوحيدة، عشرات القضايا تقدم يومياً للقضاة للنظر بها، ولا تشمل اللاذقية وحدها، بل يعمل الجهاز القضائي على حل مسائل تتعلق بمحافظات أخرى نزح أبناؤها الذين يحتاجون أوراقاً ثبوتية يصعب الحصول عليها، مما يزيد الأعباء والمهام.

القضاء بدوره أصبح متساهلاً في التعاطي مع هذه الحالات، فتجاوز تشدد القانون السوري بشأن انتظار مرور سنة غياب على الأقل لتقدم الزوجة طلباً بالحصول على حريتها، ستة أشهر أصبحت فترة كافية للبدء بالمعاملات، “لم نخسر دعوى تفريق واحدة بسبب غياب الزوج حتى الآن” يؤكد المحامي ضرار، الذي أصبحت لديه خبرة بمثل هذه الدعاوي، ويلفت إلى أن كثير من النساء لا يعرفن شيئاً عن أزواجهن الذين خرج بعضهم من سوريا دون عودة، فكان لابد من إجراء قانوني يسهل هذه أمور التفريق التي كانت معقدة جداً في السابق، لاسيما لمن هم خارج البلاد، إذ كانت الزوجة يجب أن تنتظر حتى بلوغه عام الثمانين دون أن تعرف عنه شيئا لتحصل على طلاقها، وهذه الشرط تجاوزه القضاء السوري حالياً، نظرا للظروف القاسية التي نمر بها، وصعوبة الحصول على تصريح دفن أو معالم جثة تثبت وفاة الزوج في انفجار أو غارة أو أية ظروف يمكن أن تحصل في الكوارث.

انتشار الظاهرة يعود للظروف القاهرة

لا تتوفر احصائية لحالات الطلاق الغيابي في سورية حتى الآن، لكنه أصبح ظاهرة ملحوظة تعيشها بكثرة النازحات إلى محافظة اللاذقية، ومن المعلوم أن طلاق المرأة في بلادنا يحتاج أسباب مقنعة، لكن مع ظروف الحرب الحالية التي تعيشها سوريا، يكفي تقديم علة البحث عن معيل ليحكم القاضي في جلسة واحدة بوقوع الطلاق، زينب التي اختفى زوجها في أحد معتقلات النظام السوري، يئست من البحث والسؤال عنه دون حصولها على إجابة شافية، “متأكدة أنه في فرع الأمن العسكري باللاذقية، لكنهم أصروا على عدم وجوده لديهم بعد أن أخذته احدى الدوريات عن حاجز بحجة أنه لا يملك دفتر عسكرية”، تقول زينب التي ضاقت ذرعاً بنظرات الناس وأحاديثهم عن سلوكها السيء في غياب زوجها، فما كان منها إلا القبول بأول عريس تقدم لها وارتبطت به بعقد غير مسجل، لكن حملها جعلها تبحث عن مخرج لتسجيل الطفل القادم، إلا أن علة اختفاء الزوج في معتقلات النظام ستؤخر حصولها على الطلاق، لذلك اضطرت لإخبار القاضي أن زوجها يقاتل مع المسلحين، وسقط في احدى غارات الجيش السوري ودفن في حلب، وعلى اعتبار أن النظام لن يعترف بأية ورقة ثبوتية تصدر عن المحاكم الشرعية في المناطق المحررة، فان تصديق الرواية والحكم بطلاق المدعية يصبح الخيار الوحيد أمام القاضي الشرعي، الذي حكم بالفعل بتطليق زينب من زوجها السابق الذي لا تنتظر عودته بعد الآن.

كثيرات من نساء اللاذقية اللواتي يرغبن أيضاً بالحصول على الطلاق، لجأن لهذه الحيلة، خاصة بعد هجرة الكثير من أزواجهن الى بلاد اللجوء في أوروبا، سوسن انخرطت بعملية تطليق زوجها غيابياً بحماس كبير، لم يترك لها زوجها خيارا آخر خاصة بعد زواجه من امرأة أخرى في ألمانيا وقطع التزامه بها وبأطفالها مادياً، “وعدني بلم الشمل سريعاً، وبدلا عن ذلك تزوج بأخرى ونسينا”،  تشرح سوسن حالتها والحسرة تملأ قلها، “اخبرني المحامي بالادعاء أن زوجي قد غرق في قارب مطاطي حسب شهود كانوا معه، أهله موجودون في تركيا وهو مطلوب أصلاً ولا يستطيع توكيل محام أو فعل أي شيء، لست نادمة على هذه الخطوة، انها حل اسعافي لرد اعتباري، والبحث عن حل لوضعي التعيس هنا وحدي”.

وتبقى حالة رجاء هي الأغرب، فزوجها الذي تطوع فعلا في إحدى كتائب الجيش الحر المقاتلة في جبل الأكراد، لم يتخلى عنها أو يتركها لمصير مجهول، بل استمر بإرسال النقود لها، والاتصال بها والسؤال عن طلباتها ودعوتها للعيش معه هناك،  لكنها رفضت اللحاق به بحجة الخوف من البراميل المتفجرة التي أنهكتهم بشكل كبير، تقول رجاء: “مللت من الانتظار، لم أعد أقوى على تحمل المزيد وحدي، القصة تطول ولا يوجد أفق للحل، طلبت من زوجي الطلاق لأنني لا أرغب بانتظاره بعد اليوم، وعندما رفض، وكلت محامياً أخبرهم على الفور أنه إرهابي يقاتل الدولة، وهو أمر كفيل بوقوع أعقد طلاق في أيامنا هذه، وبعد تقديم الوثائق اللازمة لذلك، لم يتأخر طلاقي كثيراً، في الجلسة الثالثة حصلت عليه، زوجي يؤكد أنني ما زلت له، لكن الأوراق الرسمية التي أحوزها تثبت أنني حرة من جديد”.

متخصصون في دعاوى “التفريق الغيابي”

لا يمكن القول أن هناك شبكات ومافيات متخصصة بتسيير هذه الظاهرة بعد، لكن أسماء سماسرة معينين باتت معروفة بتسيير هذه المعاملات، كما أن كثيراً من المحامين تفرغوا بشكل كامل لتبني هذا الموضوع الذي يحتاج في بعض الأحيان لرشوة القاضي لتمريره، جلال، معقب معاملات في القصر العدلي، قال للغربال أن “الكثير من المحامين يعطوننا عمولة معنية في حال استطعنا تأمين أوراق تساعد على تسيير دعوى التفريق الغيابي، التي تعتبر صيداً ثميناً بالنسبة لهم، نظرا لاستعداد الزوجة دفع أي مبلغ لتسيير الدعوى بسرعة كبيرة، فكلهن يبحثن عن زوج جديد ولا يردن أن يدخلن في معمعة المحاكم ونفسها الطويل”.

ويؤكد جلال أن الحظ يلعب دوراً كبيراً في احتمال دفع رشاوي معينة لتسيير المعاملة وعدم تلكؤها، يقول “هناك قضاة متعاطفون بشدة مع هذه الحالات، خاصة القاضيات، لكن البعض الآخر متشدد بشكل كبير ومصر على السير بالمدد المحددة قانوناً، وهنا يأتي دور المحامي لتسيير الأمور من تحت الطاولة، ومحاولة التواصل مع القاضي وإرضائه، وفي النهاية لم ترد أية دعوى، حتى الآن على الأقل”.

 

التعليقات متوقفه