النظام و”داعش” يتسببان بحرمان أهالي الحسكة وريفها من قوتهم – محمد محمود

شنّ النظام السوري حرباً اقتصادية على أهالي محافظة الحسكة في بداية عام2012 بالتزامن مع الهجمة العسكرية التي تعرّض لها أهالي المحافظات الأخرى، حدث هذا قبل دخول الفصائل المسلحة إلى المحافظة وقبل بدء المواجهات العسكريّة بينها وبين النظام، مارس النظام حربه بهدف إضعاف المحافظة والعمل على تهجير الشباب والكفاءات العلمية منها، فعمل جاهداً على قطع المواد الغذائية ومستلزمات الاطفال وإنقاص مستحقات المحافظة من الطحين، وشجّع التجار على احتكار المواد الاستهلاكية بدون وجود الرقابة التموينية, ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

كانت الحسكة على الدوام سلة سوريا الغذائية بسبب إنتاج أراضيها الزراعية لكميات تتجاوز المليونين طن من القمح والشعير في المواسم الزراعية الماضية، إلا أن سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات زراعية واسعة وتسبب المعارك بين داعش والقوات الكردية بحرائق ضخمة وقيام النظام السوري باستلام محصول القمح ونقل كميات منه إلى مناطق سيطرته وسط وغرب سوريا عبر الأراضي التي يسيطر عليها “داعش” ومن ثم قيام طائراته بقصف مركز الحبوب في حي غويران بعد سيطرة “داعش” عليها تسبب في حرمان أبناء الحسكة من حقهم بالحصول على الخبز.

النظام يحرم أبناء الحسكة من القمح بالاتفاق مع داعش

اعتباراً من موسم 2013 بدأ النظام بشحن المنتجات الزراعية الموجودة في مراكز الحبوب والصوامع ومراكز إكثار البذار إلى مناطق سيطرته وسط وغرب سوريا عبر مناطق سيطرة المعارضة السورية ومناطق سيطرة “داعش” فيما بعد وفق اتفاقات عقدها النظام مع الأطراف التي تسيطر على الطرقات اللازمة لنقل المنتجات الزراعية نحو غرب سوريا.

في بداية الموسم الزراعي الأخير أي منذ حوالي خمسة أشهر بدأ النظام بنقل كميات من القمح بشكلٍ شبه يومي من مراكز الحبوب في الحسكة وريفها إلى دمشق عبر شاحنات كبيرة وذلك وفق اتفاق على أن يأخذ تنظيم “داعش” نسبة 25 بالمئة من المحصول المنقول مقابل عدم التعرض لهذه الشاحنات، وتم ذلك بعد تجميع محصول القمح من قبل النظام بعد شرائه من المزارعين في مركز الحبوب بحي “غويران” بمدينة الحسكة وفي مركزي “جرمز” و”الثروة الحيوانية” في القامشلي.

ولم يكتفِ النظام بذلك وإنما شحن أكثر من 150 ألف طن من مستودعات إكثار البذار في الحسكة إلى دمشق والساحل. وفي الأيام التي يحين بها موعد زراعة القمح سيتم توزيع بذار القمح بنسب معينة على الفلاحين بدون معرفة الصنف والنوع، سواءً أكان القمح صالحاً أو متعفناً أو ذو مردودية ضعيفة بحسب مصادر في المعهد البيطري في القامشلي.

وطرح تجميع القمح في جنوب مدينة الحسكة في مركز غويران بين المعهد الصناعي وكلية الهندسة المدنية وذلك قبل دخول تنظيم “داعش” بفترة قصيرة إلى المدينة تساؤلات بين السكان، خصوصاً بعد أن قام “داعش” بنهب كميات كبيرة من مخزون القمح الباقي في مركز الحبوب بغويران وقام طيران النظام بقصف المركز ليتسبب ذلك باحتراق ما تبقى من القمح.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها الغربال من مصادر بمراكز الحبوب، فقد تم مناقشة إخراج القمح من المحافظة بحماية قوات “الإدارة الذاتية” الكردية ولكن بحصص تتراوح بين أربعين بالمئة “للإدارة الذاتية الكردية” وستين بالمئة للنظام، لكن النظام لم يقبل بالنسب المذكورة وعرض أن تكون حصة “الإدارة الذاتية الكردية” بحدود الثلاثين في المئة ولم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين في النهاية، رغم ذلك تمكنت “الادارة الذاتية الكردية” من الحصول على نحو 220 ألف طن من القمح وذلك من خلال توريد الكميات المسوّقة إلى مركز سباط الذي يقع في مناطق سيطرتها.

محافظة الحسكة تواجه نقص الخبز ورداءة نوعيته

 قبل انطلاق الثورة كانت محافظة الحسكة تُزود بنسبة 30 بالمئة من مادة الطحين من خلال مطاحن محافظة حلب بسبب قلة عدد المطاحن في المحافظة بحسب المعلومات التي تؤكدها مصادر من مديرية فرع المطاحن في المحافظة، وبعد تدمير أغلب المطاحن في حلب والمدن الأخرى من قبل طيران النظام؛ ونتيجة ًلهجرة أعداد كبيرة من المواطنين الذين نزحوا باتجاه محافظة الحسكة، قام النظام بالاعتماد على المطاحن الخاصة في مدينة القامشلي وعامودا والبالغ عددها ستة مطاحن، بحيث يقوم فرع المطاحن باستجرار القمح النظيف من الدرجة الأولى والثانية من مراكز الحبوب لتزويد المطاحن الخاصة بكمية القمح حسب الطاقة الإنتاجية لكل مطحنة وتقوم المطحنة الخاصة بطحن القمح بسعر “850” ل.س للطن الواحد.

وأصدرت مؤسسة الحبوب التابعة للنظام منذ أكثر من ثلاثة أشهر قراراً ينص على أن تكون نسبة استخراج الطحين 95 بالمئة من القمح بعد أن كانت في السابق 80 بالمئة، بمعنى أن كل 100 طن قمح يجب إزالة فقط 5 بالمئة من الشوائب والحصى وبذور الاعشاب ومكسرات القمح والنخالة “قشرة القمح” وأصناف البذور الغريبة الموجودة فيه، وبحسب ما صرّح به أحد المهندسين الزراعيين في مكتب حبوب وفرع مطاحن القامشلي للغربال فإنّ هذا القرار يتطلب إغلاق الغرابيل والتقليل من عمليات التصفية والتنظيف، وهذا حتماً يترك جزءاً كبيراً من المواد الغريبة ضمن الطحين ويكون سبباً رئيساً في رداءة نوعية الخبز المنتج واسمرار لونه نتيجة وجود نسبة عالية من النخالة فيه، وما زاد الطين بلة؛ قيام أصحاب المطاحن الخاصة ببيع القمح النظيف وشراء نوعية أقل جودةً من التجار ويتم خلط جميع أنواع القمح حتى المتعفنة للاستفادة من فرق السعر، إضافة إلى أنّ هذه المطاحن غير مجهزة بمعدات وأجهزة حديثة وغرابيل معدة للتنظيف، ويتم تجاهل القيام بعملية الغربلة بكل مراحلها لخفض التكاليف. ما سبق ذكره له تأثيرات سيئة على من يعانون صعوبة في الهضم، فضلاً عن تأثير نوعيات الطحين الرديئة على الأطفال.

وجاء هذا كلّه مرافقاً بالتزامن مع انخفاض كميات المازوت اللازم لتشغيل الأفران العامة والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ومارافقه من نقص في المياه الصالحة للشرب وخفض الحصص من الطحين المخصص للأفران والتلاعب والفساد المصاحب لعملية التوزيع, كبيع الطحين والوقود وتحكّم جماعات مسلحة ولجان شعبية تابعة للنظام ولبعض الأحزاب المتنفذة, وازدهار سوق سوداء خاصة بالخبز تتجاوز أسعار الخبز فيها ثلاثة أضعاف السعر الحقيقي له، وتدني نوعيته وجودته وتوقف الأفران في بعض الأحيان عن العمل لضعف الصيانة والحالات الأمنية والضغوط الممارسة على الموظفين من بعض الجهات وسوء نوعية الطحين وانعدام الخميرة في بعض المراحل وخصوصاً مع بداية العام 2015.

ضعف انتاج الخبز يرفع أسعاره

 يبلغ عدد المطاحن العامة المملوكة للدولة في محافظة الحسكة ثلاثة مطاحن، بواقع مطحنة واحدة في الحسكة واثنتان في القامشلي بطاقة 50-100طن في اليوم في الوقت الذي تزيد فيه الحاجة الفعلية للمحافظة عن 500 طن في اليوم، وقد أدى قدوم نازحين من بقية المحافظات ومن أبناء المحافظة العائدين من المدن السورية إلى الحسكة إلى زيادة استهلاك الخبز بشكل كبير، كما أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى زيادة الاستهلاك أيضا حيث أصبح الخبز كتعويض عن نقص في نوعية وكمية الغذاء اليومي للفرد وخاصة للعائلات الفقيرة كونها مادة غذائية رخيصة وأساسية.

وقد تردت نوعية الخبز بسبب تأخر توزيعه نتيجة الاعتماد على نظام المعتمدين والتوزيع بكميات كبيرة في سيارات وبقاء الخبز لمدة طويلة معرضاً للحرارة والرطوبة وبالتالي تردي نوعيته قبل وصوله للمواطن، ويتراوح سعر ربطة الخبز التي تزن كيلوغرام واحد بين 35 و300 ليرة سوريّة، وتحصل أزمات مفتعلة لبيع الخبز في السوق السوداء بسعر 200 ليرة بينما السعر الحقيقي هو 70 ليرة للكيس الذي يحتوي ربطتين من الخبز، كما أنه أصبح من الشائع أن يتمّ الاتّفاق بين عناصر مسلحة وأمنية وتجار على بيع ربطات الخبز للمواطنين على الأرصفة خارج مقرّ الفرن، وبأسعار استغلاليّة مرتفعة.

التعليقات متوقفه