خدمات إدلب الطبية زادت من ألم المرضى – رزق العبي

“من يقول أن ضعف التمويل هو السبب في تدهور الخدمات الصحية في إدلب كاذب!” هكذا علّق أحد المواطنين في إدلب عندما سألته الغربال عن إمكانية كون عدم وجود المصادر المالية لدى المؤسسات الطبية في إدلب وريفها سبباً في تدهور الخدمات الطبية التي تقدمها هذه المؤسسات.

دفع تدهور الواقع الطبي في ريف إدلب المرضى للتوجه نحو تركيا لتلقي العلاج، إلا أن إغلاق الحدود المستمر من قبل السلطات التركية حال أمام وصول الكثيرين إلى المشافي التركية، ما زاد معاناة المرضى من أبناء محافظة إدلب.

 مدينة إدلب منكوبة طبياً

عانت كتائب الثوار أثناء تحرير مدينة إدلب من نقص الخدمات الطبية، المقدم محمد العبي المقاتل في صفوف فيلق الشام أشار في حديث للغربال لمشكلات كبيرة واجهت قواته أثناء معركة إدلب نتيجة وقوع العديد من الإصابات البالغة الخطورة في صفوف قوات الثوار, والمدنيين, ومؤكداً أن قواته عانت من عدم وجود غطاء طبي متكامل في تلك المعركة, نظراً لضراوة الاشتباكات وتسارع المواجهات وقتها.

أيمن أسود أحد عناصر الدفاع المدني بمدينة إدلب تحدث للغربال عن الواقع الطبي بإدلب قائلاً: “بعد تحرير إدلب تعرضت المدينة لقصف متواصل تسبب بضرر كبير على المؤسسات الطبية، كان من المؤسسات التي دمرها القصف المشفى الوطني ومشفى الهلال الأحمر” يتابع أيمن: “من خلال عملي في مجال الدفاع المدني لحظت وقوع إصابات خطيرة يفقد على إثرها المصاب حياته, وخاصة الأطفال، بسبب عدم احتمال الجريح لإصابته لحين نقله إلى منطقة يوجد فيها فريق طبي متكامل”.

أم سالم من الساكنات بإدلب روت للغربال بحرقة كيف فقدت ولدها أمام عينيها نتيجة استهداف منزلها بالقصف قائلةً: “كنت عاجزة أمام تلك الحادثة, حين فارق ابني الحياة أمام عيني وأنا أصرخ وأبكي دون جدوى, وهو يفارق حياته, كانت وقتها إدلب مفتقرة لكادر طبي ينقذ المصابين، كان نقله إلى مكان آخر يتطلب وقتاً وبالتالي كان سيموت في سيارة الإسعاف”.

في الريف وضع مشابه

في مدينة سلقين يوجد مستوصف حكومي يُعد من أقدم وأهم النقاط الطبّية في منطقة الريف الشماليّ الغربيّ لإدلب, وهو مستوصف بني أيام الانتداب الفرنسي, وأُعيد ترميمه وتأهيله في عام 1997، بعد سيطرة الثوار على المدينة قلّص النظام من كميّات المواد الطبّية للمستوصف وهدّد العاملين فيه بفصلهم إن قاموا بمعالجة جرحى المدينة من الثوار, فكانت الحاجة ملحّة لإنشاء مشفى ميداني لعلاج جرحى الثوار من المتظاهرين والمسلحين، لكن الطيران الحربي التابع للنظام استهدف بعد إنشائه بشهر واحد بصاروخ أدى لتدميره بشكل شبه كامل, ونقلت الأجهزة التي سَلِمَت من القصف إلى مبنى آخر افتُتح فيه لاحقاً عيادات لعلاج الأمراض العامة، تقوم هذه العيادات بعلاج الأمراض الداخليّة بالإضافة إلى قيامها بإجراء بعض العمليّات الجراحيّة مؤخراً، وهي تحوي أطبّاء وممرضين بمختلف الاختصاصات.

محمد العمر أحد مقاتلي الجيش الحر بسلقين تحدث للغربال عن أثر ضعف الخدمات الطبية على حالته الصحية بعد إصابته بشظايا قذيفة أثناء إحدى معارك قوات الثوار بريف إدلب، يقول محمد للغربال: “بعد أن تم نقلي إلى تركيا لإجراء عمل جراحي لترميم عظم قدمي اليسرى وإخراج الشظايا من جسدي، بقيت في المشفى بمدينة غازي عنتاب التركية 20 يوماً، الأطباء في تركيا لم يستطيعوا إخراج جميع الشظايا العالقة في جسدي لذلك طلبوا مني مغادرة المشفى ومراجعة مشفى مختص أو دار استشفاء تساعدني في إخراج الشظايا والإشراف على العناية بقدمي، عدت بعدها إلى منزلي في سلقين، كانت أمّي من تقوم برعايتي وإخراج الشظايا المؤلمة من جسدي لعدم وجود دار استشفاء أو مشفى قادر على الإشراف والعناية بالجرحى بعد العمليات الجراحيّة، ممّا أدى لالتهاب في قدمي مازال يتفاقم إلى اليوم”.

وكان الخوف والتواجد المكثف لعناصر النظام في إدلب وريفها قد دفعا الثوار للإقامة مشافٍ ميدانية تقدم خدمات طبية بسيطة, يتحدث الطبيب محمود المحمود للغربال عن تجربته، وهو أحد العاملين في المجال الطبي الميداني منذ بداية الثورة، يقول الدكتور محمود: “بعدما أفلتت أغلب مناطق إدلب من قبضة النظام, كان لابد من العمل على إنشاء مشافي تخدم الأهالي، تم إنشاء نقاط طبية ومشافي ميدانية بلغ عددها نحو ثلاثين في ريف إدلب، سدت هذه النقاط الطبية والمشافي بعض احتياجات المرضى لفترة، قبل أن يبدأ طيران النظام باستهدافها, فوقعت مجازر مروعة منها مجزرة مشفى كفرنبل في 6/12/2014، ومجزرة مشفى جسر الشغور في 6/2/2015، ومجزرة مشفى أطمة العام الماضي, وغيرها, هذا الاستهداف المتكرر للمشافي من قبل النظام اضطر القائمين عليها لنقلها إلى الحدود السورية التركية أما في الداخل فبقيت المشافي الميدانية تكتفي بتقديم الخدمات الطبية الأساسية التي توفر الإسعافات الأولية فقط للمرضى والمصابين جراء القصف”.

هجرة الكوادر زادت الوضع سوءاً

معظم  الكوادر الطبية من أبناء ريف إدلب هاجروا إلى دول الجوار وباقي دول العالم ما أدى إلى نقص حاد في هذه الكوادر, عن هذا يتحدث الطبيب عبدالإله إسماعيل للغربال قائلاً: “القصف والوضع الأمني الذي عاشه ريف إدلب أدى إلى هجرة الكوادر الطبية خارج سورية، الأمر الذي أدى لنقص كبير في الكوادر حتى على مستوى الممرضين، دفع ذلك بعض المشافي والنقاط الطبية للاعتماد على ممرضين مبتدئين بعد أن أقامت لهم دورات تمريض مستعجلة نظراً لضرورة العمل, الأمر الذي انعكس سلباً على سير العمل الطبي”.

بالنسبة لعيادات الأطباء فهي تكاد معدومة, أغلب المرضى يلجؤون الى المشافي التركية, نتيجة عدم وجود عيادات شاملة، سواء في المشافي المقامة على الحدود، أو النقاط الطبية في الداخل, وهناك معاناة كبيرة للمرضى وخاصة بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة، من الذين يحتاجون الى متابعة بشكل دائم فضلاً عن صعوبة العبور الى الجانب التركي بسبب حالتهم الصحية.

هاجر الصيادلة أيضا من إدلب وريفها لتظهر في الواجهة صيدليات عشوائية تدار من قبل أشخاص لا يحملون أية شهادات اختصاص، الأمر الذي نتج عنه أخطاء كثيرة في إعطاء الوصفات الطبية وبالتالي إعطاء المرضى أدوية قد تودي بحياتهم, في ظل غياب الرقابة من قبل وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة ليبقى الأهالي هم الضحية الوحيدة التي تدفع الفاتورة الأكبر.

التجهيزات الطبية غير موجودة

تعاني مناطق إدلب وريفها من نقص كبير في التجهيزات الطبية، محمد هو أحد سكان كفرنبل قال للغربال: “تعرض ولدي لحادث سير, نتج عنه إصابة في الرأس ونزيف خارجي, قام الموجودون وقتها بأخذه إلى أحد المشافي الخاصة في كفرنبل, بقيَ ولدي ملقى على سرير قرابة 45 دقيقة, بسبب غياب الطبيب ومالك المشفى, وحضرت بعض الممرضات ذوات الخبرة الضعيفة, وبدأن بعمل إسعافات أولية لا تنفع أبداً, وعندما وصل إلى المكان قمت بنقله إلى مشفى خيري, لم يقم الطبيب الذي كان يتمدد على سرير في مكتبه بتحريك نفسه, وبعد جدال طويل أخبرني أن ولدي يلزمه طبيب عصبية, دون أن يقترب ويعاين الطفل أساساً, اضطررت أن أنقل ولدي لطبيب عصبية في معرة النعمان, فطلب مني صورة طبقي محوري, للأسف لا يوجد أجهزة طبقي محوري في ريف إدلب, الجهاز الموجود بسراقب معطل, والجهاز الذي كان موجوداً بدركوش تم استهدافه وتوقف عن العمل، هناك جهاز واحد تم إصلاحه مؤخراً في أحد مشافي كفرنبل وهو غير قادر على تغطية احتياجات المنطقة بالكامل”.

يدفع ذلك الأهالي غير القادرين على السفر نحو تركيا أو مناطق سيطرة النظام بحلب إلى السفر لمدينة عفرين أو منبج في ريف حلب لإجراء تصوير طبقي محوري لمرضاهم.

وتعاني مناطق ريف إدلب من نقص كبير في تجهيزات نقل وحفظ الدم وتجهيزات تعبئة الأوكسجين الطبي ونقص في أجهزة الإرذاذ اللازمة للتنفس، وأجهزة غسيل الكلى وغيرها من الأجهزة اللازمة للمشافي والنقاط الطبية.

مشافي تركيا هي الملجأ الوحيد

يتحدث أيمن وهو أحد المرضى الذين احتاجوا إلى مراجعة دورية للمشافي التركية للغربال عن عدم الاهتمام بالوضع الطبي في إدلب وريفها, وعدم الاكتراث بالوضع الصحي للأهالي من قبل القائمين على إدارة هذه المناطق, وعدم توفير مشفى يحوي على عيادات شاملة لكافة الامراض، أدى كل ذلك إلى اضطرار المرضى للسفر إلى تركيا للحصول على الاستطباب وبالتالي تحمل معاناة السفر مع ألم المرض.

مشافي مدن أنطاكيا والريحانية وغازي عنتاب وكيليس وأورفا وأضنة ونيزيب التركية باتت تشهد يومياً خلال السنوات الثلاثة الماضية مراجعة العشرات من المرضى السوريين من المقيمين في تركيا أو القادمين إليها بهدف الاستطباب، تقدم المشافي الحكومية في المدن التركية الخدمات الطبية للسوريين مجاناً بشرط حيازتهم على بطاقة “كيملك” وهي بطاقة تسجيل للسوريين يمكنهم الحصول عليها من مراكز خاصة تابعة للبلديات التركية.

التعليقات متوقفه