نفط الساحل السوري مخرج للنظام من أزمة الوقود وذريعة لتهجير المزيد من السكان – بهيجة عبدالله

لم تكن بداية الصيف الحالي فترة عادية بالنسبة للمقيمين في المنطقة الواقعة ما بين حيي المشاحير وقنينص على أطراف مدينة اللاذقية، حيث تسكن أغلبية معارضة للنظام السوري، فوجود حفارة “أورلماش”، البالغ طولها 54 متراً والتي تزن ألف طن، والقادمة من حقول الجبسة للنفط، غيّر معالم المنطقة.

أعمال حفر يومية وشاحنات وصهاريج للنقل انتشرت بالمنطقة ما يشير إلى أن أمر البحث عن “نفط” في الساحل جديّ هذه المرة، كما أن وجود الخبراء الروس الذين أشرفوا على جميع أعمال الحفر والتنقيب منذ البداية يزيد من الاعتقاد بجدية الموضوع.

بشّر الخبراء الروس مسؤولي النظام بأن هذا البئر الذي يعملون على حفره على أطرف اللاذقية هو واحد من عدة آبار تم تحديدها، تضم كميات من النفط، ستلبي حاجات الاستهلاك في الساحل السوري لأكثر من ثلاثين عاما على الأقل.

دوافع كثيرة للبحث عن النفط في الساحل

تركيز النظام على استخراج النفط من الساحل لم يأت عن عبث، فخروج معظم النفط السوري عن سيطرة النظام، وصعوبة الاتفاق مع جهات دولية لاستيراد كميات كافية منه، خاصة مع وجود حصار اقتصادي دولي يعاني منه النظام، وحجز على أموال النظام في البنوك الدولية، إضافة إلى عدم قدرة إيران على سد الحاجات المتزايدة من المنتجات النفطية، وخسائر قطاع النفط المتزايدة، عوامل اجتمعت لتدفع النظام للبحث عن نفط في الساحل.

وصد تقرير عن “المؤسسة العامة للنفط” مؤخراً بين أن إجمالي النفط المنتج في سورية، خلال النصف الأول من عام 2015، والمسلم لمصفاة حمص، قد بلغ  1،8 مليون برميل، بمعدل إنتاج وسطي بلغ 9934 برميل يومياً. وبالمقارنة مع الكمية المنتجة لنفس الفترة من العام الماضي 2014، نجد أن نسبة الإنتاج قد انخفضت بنسبة 43%، حيث تم إنتاج 3.164 ملايين برميل، بمعدل إنتاج وسطي بلغ 17 ألف برميل يومياً، أي أن النظام السوري أصبح قادراً على تأمين نحو 10 آلاف برميل نفط يومياً فقط، بعد أن وصل انتاج سوريا اليومي من النفط نهاية عام 2010 إلى 385 ألف برميل يومياً.

اكتشافات سابقة في الساحل تعزز احتمال وجود النفط

تم اكتشاف أكثر من بئر نفطي في اللاذقية بالصدفة منذ أواسط الثمانينيات إلى اليوم، أول الاكتشافات كان في حي الفاروس في التسعينات، وأقفل الموضوع حينها لعدم الحاجة الى النفط حسب التصريحات الرسمية آنذاك، لتعود بوادر وجود نفط في اللاذقية للظهور في منطقة سوق الهال عام 2007، حين عثر السكان على نفط أثناء عمليات حفر بهدف تشييد وبناء في المنطقة، حصل الأمر نفسه مرة أخرى في شارع الجمهورية وسط المدينة في العام نفسه، وسرت أقاويل وأخبار بين السكان عن وجود كميات جيدة من النفط فيهما، وعندما استخرجت الشركة الروسية “تات ليفينت” عينات منه، تبين أنه غير اقتصادي على الاطلاق، ويتصف بكونه سطحياً ومكلفاً، ولا يغطي مصاريف استخراجه، وقالت الحكومة حينها إنها “استخرجت 1000 برميل من تلك الحفريات، وحولتها إلى شركة نقل النفط الخام في بانياس”.

وعلى الرغم من عدم إثبات وجود جدوى اقتصادية حقيقية من استخراج النفط في الساحل السوري، الا أن النظام يعول على نتائج اختبارات الشركات العالمية، التي أرسلت لها العينات المكتشفة سابقاً، وأكدت بدورها على “إمكانية وجود كميات جيدة من النفط في منطقة الساحل والمياه الاقليمية السورية”، مما شجع على اطلاق اعمال الحفر الاستكشافية في البئر المتوقع (موقع المشاحير)، مع  تحديد مواقع أخرى سيباشر العمل فيها لاحقاً، وذلك بالاعتماد على نتائج الاكتشاف في الموقع الحالي، وحجوم النفط الموجودة فيه، حيث بين أحد المهندسين العاملين في الموقع للغربال أن “أعمال الحفر ستصل لعمق 3400 متر، للحصول على معطيات تساعد في معرفة إمكانات المنطقة النفطية في مواقع أخرى قريبة من موقع الحفر”.

أعمال التنقيب مستمرة في ظروف سيئة

تقنين الكهرباء، وضعف توفر المحروقات، لم تقف عائقاً بوجه استمرار أعمال الحفر والتنقيب، يقول أحد قاطني المنطقة للغربال: “إن أعمال الحفر ما زالت مستمرة بشكل شبه يومي وتجري هذه الأعمال بمشاركة مهندسين محليين إلى جانب خبراء شركة سيوز نفتا غاز الروسية التي تعاقدت معها شركة النفط منذ عام 2013، مع وجود زيارات متكررة من وفود رسمية للموقع، للاطلاع على الانجازات المحققة فيه حتى الآن، مع استمرار عمليات ترحيل الأتربة وتعزيل البئر”.

ويشير خبراء اقتصاديون إلى عدم وجود مؤشرات حقيقية عن الكمية التي يمكن استخراجها حاليا من هذا المكان، لافتين أنه “لم يتم التوصل حتى الآن لمعرفة إن كانت هناك مكامن حقيقية للنفط في هذه المواقع المختارة، أم أنها مجرد بقع هاربة ومتجمعة هنا وهناك”.

وتشير التحليلات المخبرية التي اطلع فريق الغربال عليها إلى أن “نفط هذه الآبار يختلف عن النفط الثقيل المستخرج من غالبية الحقول السورية، والمتميز بكونه من النوع الثقيل، والمحتوي على نسبة عالية من الكبريت، تستخرج منه منتجات نفطية منخفضة الجودة، ويوجد منه كميات كبيرة، اما نفط آبار اللاذقية فيتميز بكونه خفيفاً، ويوجد فيه الكبريت بتراكيب صغيرة”، ما يعطي نفط اللاذقية المنتظر قيمة اقتصادية مضافة في حال كانت كمياته اقتصادية أي كبيرة بما يغطي تكاليف الاستخراج ويدر الأرباح.

كما تؤكد مصادر في حكومة النظام أن تكرير النفط، في حال وجدت كميات كبيرة منه، سيتم في مصفاة بانياس التي تبعد عن اللاذقية 50 كيلومتراً، وفي خطوة تحضيرية لإتمام العملية، أعيد تأهيل خط نفط اللاذقية – بانياس، الذي توقف عن العمل لفترة طويلة، فأزيلت الإشغالات عن جانبيه، وأعيد تشغيله فعلياً خلال الشهر الماضي.

هل يوجد نفط في المياه الإقليمية السورية؟

في عام 2005 تم تنفيذ مسح  لخمسة آلاف كيلومتر طولي قبالة السواحل السورية، ووفق النتائج الأولية للمسح، قسمت المياه الاقتصادية السورية الى أربعة قطاعات، ودخلت الشركات العالمية بمناقصات للبحث والتنقيب وفق هذه التقسيمات، خاصة وأن نتائج المسح الجيولوجي الامريكي عام 2010، والتي أجريت في حوض شرق المتوسط،  قدرت وجود احتياطي يصل الى 3450 مليار م3 غاز و 1.7 مليار برميل نفط في المنطقة.

لكن جميع عقود التنقيب والاستكشاف الموقعة قبل انطلاق الثورة ما تزال معلقة، حسب تصريحات وزير النفط في حكومة النظام السوري سيلمان العباس، بسبب العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، وعدم إمكانية التمويل من الشركاء الأجانب، لكن الوزير أكد  أن عقد التنقيب البحري الموقع مع الشركة الروسية «SNG East MED S. A»، قد دخل حيز التنفيذ وفق الخطة الزمنية المتفق عليها، لتبدأ عمليات التنقيب فعليا في القسم البحري رقم 2.

تتجلى عمليات التعاون بين الفريقين الروسي والسوري، بتامين الامكانات اللازمة للتنقيب العميق الذي تتطلبه عمليات الاستكشاف البحري، لاسيما وأن المنطقة المزمع استكشافها، تمتاز بوجود رشوحات نفطية في السواحل الشاطئية، كما أن توافر أحواض رسوبية تحتضن صخوراً مولدة وحافظة وخازنة للنفط والغاز. الأمر الذي دعا وزارة النفط للتفاؤل، والترويج إلى أن ” نجاح هذا المشروع سيعود بالفائدة على العملية التنموية في البلاد بشكل عام، والمدن الواقعة بالقرب من الانتاج النفطي بشكل خاص” ، أي اللاذقية وبانياس وطرطوس.

خوف من التهجير القادم

سكان المناطق التي تحصل فيها أعمال الحفر والتنقيب هم في غالبهم من معارضي النظام السوري، تلقفوا التصريحات الرسمية الخاصة باستخراج النفط بالتوجس، إلا أن شريحة منهم عبرت عن تفاؤلها نظرا لأن وجود نفط في مناطقهم سيساعد في  تحسين أوضاعهم بحسب وجهة نظرهم، ربما من خلال توفير المحروقات مستقبلا بأسعار زهيدة، مع امكانية تأمين فرص عمل في هذه المشاريع.

الأغلبية عبروا عن استياءهم من هذه المشاريع، التي وصفها أحد من قابلتهم الغربال بالمشاريع الوهمية، حيث أكد أن أعمال التنقيب قد طالت هذه المناطق سابقا ولم ينتج عنها شيء يذكر، وما هذه الاعمال إلا تهديد للقاطنين في هذه التجمعات السكنية الذين قد يتعرضون للترحيل في أي لحظة، حيث وضعت الحفارات في مناطقهم دون مراعاة الآثار الخطيرة التي أنتجها وجودها وأهمها التلوث البيئي الذي بدأ بالتسبب بمعاناة للسكان.

ويقول أحمد للغربال وهو من سكان المنطقة التي يجري فيها الحفر: “إنها منطقة مخالفات يعيش فيها نسبة كبيرة من الفقراء، سمعنا العديد من الأقاويل هنا وهناك عن نية الجهات الرسمية تنظيمها، ولعل حجة التنقيب عن النفط هي أولى الخطوات لتحقيق هذه الغاية، فبعض المهندسين العاملين في المشروع أنذرونا شفهياً بقولهم أنه في حال توصل الفريق للنتائج المرجوة من البحث، فان المنطقة المحيطة بالموقع على مدى عدة كيلومترات، ستخلى تماماً من السكان، دون البحث في مصير هؤلاء، الذين يبلغ عددهم عشرات الألاف”.

التعليقات متوقفه