لا داعي للذعر: اسقاط تركيا لطائرة حربية روسية لن يؤدي لحرب عالمية ثالثة – مترجم عن “تلغراف” البريطانية
لدى روسيا والغرب العديد من الأسباب لتجنب الصراع، ولكن حادث إسقاط تركيا للطائرة الروسية يظهر مدى خطورة الأزمة السورية على العالم، تدعي أنقرة أن الطائرة التي أسقطتها انتهكت مجالها الجوي وبقيت في المجال الجوي التركي بالرغم من عشر تحذيرات للمغادرة، فقامت تركيا باسقاطها الأمر الذي شكل لحظة خطيرة في الحرب بسوريا.
ومع سخونة العلاقات الدبلوماسية مع موسكو والمخاطر الهائلة المترافقة مع هذا التصعيد، حلفاء تركيا الغربيين هم الأكثر قدرة على المضي قدماً بحذر شديد.
لقد كانت أزمة اسقاط الطائرة أمراً لا مفر منه؛ حيث اشتكت تركيا من الانتهاكات المتكررة لمجالها الجوي من قبل الطائرات الروسية في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما دفع حلف شمال الاطلسي لإصدار مذكرة احتجاج، وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، تركيا أطلقت النار على طائرة مقاتلة روسية، ولكن اتضح أنها كانت طائرة بدون طيار.
ومن الأهمية بمكان معرفة أن هذه ليست المرة الأولى التي تسقط فيها طائرات روسية عن طريق طائرات أمريكية الصنع، أو العكس، وبدون أن يؤدي ذلك لحرب عالمية ثالثة.
أسقطت الطائرات الباكستانية من طراز F-16 S الأمريكية الصنع عدداً كبيراً من الطائرات السوفيتية في أواخر الثمانينيات، خلال الحرب في أفغانستان، وبالعودة الى الوراء أبعد من ذلك، تم اسقاط طائرة سيمينول RY-8 فوق أرمينيا في طريقها من تركيا، الحادث الأكثر شهرة هو اسقاط طائرة التجسس U2 لطيار المخابرات الأمريكية غاري باورز في عام 1962، كما لعب الطيارون السوفييت أيضاً دوراً سرياً هاماً أثناء الحرب الكورية بين عامي 1950 و 1953، حيث تقول مصادر روسية أنها أسقطت 1100 إلى 1300 من الطائرات الأمريكية أثناء تلك الحرب!
ومع ذلك، هذه هي المرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة التي يقوم فيها عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو” بإسقاط طائرة حربية روسية.
على الرغم من أن تركيا ستصر على أنه من حقها إسقاط طائرة في مجالها الجوي، وبعد تكرار حوادث الشهر الماضي، شركاء تركيا في حلف الناتو سيواصلون التركيز على عدم التصعيد، لكن العلاقات بين الغرب وروسيا في حالة أنحدار، ولا يمكن بالطبع الحديث عن تقارب.
في أعقاب هجمات باريس، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن نيته لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف تشكيل “تحالف كبير”، كما التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع بوتين وكان لقاءهما حميما للغاية، وأيضاً أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراراً يجيز استخدام “كل الوسائل الضرورية” للقضاء على داعش.
وأسفرت المحادثات في فيينا أيضاً عن تقدم متواضع للتوصل الى اتفاق سلام في سوريا. في حين أن حلف شمال الاطلسي سيصدر بالتأكيد مذكرة احتجاج أخرى على التدخل الواضح في المجال الجوي التركي، وحلفاء تركيا الغربيين سيكونون حذرين من تعريض ما يعتبرونه مكاسب دبلوماسية للخطر وذلك من خلال الضغط على روسيا بقوة كبيرة.
ماذا سوف تفعل روسيا الآن؟ مثل أي رئيس، سيكون بوتين تحت ضغط، ولكن من الممكن أن تصر موسكو أن طائراتها كانت في المجال الجوي السوري -بالرغم من بيان تركيا المناقض بأدلة مدعمة من الرادار- سيسمح تمسك روسيا بروايتها لها بتسوية تنقذ ماء الوجه، حيث سيوجه بوتين غضبه على المعارضة السورية بدلاً من تركيا؛ ومن الملفت للنظر أن “الكرملين” يصر على أن الطائرة أُسقطت من الأرض، ومن المفارقة أن هذا قد يكون له تأثير مهدئ على الشارع الروسي.
بالتأكيد سيعتمد هذا الأمر كثيراً على مصير الطيارين الروسيين، الذي أفيد بأن واحد منهما في أيدي المقاتلين التركمان، في حين يبدو الآخر وفقاً لصور على وسائل الاعلام الاجتماعية أنه قد لقي حتفه، ومن المهم هنا التذكير بأن الحكومة التركية لديها علاقات وثيقة مع المجتمعات المحلية التركمانية والثوار في شمال سوريا (أمس فقط دعت أنقرة الى اجتماع لمجلس الأمن الدولي لمناقشة تصعيد الهجمات الروسية والسورية على التركمان السوريين) ومن الممكن أن تستخدم هذا النفوذ لتأمين الإفراج عن الطيارين أو عن جثثهم.
من ناحية أخرى، قد يسأل الرئيس رجب طيب أردوغان لماذا يجب أن يقدم هذه المساعدة إلى بلد لا يزال ينتهك مجاله الجوي بمنحه فرصة للإفلات من العقاب، وذلك لمجرد حماية العملية الدبلوماسية السورية التي يشكك بجدواها مع واحد من ألد أعدائه ألا وهو الأسد.
من المرجح أن تتجنب تركيا ورسيا الانزلاق في صراع، ولكن السبب الأساسي سيبقى -ومثل هذه السيناريوهات ستكرر نفسها- ما لم تدرك روسيا أن سياسة حافة الهاوية على حدود الناتو هي لعبة خطرة ومتهورة.
أخيراً، لا توّلد الحرب السورية فقط تدفق اللاجئين بأعداد هائلة والمجموعات الإرهابية الأقوى في العالم؛ وإنما أيضاً هي ميدان للمنافسات الدولية التقليدية.
- بقلم : شاشانك جوشي، ترجمة محمود العبي، للمطالعة المادة الأصلية اضغط هنــا
التعليقات متوقفه