بطاقة شكر للظروف – خديجة زغبي
اعتدنا نحن السوريين منذ بداية ثورتنا على توزيع بطاقات الشكر ولافتات الامتنان على كل من ساندنا أو وقف معنا حتى لو بتصريح عابر عن “خطوط حمراء” مزعومة، لم يكن ذلك بس سذاجتنا أو بساطتنا وإنما كان في الحقيقية بسبب وحدتنا، نعم وحدتنا، دائماً ما كنا نحس باليتم وفقد الأصدقاء والمناصرين مع إحساسنا الدائم بزيادة عدد أعدائنا باستمرار، كان ذلك كافياً لنطلق حملات من قبيل: شكراً حمد وشكراً تركيا وصولاً إلى حملة الشكر للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أخيراً.
سوريون آخرون قليلون فضلوا أخيراً التوقف عن تقديم بطاقات الشكر ليتساءلوا عن تفسير ما لاستقبال ألمانيا للاجئين السوريين، منهم من راح يعزو الأمر إلى كون السوريون ثروة بشرية اقتصادية وعلمية لا تقدر بثمن، دون النظر إلى هذا الكم الهائل من العقد والأمراض النفسية التي ابتلينا بها نتيجة الأوضاع المأساوية التي نعيشها.
آخرون باتوا يعتقدون أن تسويق الهجرة وتشجيع الشبان السوريين إليها ما هي إلا مؤامرة دولية هدفها تفريغ سوريا من مسلميها السنّة بحيث يصبح المسلمون السنّة أقلية بسوريا ليتفاعل الأمر أكثر عند وصول المهاجرين إلى أوربا حيث سيجبرون على اعتناق الديانة المسيحية وسيجبر أطفال المهاجرين على الدخول للكنائس ليغيروا دينهم، بعض المهاجرين هنا لا يتردد، بسبب حرجه من أقاربه وأصدقائه الذين يُسمعونه مثل هذا الكلام، عن القول بأن هجرتهم ما هي إلا فتح جديد يضاف إلى فتوحات المسلمين كون هؤلاء المهاجرين سيقومون بدور دعوي في “بلاد الكفر” وينشرون الإسلام بها!
كانت مواقف من يصنفون من المثقفين مختلفة، وتحدث بعضهم عن مصالح اقتصادية وسياسية لألمانيا في قبول أعداد كبيرة من المهاجرين، فيما نادى آخرون بأن الشكر واجب للشعب الألماني وللشعوب الأوربية الأخرى التي ضغطت على حكومتها لتستقبل المهاجرين السوريين.
أتساءل حين أرى هذا الكم الهائل من وجهات النظر المتناقضة ألم ينم لنا في الغوطة اكثر من 1200 شهيد بفعل ضربة كيماوية سلبت منهم أرواحهم في لحظات؟ ألم تهشم براميل الموت رؤوس أطفالنا؟ ألم تقطع هذه البراميل أوصالنا على مدار أربع سنوات؟ كم مرةً اعتذرنا للمشاهدين عن قساوة فيديوهات ضاقت بها الصفحات على الأنترنت والفضائيات لأشلائنا ودمائنا؟ أين كان من نعتذر منهم ومن نقدم لهم بطاقات الشكر من كل ذلك؟
ألم تكن هذه الاحداث عظيمة كفاية لتتحرك عواطف الشعوب وتضغط على حكوماتها للتدخل لإيقاف شلال الدم الجاري في سوريا، ما الذي استجد على مشهد الموت السوري اليومي حتى باتت مأساة السوريين في واجهة وسائل الإعلام الدولية؟
في ألمانيا مثلا لا يوجد منظمات ولا اتحادات ولا هيئات ولا أفرع أمنية تعتقل مواطناً في السادسة من عمره لتفرج عنه في مكتب دفن الموتى، في نفس الوقت بألمانيا وفي غيرها من الدول “الديمقراطية” لا تتخذ الحكومات قراراتها المصيرية بناء على عواطف شعوبها الانسانية أو بناء على ردود أفعال غاضبة وآخر ما تفكر فيه هذه الدول هو تخليص شعب ما من كوارثه ومآسيه.
لا شك أن الحكومة الالمانية أخذت الوقت الكافي لتدرس قرارها في استقبال اللاجئين بكل ابعاده بما في ذلك الجدوى والمخاطر على المدى القريب والبعيد ووضعت الآليات اللازمة لتنفيذه بما يجنب البلاد الفوضى، لتبدأ بعد ذلك الماكينا الاعلامية بحشد الرأي العام بما يتناغم مع مثل هذا القرار من خلال الصور المؤثرة التي تتصدر أغلفة أشهر الصحف والمجلات واللقاءات والبرامج التلفزيونية.
الإعلام ببلاد الديمقراطية يتحرك وفق المصالح السياسية لحكوماتها هذه الدول، بغض النظر عن كون هذا الإعلام تابع للأحزاب الحاكمة أو المعارضة فجميعها تقدم مصلحة الشعب والدولة وليس بينها من يجرء على إحراق البلد ليحظى بكرسي الحكم أو الإمارة!
علينا نحن كسوريين بعد كل ذلك أن نوجه بطاقات الشكر والامتنان للظروف التي شاءت أن تتقاطع مصالحنا او على الأقل شاءت ألا تتعارض مع مصالح ألمانيا!، وعلينا أيضاً أن ندعو الله أن يصبح سقوط الأسد من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية حينها فقط سيقوم الشعب الامريكي ليطالب بإنهاء المأساة المستمرة في سوريا كما قام الشعب الألماني ليطالب حكومته باستقبال اللاجئين السوريين.
التعليقات متوقفه